فورين أفيرز : أزمة شرعية أبيي أحمد

الأحد 3 يناير 2021 09:32 ص

فورين أفيرز : أزمة شرعية أبيي أحمد

نشر موقع فورين أفيرز مقالا تناول تأثير صراع تيغراي على شرعية أبيي أحمد.

رغم أن القوات الإثيوبية تسيطر الآن على جزء كبير من تيغراي لكنها لا تتمتع بالسيطرة الكاملة.

بعد أقل من ثلاث سنوات من الشروع فى إصلاحات ديمقراطية وبعد عام واحد من منحه جائزة نوبل للسلام بات أبيي فى حالة حرب ويحكم بالإكراه.

مع تراجع الدعم الدولى قد يجد أبيي أحمد تداعيات حرب تيغراي أصعب من إخماد الصراع نفسه وسط احتمالية انتقال عدوى الصراع لجماعات عرقية أخرى.

يتعرض أبناء تيغراي خارج منطقتهم لمضايقات ومداهمات أمنية تعسفية لمنازلهم وتقول لجنة حقوق الإنسان فى إثيوبيا إنها «تشعر بقلق بالغ» بشأن تهميش تيغراي عرقيا.

*     *     *

بقلم | نيك تشيزمان و يوحنا ولدمريم

الآن، يصر أبيي أحمد على أن الحرب فى تيغراي انتهت، مدعيا أن قواته حققت انتصارا حاسما على قوات جبهة تحرير شعب تيغراي وأن التقارير عن استمرار التمرد خاطئة. حتى إن رئيس الوزراء استأنف جدوله المعتاد للأحداث الرسمية، فسافر إلى شمال كينيا فى وقت سابق من الشهر الماضى لفتح نقطة حدودية جديدة مع الرئيس الكينى أوهورو كينياتا، ولا شك أنه يسعى إلى تعزيز الانطباع بأن إثيوبيا عادت إلى العمل كالمعتاد.

لكن الواقع فى تيغراي على عكس ما قال أبيي أحمد تماما. فرغم أن القوات الإثيوبية تسيطر الآن على جزء كبير من المنطقة، لكنها لا تتمتع بالسيطرة الكاملة. وأحد الأسباب التى جعلت القوات الإثيوبية قادرة على الاستيلاء على العاصمة الإقليمية مِقله بهذه السرعة هو أن جبهة التحرير سحبت بالفعل العديد من مقاتليها وفرقتهم عبر المناطق الريفية والمناطق الجبلية النائية.

فجبهة تحرير شعب التيغراي عادت إلى نفس الممارسات التى استخدمتها عام 1991 (تكتيكات حرب العصابات ضد نظام الدرغ بقيادة منغيستو هيلا مريم) للوصول إلى السلطة، ويبدو أنها شنت سلسلة من الهجمات الصغيرة ضد القوات الإثيوبية، لكن من المستحيل معرفة مدى تكرار أو فاعلية هذه الهجمات لأن أديس أبابا فرضت تعتيما إخباريا على المنطقة.

معركة شاقة

لمدة 28 عاما قبل أن يتولى أبيي أحمد السلطة، هيمنت جبهة تحرير شعب تيغراي على الائتلاف الحاكم فى إثيوبيا، المعروف باسم الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبى، ودافعت بشدة عن الحكم الذاتى لتيغراي.

أدى اختيار أبيي أحمد كرئيس للوزراء فى 2018 إلى كسر قبضة جبهة التحرير على السلطة وجردها من العديد من امتيازاتها. نتيجة لذلك، أدت محاولات أبيي أحمد لإخضاع تيغراي عسكريا إلى نشوء كراهية عميقة تجاه الحكومة المركزية وتزكية النزعة القومية لإقليم تيغراي.

زاد نظام أبيي أحمد الأمور سوءا عندما أبعد مسئولى تيغراي من السفارات، ومن بعثة الاتحاد الإفريقى لحفظ السلام فى الصومال. ووفقا لـ«هيومن رايتس ووتش»، يتعرض سكان تيغراي الذين يعيشون خارجها للمضايقة بشكل متزايد، من خلال المداهمات التعسفية لمنازلهم من قبل قوات الأمن. حتى لجنة حقوق الإنسان فى إثيوبيا قالت إنها «تشعر بقلق بالغ» بشأن التهميش العرقى ضد تيغراي.

الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تواجه معركة شاقة ضد الدولة الإثيوبية. فمقاتلو جبهة التحرير أصبحوا خبراء فى حرب العصابات خلال الصراع الذى أطاح بالدرغ، لكن حكومة أبيي أحمد خصم أقوى بكثير والبيئة الدولية أقل مساندة لتيغراي مما كانت عليه فى الثمانينيات.

ففى الثمانينيات، كانت جبهة التحرير الشعبية الإريترية حليفة لجبهة تحرير شعب تيغراي. الآن، إريتريا دولة مستقلة ترى أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عدوا. كما يجد زعماء التيغراي أنفسهم محاصرين بين إريتريا والسودان، دون سهولة الوصول إلى حدود دولية يمكن من خلالها تأمين الوصول إلى الأسلحة والإمدادات.

لا تعنى هذه القيود أن جهود جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي محكوم عليها بالفشل، لكنها تعنى أن التمرد من المحتمل أن يكون منخفض الدرجة وطويل الأمد وستعتمد جبهة التحرير على تشكيل تحالفات مع الجماعات المتمردة الأخرى من أجل التمدد.

وبغض النظر عما إذا كانت جبهة التحرير قادرة على الحفاظ على تمرد قوى، فإن حملة أبيي أحمد العسكرية والتمييز الذى يمارسه ضد تيغراي ستقوى مقاومة تيغراي السياسية، على مدى جيل على الأقل، لمنع سيطرة الحكومة الفيدرالية. وفى حالة عدم رضوخ تيغراي، سيتعين على أديس أبابا أن تحكم من خلال القمع.

القمع أو الإصلاح

إن التمييز الذى تمارسه الحكومة الإثيوبية ضد أهالى تيغراي وجهودها لإخضاعها يهدد شرعية أبيي أحمد فى جميع أنحاء البلاد. فالجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبى كانت قد أعلنت أنها تحترم الحكم الذاتى لكل من المجموعات العرقية الرئيسية فى إثيوبيا، وذهبت إلى حد تكريس حق تقرير المصير فى الدستور.

حل أبيي أحمد الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبى لصالح آلية سياسية جديدة، حزب الازدهار، الذى كان أول عمل له هو قمع تيغراي التى تطالب بقدر أكبر من الحكم الذاتى.

فى بعض الأحيان، ساعدت جبهة تحرير شعب تيغراي–عن غير قصد– حملة تشويه السمعة التى يشنها أبيي أحمد، وعلى الأخص عندما أطلقت صواريخ على منطقة أمهرة القريبة.

لكن حكومة أبيي أحمد عملت بذكاء لإشعال مشاعر مناهضة ضد تيغراي لتبرير توغلها العسكرى فى الإقليم. لكن هذه التكتيكات ستؤدى إلى تعقيد أى جهد يبذله أبيي أحمد لإحياء مبدأ إضفاء الشرعية على تقرير المصير العرقى.

على أى حال، لا يزال بإمكان أبيي أحمد إحياء أجندته الإصلاحية وإجراء انتخابات ديمقراطية تأخرت كثيرا بسبب الوباء، وربما بسبب قلق أبيي أحمد من احتمال ظهور نتائج غير مرضية. وسيرحب المانحون الغربيون وبعض الجماعات العرقية فى إثيوبيا بمثل هذه الخطوة.

لكن أبيي أحمد سيواجه صعوبة فى استعادة مسألة الإصلاح الديمقراطى بشكل موثوق بالنظر إلى أن هجومه العسكرى على جبهة التحرير جاء بعد أشهر فقط من اتهام قواته الأمنية بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان فى منطقتى أمهرة وأوروميا.

علاوة على ذلك، فإن استمرار الإصلاح وتقليص سيطرة الحكومة المركزية من شأنه أن يترك أبيي أحمد عرضة لتحديات إضافية من الجماعات المتمردة الأخرى وأحزاب المعارضة.

لذلك يمكن أن يختار أبيي أحمد إعادة تأكيد هيمنة الدولة المركزية وتوسيع قوات الأمن للقضاء على المقاومة. وسيعمل على إضفاء الشرعية على مثل هذا النهج بحجة أنه لا ينبغى أبدا السماح لأى مجموعة بالتصرف من تلقاء نفسها وسيصف أولئك الذين يفعلون ذلك بالإرهابيين.

عقبات صعبة

أيا كانت القرارات التى سيتخذها أبيي أحمد، فسوف يتعرض لضغوط من خارج إثيوبيا مثل إريتريا. فالرئيس الإريترى أسياس أفورقى قدم الدعم العسكرى للهجوم الذى شنه أبيي أحمد على تيغراي ويتوقع مقابلا. فأفورقى يكن عداء شخصيا عميقا تجاه قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وسيسعى على الأرجح لثنى أبيي أحمد عن السعى إلى تسوية تفاوضية معهم.

ولكن إذا قرر أبيي أحمد تحقيق رغبات أفورقى من خلال ملاحقة جبهة التحرير عسكريا ومنع وصول المساعدات إلى المحتاجين، فإن نزوح اللاجئين إلى السودان سيؤدى إلى تفاقم التوترات مع ذلك البلد. بالإضافة إلى ورود أنباء عن أن القوات السودانية تحركت إلى مثلث الفشقا، وهو منطقة متنازع عليها بين السودان وإثيوبيا.

كما أن استمرار العمل العسكرى الإثيوبى فى تيغراي والتسامح مع التدخل الإريترى هناك من شأنه أن يعقد العلاقات مع المانحين الغربيين.

وهو ما حدث بالفعل حيث قرر الاتحاد الأوروبى أخيرا تأجيل تقديم مساعدات إلى أديس أبابا ويرجع ذلك إلى رفض أبيي أحمد السماح لوكالات الإغاثة بالدخول إلى المناطق المتضررة فى تيغراي.

لكن إثيوبيا مهمة من الناحية الاستراتيجية للدول الغربية لكى تفكر فى قطع مساعداتها عنها بالكامل. وحتى تخفيض المساعدات سيكون ضربة كبيرة فى ظل الوباء وما يصاحب ذلك من انكماش اقتصادى. وعلى الرغم من التقدم الذى تم إحرازه فى البلاد على مدى العقدين الماضيين، لا تزال إثيوبيا تعتمد بشدة على المساعدات، حيث تغطى المساعدات الخارجية أكثر من نصف نفقات الحكومة المركزية.

أخيرا، تشير التقارير التى وردت من الصحفيين الذين أجروا مقابلات مع اللاجئين إلى أن القوات الإثيوبية قامت بانتهاكات واسعة ضد حقوق الإنسان مما يزيد من احتمالية ضغط المجتمع الدولى لإعادة التفكير فى مسألة دعمه لأبيي أحمد وفتح تحقيق مستقل فى ما إذا كانت قواته قد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية من عدمه. هذا كله يمكن أن يؤدى إلى تخفيض المساعدات الخارجية. هذه الخسارة، بدورها، ستعمل على تعميق أزمة شرعية أبيي أحمد، مما قد يهدد قبضته على السلطة.

المصدر | فورين أفيرز- ترجمة الشروق

  كلمات مفتاحية

أثيوبيا، أبيي أحمد، جبهة تحرير شعب تيغراي، حرب تيغراي، الإصلاح، الديمقراطية، جائزة نوبل، جرائم ضد الإنسانية، حقوق الإنسان، أزمة شرعية، القمع، التدخل الإريترى،