«بن علي هرب»: 10 سنوات على أم الثورات!

الجمعة 15 يناير 2021 08:43 ص

«بن علي هرب»: 10 سنوات على أم الثورات!

صار اليمن مركزا للجوع والأمراض والتنازع بين السعودية وإيران وتغولت أبوظبي على أرضه وسيادته.

استعادت قوى الثورة المضادة مصر وأغرقتها بالدم والقمع واجتاحت الجيوش سوريا وتم القضاء على مدنية وسلمية ثورتها.

عادت الثورات العربية مجددا فأسقط السودانيون نظام البشير وقامت حكومة انتقالية وأسقط الجزائريون بوتفليقة وتحوّل كبار المسؤولين إلى المحاكم.

رغم أن الواقع لاحقا لم يواكب أحلام التونسيين والعرب وأن الثورة المضادة نجحت في تأخير التغيير التاريخي لكن حلم «أم الثورات» التونسية مستمر.

أشاعت قوى الاستبداد العربي سرديّة تحمّل «الربيع العربي» والضحايا من قتلى وسجناء ومهجرين، مسؤولية الخراب، وليس حلف الفساد والطغيان الذي يحاول إيقاف التاريخ.

*     *     *

يتذكر كثيرون اللقطات التاريخية التي انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي قبل 10 سنوات، لشخص يهتف «بن علي هرب. تحيا تونس الحرة. المجد للشهداء. ما عدش نخاف. اتحررنا يا توانسة. اتنفسوا الحرية».

ظهر ذلك الشريط المصوّر في 14 كانون الثاني/يناير من عام 2011 بعد دقائق من الإعلان عن فرار الرئيس آنذاك، زين العابدين بن علي، من البلاد.

أدرك الشخص المصوّر في تلك اللقطات، وهو المحامي والحقوقي التونسي عبد الناصر العويني، الذي كان في شارع الحبيب بورقيبة الممتلئ بالمتظاهرين من كل الولايات التونسية، أن هروب بن علي هو إعلان عن سقوط النظام، وكان ذلك بالتأكيد نهاية للخوف والرعب الذي كانت تمارسه آلة قمع أمنيّة فظيعة.

شجّع هروب بن علي شعوبا عديدة على الانتفاض، واشتعلت مخيلات المقموعين بأحلام هروب زعمائها المستبدين، وصدحت ملايين الحناجر بمطالب إسقاط النظام والدكتاتور، وشهدت البشرية طاقة إيجابية هائلة تنطلق من الجغرافيا العربية، التي كانت تعتبر، على مدى عقود، مركزا للطغيان الرهيب الذي يجعل التغيير أمرا شبه مستحيل، ولكنها انقلبت فجأة فصارت موقعا للانقلاب الثوري، ولإلهام حراكات الجماهير والشباب حتى في بعض البلدان الأوروبية.

امتد شريط الثورات العربية سريعا إلى مصر، وليبيا، وسوريا، واليمن، والبحرين، كما شهدنا مظاهرات في الأردن والمغرب وعُمان، وأشكالا من الاحتجاج في بلدان عربية أخرى، وصار ممكنا، للمرة الأولى منذ عقود، سماع أصوات الجماهير، ورؤية راياتها، وفهم تصوّراتها للمستقبل الذي تحلم به.

بعد الثورة التونسية، حظيت التجربة الثورية المصرية باهتمام كبير، وتابع العالم وقائعها المنقولة تلفزيونيا لحظة بلحظة، فشاهدنا هجمات الشرطة والمخبرين والبلطجية على المتظاهرين، ثم شهدنا، بذهول، تأكد الحلم بالتغيير مع سقوط رئيس آخر، هو حسني مبارك، ودخول البلد العربيّ الأكبر في سيرورة تحرر من الحكم الأمني والاتجاه نحو نظام ديمقراطي.

تابعنا أيضا الأحداث الغريبة التي حصلت في ليبيا، وكيف أثمرت أفعال زعيمها آنذاك، معمر القذافي، الشائنة ضد شعبه، وضد المنظومة الدولية، في حصول إجماع فريد داخل مجلس الأمن على قرار للتدخل العسكري تحت البند السابع، وصولا إلى هربه والقضاء عليه بطريقة بشعة.

تابعت الثورات في اليمن وسوريا والبحرين تجارب البلدان السابقة، وأبدعت كل منها أشكالها في الاعتصام داخل الساحات، والمظاهرات الكبيرة، والاحتجاجات السلميّة، لكن كما استلهمت الشعوب أشكال النضال والحراك من تونس، وأملت بهروب سريع لزعمائها، فقد تعلّم الحكام في تلك البلدان الدرس، وبدأوا بإملاء دروس الثورة المضادة على الشعوب.

استعانت البحرين بقوات عسكرية من السعودية والإمارات فقضت بشكل عنيف على اعتصام دوار اللؤلؤة، في 16 شباط/فبراير 2011، ففض الاعتصام وجرّفت الساحة والنصب الذي فيها، وتحالف الرئيس اليمني مع الحوثيين لكسر الثورة، فسيطر الأخيرون على صنعاء وقضوا عليه لاحقا، فيما استخدم النظام السوري أبشع أشكال القمع الوحشي، واستدعى دعما عسكريا من قبل إيران وروسيا و«حزب الله» اللبناني.

استعادت قوى الثورة المضادة مصر لاحقا، وأغرقتها بالدم والقمع، واجتاحت الجيوش سوريا، وتم القضاء على الاتجاهات المدنية والسلمية في ثورتها لتسود الاتجاهات المتطرّفة، وصار اليمن مركزا للجوع والأمراض والتنازع بين السعودية وإيران، وأشاعت قوى الاستبداد العربي سرديّة تحمّل «الربيع العربي» والضحايا، من قتلى وسجناء ومهجرين، مسؤولية الخراب، وليس حلف الفساد والطغيان الذي يحاول إيقاف التاريخ.

رأينا الثورات العربية عادت للاشتعال مجددا، فتمكن السودانيون من إسقاط حسن عمر البشير، وإنشاء حكومة انتقالية، وتمكن الجزائريون من إسقاط عبد العزيز بوتفليقة ومنعه من الترشح للرئاسة، وتحوّل كبار المسؤولين إلى المحاكم.

ورغم أن الواقع الذي تكشّف لاحقا لم يكن بعلو أحلام التونسيين، والعرب، وأن الثورة المضادة نجحت في تأخير التغيير التاريخي في أكثر من مكان، لكن حلم «أم الثورات» التونسية، ما زال مستمرا.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس، بن علي، الثورة المضادة، الثورات العربية، مصر، ليبيا، سوريا، اليمن، البحرين، الأردن، المغرب، عُمان،