استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ليلة استباحة المؤسسية الأمريكية

الاثنين 11 يناير 2021 10:09 ص

ليلة استباحة المؤسسة الأمريكية

كانت ليلة اقتحام الكونغرس عاصفة والأحداث صادمة للشارع الأمريكي وللعالم.

الوعي السياسي لم يعد شرطاً لممارسة السياسة بل نقيصة بالنسبة للناخب المتطرف في من يتصدر لها.

الطوفان الذي أغرق الوسط السياسي لن يتراجع إلا بزلزال سياسي شامل، كان إرهاصه الأبرز هو اقتحام الكونغرس!

هل نشهد خلال سنوات تراجعاً للمؤسسات الأمريكية وتنامياً لسلطوية رئاسية في دولة كانت تمثل قصة النجاح الأبرز للمؤسسات الديموقراطية؟

التطرف نتاج طبيعي لاتجاه مستمر في السياسة الأمريكية هذا الاتجاه مر بتحولات جسيمة شبيهة بتلك التي شكلت العقل الجمعي الأمريكي في عصر المكارثية!

*     *     *

منذ أن بدأت استطلاعات الرأي تشير إلى تأرجح فرص الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته ترامب بدأ ببناء سردية مفادها بأن الانتخابات ستكون مزورة وأنه في حال خسارته فسيكون ذلك تجلياً لنظريات المؤامرة التي ساقها منذ يوم حملته الانتخابية الأولى!

وبعد أن حشد متابعيه عبر خطاباته المختلفة وتغريداته النارية والقضايا العبثية التي رفعها في المحاكم، جمع أنصاره للمواجهة الأخيرة في ساحات مبنى الكابيتول هيل الذي يحتوي مجلسي الكونغرس الأمريكي.

وحين امتنع نائبه بنس عن تخريب إجراءات التصديق على فوز خصمه، هرع ترمب إلى مؤيديه الذين جاءوا من أقاصي الولايات المتحدة وحرضهم بانياً على السردية التي أحكمها بأن ديمقراطيتهم تضيع وأن أصواتهم سرقت وأن الحل الوحيد هو الزحف على وكر الفاسدين، وحصل ما حصل.

ملابسات اقتحام مبنى الكابيتول كثيرة، ولا شك أن الأيام ستكشف لنا حقيقة تفاصيل تغيب عنا اليوم، مثل ما يقال عن أن بعض البوابات فتحت من قبل رجال الأمن، وأن فريق الرئيس مهد للاقتحام من خلال ضمان التقاعس في الإجراءات الأمنية.

وأن الهدف الذي لم يتحقق كان احتلال المبنى لأكثر من يوم حتى يتم تأجيل المصادقة على النتائج وبالتالي تأجيل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن.

ليلة اقتحام الكونغرس كانت عاصفة والأحداث كانت صادمة للشارع الأمريكي وللعالم أجمع، فللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة ينتهك هذا المبنى الذي يعتبر رمز المؤسسة الأمريكية من قبل مواطنين أمريكيين، حتى خلال الحرب الأهلية لم يتعرض هذا المبنى للاعتداء.

فمنذ حرقه على يد الجيش الإنجليزي خلال حرب 1812 بقي المبنى صامداً يقف كل رئيس عند تنصيبه ووصياً عليه بعد توليه مهامه مطلاً من أعلى التلة التي يقع في أحد جوانبها البيت الأبيض، في السادس من يناير استبيح ذلك المبنى تجسيداً لاستباحة ترمب للأعراف والمؤسسات الأمريكية طيلة السنوات الأربع الماضية.

هذه النتيجة ليست صنيعة ترمب وعهده فحسب، بل هي نتاج طبيعي لاتجاه مستمر في السياسة الأمريكية، هذا الاتجاه مر بتحولات جسيمة شبيهة بتلك التي شكلت العقل الجمعي الأمريكي في عصر المكارثية حين كانت تهمة الشيوعية تطلق جزافاً على كل خصم سياسي إبان الحرب الباردة.

خلال العقدين الأخيرين اتجه كلا طرفي المحور السياسي بعيداً عن الوسط، ليس في الولايات المتحدة فحسب بل في العالم الديمقراطي بشكل عام، الولايات المتحدة كانت استثنائية في تقارب التوجهات السياسية للمؤسسات الحزبية.

إلا أن الليبراليين من جهة والمحافظين من جهة أخرى اتجهوا نحو التطرف بشكل كبير، اليسار الأمريكي خلال العقدين الأخيرين تبنى خطاباً مؤدلجاً عنيفاً ضد المحافظة السياسية والقيم الاجتماعية التقليدية وفرض هذا الخطاب عبر الإعلام التقليدي وهوليوود والمؤسسات الأكاديمية.

من الناحية الأخرى كان رد الفعل المحافظ بنفس القوة في الاتجاه المعاكس، فتحول المحافظ الأمريكي الذي كان في الغالب يتبنى القيم التقليدية الاجتماعية ومبادئ الاقتصاد الحر إلى نسخة أقرب للمحافظ الأوروبي، مشبع بأفكار العداء للأقليات والمهاجرين، يحركه الخطاب الشعبوي وفاقد للثقة في مؤسسات الدولة ومؤمن بشتى نظريات المؤامرة التي تدعم توجهه السياسي.

النتيجة كانت اضمحلال الوسط السياسي الأمريكي سريعاً كما رأينا في الانتخابات التمهيدية لعام 2016 حين تلاشى سريعاً مرشحو الوسط في الحزب الجمهوري وكاد التقدمي العتيد بيرني ساندرز أن يسقط هيلاري كلينتون، ثم جاء ترمب ليكشف الغطاء عن هذه التحولات الكبرى في القواعد الانتخابية.

وجود ترامب في البيت الأبيض سمح للأمريكي العنصري المؤمن بنظرية المؤامرة والرافض للغة العلم وأعراف السياسة في أن يظهر هذا كله دون خجل عبر تيار سياسي يمثله رئيس منتخب.

التقدمي اليساري الذي كان ينظر له على أنه يعيش في قوس قزح من المثالية بعيداً عن الواقع أصبح صوت العقل والمظلومين أمام فوضوية ترامب وعنصريته وأصبح خطابه يمثل انتقاماً وتجسيداً للسخط على سلوك التيار الترمبي المحافظ.

سمحت سنوات ترمب الأربع لكل من كان يعيش على هامش الحياة السياسية بأن ينتقل إلى مركزها ليعلو صوته في قاعات التشريع بعد أن كان حبيس أروقة الجامعات وشاشات التلفزة من جهة ومحطات الراديو المحافظة والكنائس الإنجيلية الكبرى من جهة أخرى.

حتى الإعلام الأمريكي فقد توازنه مقروءاً ومسموعاً ومرئياً ليستقطب بشكل حاد يرفض معه المحسوبون على كل تيار مجرد مناقشة أطروحات الفريق الآخر إلا في معرض التهكم والسخرية، وليس ذلك جديداً على مجتمع كان الوعي السياسي فيه دائماً محدوداً حسب العديد من الدراسات حول الثقافة السياسية في الولايات المتحدة.

ولكن الجديد هو أن الوعي السياسي لم يعد شرطاً لممارسة السياسة بل نقيصة بالنسبة للناخب المتطرف في من يتصدر لها.

حتى هذه اللحظة لا يزال العديد من المشرعين الجمهوريين يخشى إغضاب القواعد الترامبية، بل إن أعضاء الحزب في المجلس التشريعي لولاية بنسلفانيا منعوا عبر بلطجة ظاهرة زميلهم الديمقراطي المنتخب من أداء القسم بدعوى تزوير الانتخابات.

هذا الاتجاه الترامبي في الحزب الجمهوري سيستمر وستشهد الانتخابات النصفية بعد عامين موجة من المشرعين الجمهوريين الترامبيين وحتى إن أفل نجم ترمب فسيكون مرشح الحزب الجمهوري لعام 2024 نسخة أخرى، ربما أكثر تطرفاً، من ترامب.

فالطوفان الذي أغرق الوسط السياسي لن يتراجع إلا بزلزال سياسي شامل، كان إرهاصه الأبرز هو اقتحام الكونغرس!

فهل نشهد خلال السنوات القادمة تراجعاً للمؤسسات الأمريكية وتنامياً للسلطوية الرئاسية في الدولة التي كانت تمثل قصة النجاح الأبرز للمؤسسات الديموقراطية؟ الأيام حبلى.

* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي المساعد بجامعة قطر ورئيس أكاديمية قطر الدولية للدراسات الأمنية.

المصدر | الشرق

  كلمات مفتاحية

أمريكا، الحزب الجمهوري، 2024، ترامب، اقتحام الكونغرس، المؤسسات الأمريكية، السلطوية الرئاسية، المؤسسات الديموقراطية، نظرية المؤامرة،