سياسة مصر المتغيرة في ليبيا.. 4 تحديات و4 فرص

الثلاثاء 26 يناير 2021 06:32 م

زار وفد دبلوماسي وأمني مصري رفيع المستوى العاصمة الليبية طرابلس في 27 ديسمبر/كانون الأول 2020، لإجراء محادثات مع حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة.

وكان الوفد، برئاسة نائب رئيس المخابرات العامة "أيمن بديع"، المسؤول عن إدارة السياسة المصرية تجاه ليبيا، إلى جانب مسؤولين آخرين من وزارة الخارجية المصرية.

وهذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب الأهلية الليبية عام 2014 وتثير العديد من التساؤلات حول طبيعة الموقف المصري من الأزمة الليبية.

على وجه الخصوص، تثير الزيارة تساؤلات حول ما إذا كانت مصر عند نقطة تحول في استراتيجيتها تجاه ليبيا، وبالتالي تساؤلات فيما يتعلق بمساهمة القاهرة المحتملة في حل سلمي للصراع.

وبالرغم من أن زيارة الوفد المصري لطرابلس تبدو مفاجئة، لكن القاهرة وطرابلس كانتا تتقاربان مع بعضهما البعض في الأشهر الأخيرة بشكل تدريجي.

تحولات على الأرض

وقد أدى ذلك إلى تحولات مختلفة على الأرض في ليبيا منذ أن نجحت حكومة الوفاق الوطني في إحباط هجوم الجنرال المنشق "خليفة حفتر" على طرابلس من خلال الحصول على مساعدة عسكرية من تركيا.

بالإضافة إلى ذلك، وللمرة الأولى منذ سنوات، بدأ حوار سياسي بين الفصائل الليبية المتنافسة نتيجة وساطة الأمم المتحدة وجولات المحادثات في المغرب وتونس وليبيا.

أيضا، استضافت مصر في 28 سبتمبر/أيلول 2020، محادثات بين الفصائل الليبية للمساعدة في حل الأزمة التي تعصف بالبلاد.

وسعيًا إلى العمل لإقرار وقف دائم لإطلاق النار ومساعدة اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 التي تدعمها الأمم المتحدة، ضم الاجتماع وفودًا أمنية وعسكرية من الفصيلين المتنافسين.

ومن هنا بدا كأن مصر تحاول العودة للعب دور الوسيط في الصراع الليبي.

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، عقدت القاهرة أيضًا محادثات بين وفود ومسؤولين من المجلس الأعلى للدولة، ومقره طرابلس، ومجلس النواب في طبرق.

وساعد وقف إطلاق النار الموقع في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020 على تهدئة التوترات بين القاهرة وطرابلس، ما سمح بالعودة إلى طاولة المفاوضات والتخلي عن الحل العسكري للأزمة.

تزامن ذلك مع انطلاق منتدى الحوار السياسي الليبي في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وقد مهدت كل هذه العوامل المختلفة الطريق لتحول في استجابة مصر للأزمة الليبية.

الخطأ المصري

كان الانحياز من الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها مصر في مقاربتها الأولية للأزمة الليبية حيث رأى الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" أن التحالف مع "حفتر" سيساعد مصر في تحقيق أهدافها ومصالحها الاستراتيجية في ليبيا، وهذا ما دفع مصر بدعم الحل العسكري على حساب تسوية سياسية.

واعتبر هذا النهج وسيلة لاستعادة الاستقرار في البلاد وإنهاء الحرب الأهلية.

لذلك، على مدار السنوات الست الماضية، قدم "السيسي" جميع أشكال الدعم العسكري واللوجستي والاستخباراتي والأمني ​​إلى معسكر "حفتر" في شرق ليبيا.

كما دعم "السيسي" الحملة العسكرية التي شنها "حفتر" في أبريل/نيسان 2019 للسيطرة على العاصمة الليبية.

ومع ذلك، مع فشل أمير الحرب في نهاية المطاف في تحقيق أهدافه العسكرية، وبدأت القاهرة ترى حليفها السابق عبئًا بشكل متزايد وتتصوره على أنه عقبة في طريق حل النزاع.

وربما يكون تخلي القاهرة عن "حفتر" قد ساهم في تحسين علاقتها مع حكومة الوفاق، وبالتالي استبعاد الحل العسكري لصالح الحل السياسي.

يعتبر التدخل التركي في ليبيا من أهم العوامل التي دفعت مصر إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها هناك.

وتعد تركيا خصما إقليميا لمصر، وتعد الدولتان على خلاف مع بعضهما البعض حول مجموعة متنوعة من القضايا، ولكن بشكل خاص حول دعم أنقرة للإسلاميين المصريين ورفضها للانقلاب الذي أوصل حكومة "السيسي" إلى السلطة في عام 2013.

وفي الآونة الأخيرة، أصبح الخلاف على الغاز في شرق البحر المتوسط ​​بين تركيا واليونان نقطة اشتعال إضافية بين البلدين.

وفيما يتعلق بليبيا، أدت المساعدة العسكرية والاستخباراتية التي قدمتها تركيا إلى حكومة الوفاق الوطني إلى انعكاس التوازن العسكري وإعادة التفكير في الحسابات السياسية لجميع الأطراف المشاركة في الأزمة الليبية.

وأدرك صناع القرار في مصر أن هناك حاجة لمنهج جديد للتعامل مع الصراع الليبي من أجل منع تركيا من توسيع نفوذها على حكومة الوفاق الوطني.

من ناحية أخرى، هناك مؤشرات حديثة على تحسن العلاقات بين مصر وتركيا.

ومع إجراء محادثات ثنائية بين الطرفين حول قضايا الاستخبارات والتصريحات الودية المتزايدة الصادرة عن مسؤولي البلدين، يبدو أن التوترات بين هذين الخصمين في تراجع تدريجي.

وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد يساهم ذلك في حل الأزمة الليبية.

إضافة إلى ذلك، هناك خلافات بين مصر والإمارات حول عدد من القضايا الإقليمية، من بينها الصراع الليبي وتطبيع الإمارات للعلاقات مع إسرائيل.

تشير بعض التقارير إلى أن هناك فجوة آخذة في الاتساع بين تصورات البلدين لهذه القضايا.

على سبيل المثال، بينما تعتقد مصر أن هناك إمكانية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية من خلال المفاوضات، تصر الإمارات على ضرورة الحل العسكري وتدعم "حفتر" في محاولته شن حرب على حكومة الوفاق الوطني.

وتتطلع القاهرة أيضًا إلى عملية التطبيع السريع بين الإمارات وإسرائيل بريبة، حيث ترى مصر أن الوجود الإقليمي المتزايد للإمارات يمثل تحديًا لدورها ومصالحها وصورتها كقوة إقليمية.

تحديات أمام الدور المصري في ليبيا

وبشكل عام، تواجه مصر العديد من التحديات وهي تحاول تطبيق قواعد اللعبة في ليبيا.

أولاً، ليس لديها حتى الآن رؤية واضحة لكيفية التعامل مع الأزمة الليبية، حيث لا تزال المصالح الأمنية والاستخباراتية تهيمن على صنع السياسة في مصر بشأن المسائل المتعلقة بليبيا.

ومن المعروف أن جهاز المخابرات العامة المصرية - وليس وزارة الخارجية - هو المسؤول عن إدارة سياسة البلاد تجاه ليبيا.

ولا تقتصر هذه المشكلة أيضا على ليبيا، فقد طغى هوس الأمن على عقلية "السيسي" في صنع السياسات حول القضايا الخارجية والداخلية.

وهذا يعكس نقص الرؤية وعدم القدرة على التفكير خارج الصندوق.

ثانيًا، هناك شكوك حول قدرة مصر على التوصل إلى توافق مع تركيا، على الأقل بشأن القضية الليبية.

تتميز العلاقة بين الرئيس "السيسي" ونظيره التركي، "رجب طيب أردوغان"، بتوترات وعداء متكرر لأسباب شخصية وسياسية.

فيما يتعلق بليبيا، تشك القاهرة في توطيد أنقرة للعلاقات مع حكومة الوفاق الوطني.

وقرر البرلمان التركي في ديسمبر/كانون الأول 2020، تمديد انتشار القوات التركية في ليبيا لمدة 18 شهرًا إضافية في خطوة أدت إلى استياء "السيسي"، كما زار وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" ليبيا في 26 من الشهر نفسه، وأكد استعداد القوات التركية لدعم الحكومة المعترف بها دوليًا وتعزيز التسوية السياسية الحالية في البلاد.

كما حذر قائد الجيش التركي "حفتر" من شن أي هجمات على القوات التركية في ليبيا

كانت ليبيا، منذ التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حجر الزاوية في استراتيجية تركيا الإقليمية.

كان هذا واضحًا بشكل خاص فيما يتعلق بمحاولات تركيا تأمين الوصول إلى غاز شرق المتوسط ​​وموازنة علاقتها مع الاتحاد الأوروبي في ضوء التوترات الأخيرة مع اليونان ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

لذلك، ما لم تقدم مصر وتركيا تنازلات حقيقية بشأن القضية الليبية كما هو الحال في مجالات الخلاف الأخرى، سيكون من الصعب تنفيذ حل قابل للتطبيق للأزمة الليبية.

ثالثًا، بالرغم من التوترات الحالية بين مصر والإمارات، تحتاج مصر إلى الدعم المالي الإماراتي في الوقت الحالي، الناتج عن التأثير الاقتصادي لوباء فيروس "كورونا" الذي أدى إلى احتجاجات واسعة في الشوارع في سبتمبر/أيلول 2020.

وما لم تتمكن القاهرة من إيجاد مصادر أخرى للدعم المالي والاستثمارات الأجنبية، فقد تحتاج إلى الخضوع لضغوط الإمارات والتماهي مع أجندتها في لبيبا، وأهمها العودة إلى الحل العسكري هناك.

رابعًا، بالرغم من التقدم الذي تم إحرازه خلال محادثات الأشهر الماضية بين الأطراف الليبية المتناحرة، لكن عملية السلام لا تزال هشة ويمكن أن تنهار في أي لحظة، لا سيما بسبب صعوبات التوصل إلى اتفاق نهائي وخريطة طريق واضحة التي تلتزم بها جميع الأطراف.

بمعنى آخر، إذا انهارت العملية السياسية في ليبيا - وهذا يمكن أن يحدث في أي لحظة بسبب الانتهاكات المستمرة لاتفاقية وقف إطلاق النار - فإن الصراع سيعود إلى المربع الأول، وهو الصراع العسكري، وستختلط جميع الأوراق مرة أخرى.

توصيات سياسية للقاهرة

يمكن لمصر مواجهة هذه التحديات، عن طريق:

أولاً، يمكن أن تستفيد من فترة الهدوء النسبي الحالية في المنطقة - لا سيما في أعقاب المصالحة الخليجية الأخيرة - لإعادة تموضعها في ليبيا.

ويمكن أن يحدث هذا من خلال التخلي تمامًا عن الحل العسكري، الأمر الذي يتطلب قطع كل الدعم عن "حفتر" والانخراط بشكل شامل في محادثات السلام بين الفصائل الليبية.

ثانيًا، على مصر أن تلعب دور الوسيط النزيه، وألا تُظهر أي تحيز تجاه هذا الجانب أو ذاك إذا كانت ترغب في استعادة مصداقيتها مع جميع أطراف النزاع.

ثالثًا، على مصر التواصل بشكل أكبر مع تركيا للتوصل إلى تفاهمات واتفاقيات للتعامل مع القضية الليبية بما يتفق ومصالح الطرفين.

رابعًا، يجب على مصر دمج المزيد من المدنيين في عملية صنع القرار المتعلقة بليبيا من أجل توسيع نطاق صانعي القرار بما يتجاوز المسؤولين الأمنيين والعسكريين.

وهذا مهم بشكل خاص لأن الأزمة الليبية لن يتم حلها من خلال النزاع المسلح ولكن عن طريق التفاوض والتنازلات من جميع الأطراف.

باختصار، هناك فرصة مهمة أمام مصر يمكن أن تسمح لها بلعب دور نشط في الأزمة الليبية واستعادة مكانتها الإقليمية.

المصدر | خليل العناني | المركز العربي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات المصرية الليبية عبدالفتاح السيسي العلاقات المصرية التركية عبدالفتاح السيسي نفوذ مصر الأزمة الليبية حكومة الوفاق الوطني الليبية خليفة حفتر

مصر وروسيا تؤكدان سيادة ليبيا واستمرار التشاور السياسي

مصر تعلن استعدادها للعمل مع المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا