استئناف العلاقات القطرية المصرية.. بداية جديدة أم خطوة تكتيكية؟

الخميس 28 يناير 2021 02:01 ص

يمثل إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وقطر في 20 يناير/كانون الثاني الجاري خطوة مهمة نحو تخفيف التوترات داخل العالم العربي، التي كانت قد تفاقمت بسبب الحصار الذي تقوده الإمارات والسعودية على الدوحة منذ منتصف عام 2017.

وربما يؤدي التقارب الرسمي بين البلدين أيضا إلى زيادة الضغط على الموقعين الآخرين على "اتفاقية العلا"، لا سيما الإمارات والبحرين، ليحذوا حذو القاهرة ويتجاوزوا أزمة مجلس التعاون الخليجي التي استمرت 3 أعوام ونصف.

وبين قمة العلا في 5 يناير/كانون الثاني واستئناف العلاقات الثنائية رسميا، بدأت العلاقات بين مصر وقطر تتحرك في اتجاه إيجابي للغاية.

وفي أعقاب توقيع اتفاقية الوحدة في السعودية، أقامت شركة "الديار" القطرية للعقارات، وهي شركة مملوكة لصندوق الثروة السيادي القطري، حفل افتتاح فندق "سانت ريجيس" المملوك بالكامل لها في القاهرة.

وإلى جانب وزير الخزانة الأمريكي "ستيفن منوشين"، شارك وزير المالية القطري "علي العمادي" في قص الشريط، في أول زيارة لمسؤول قطري رفيع إلى مصر منذ الأزمة الخليجية.

وأوضح "العمادي" أن هذا المشروع يمثل إضافة جديدة للاستثمارات القطرية في مصر، التي تتجاوز 5 مليارات دولار في مختلف المجالات.

ورد نظيره المصري "محمد معيط" بتهنئة "الديار" القطرية على "افتتاح هذا الفندق الرائد الذي جاء نتيجة لقرار الشركة بالاستثمار في قطاع السياحة الذي يعد من أهم القطاعات بالنسبة للاقتصاد المصري".

وبعد 13 يوما، جاءت أول رحلة مباشرة بين قطر ومصر منذ عام 2017.

ومن الصعب رؤية هذا التقدم في العلاقات المصرية القطرية منفصلا عن وصول "بايدن" لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

ولدى القيادة في القاهرة، مثل حكام "آل سعود" في الرياض، مخاوف جدية بشأن نوايا الإدارة الجديدة.

ويتذكر المسؤولون المصريون جيدا أن إدارة "أوباما"، التي شغل فيها "بايدن" منصب نائب الرئيس، أوقفت بعض مبيعات الأسلحة لمصر كعقاب على حملة النظام القمعية التي أعقبت انقلاب 2013.

ومن خلال استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، من المفترض أن تكون مصر قد أظهرت بعض النوايا الحسنة لواشنطن.

لكن الانتقال في واشنطن ليس العامل الوحيد وراء التقارب المصري القطري.

وتراجعت نظرة القاهرة لقطر باعتبارها  تهديد لدعمها الأحزاب الإسلامية في العالم العربي فقد أدرك المصريون أن قطر أصبحت هادئة بمرور السنين.

وقال "أندرياس كريج"، المحاضر في كلية الدراسات الأمنية في "كينجز كوليدج" بلندن، إن قطر لا تمثل بأي حال من الأحوال التهديد التي كانت عليه قبل 7 أعوام.

وفي هذا الصدد، لم يعد هناك أي مظالم حقيقية من الجانب المصري.

وكان التظلم الحقيقي الوحيد الذي بقي للمصريين هو قناة "الجزيرة"، لكنها لم توجه الكثير من العمل لمصر في تغطيتها خلال الأعوام الأخيرة.

ووفقا لـ "كريج"، فإن نظام "السيسي" في وضع أكثر أمانا اليوم مقارنة بالوقت الذي وصل فيه إلى السلطة بعد الإطاحة بحكومة "محمد مرسي" عام 2013، أو حتى عندما اندلعت أزمة الخليج عام 2017.

وبالرغم من وجهة النظر المستمرة في القاهرة باعتبار جماعة الإخوان المسلمين أكبر تهديد، فقد انتقل معظم أعضاء الحركة المصريين من قطر إلى تركيا، مما يجعل من السهل على القاهرة التصالح مع الدوحة.

وقالت "سينزيا بيانكو" من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن صانعي السياسة المصريين اليوم "لا يرون أي قيمة استراتيجية في لعب دور معادي للقطريين".

كما ترى القاهرة مزايا مالية لتطبيع العلاقات مع الدوحة. فبالإضافة إلى المنبع المتجدد للاستثمار الأجنبي، فإن ما يقرب من 300 ألف مصري يعملون في قطر وتعد تحويلاتهم المالية إلى عائلاتهم في الوطن مصدرا مهما للعملة الصعبة.

ولن يضطر هؤلاء بعد الآن إلى الاعتماد على سفارة اليونان لأي مساعدة قنصلية قد يحتاجونها.

ويتطلب فهم الموقف الجديد لمصر بشأن قطر أيضا تقييم الدور المهم الذي تلعبه السعودية في صنع قرار السياسة الخارجية في القاهرة. ونظرا لأن المملكة كانت مؤخرا الأكثر حرصا على مدار العام الماضي لرأب الصدع مع قطر، فإن قرار مصر بالمصالحة مع الدوحة يوفر طريقة لدعم الرياض باعتبارها القوة الإقليمية التاريخية على رأس مجلس التعاون الخليجي.

ومن ناحية أخرى، أظهرت البحرين ترددا أكبر، ما يشير إلى وجود تحالف أوثق مع الإمارات، الأكثر حماسة للحصار الذي فرض على الدوحة.

وبالرغم من التطورات الإيجابية الأخيرة في العلاقات المصرية القطرية، فمن المحتمل أن تكون العلاقة في أفضل الأحوال "سلاما باردا" بسبب عدد من القضايا التي أججت التوترات بينهما في البداية.

وربما تكون الحرب الأهلية في ليبيا، حيث يجد البلدان أنفسهما على طرفي نقيض، الملف الأكثر حساسية.

وانضمت الدوحة عن كثب إلى تركيا في دعم حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، بينما دعم المصريون، إلى جانب الإمارات، الجيش الوطني الليبي الذي يتخذ من طبرق مقرا له بقيادة الجنرال "خليفة حفتر".

وتخشى القاهرة أن تعزز الجماعات الإسلامية في حكومة الوفاق الوطني موقعها في بلد يشترك في حدود طويلة وسهلة الاختراق مع مصر.

وفي غياب تقدم دبلوماسي نحو إنهاء هذا الصراع، ستبقى الحرب نقطة حرجة بين الدوحة، التي فضلت منذ فترة طويلة معاملة الأحزاب الإسلامية على أنها جهات فاعلة شرعية في العالم العربي، والقاهرة التي تعتبرهم إرهابيين.

وخارج ليبيا، توجد ملفات إقليمية أخرى من المرجح أن تستمر في إثارة غضب المصريين من قطر، بدءا من الانتقال السياسي المستمر في السودان، إلى النفوذ القطري المتزايد في جنوب السودان، إلى حماس في غزة، التي قدمت لها الدوحة، بموافقة إسرائيل، دعما ماليا بالغ الأهمية.

ونظرا لمصالح القاهرة الكبيرة في إطار ملف سد النهضة الإثيوبي، فإن التعاون مع السودانين أمر بالغ الأهمية لجهود مصر لتأمين مصالحها الوطنية في شرق أفريقيا، بينما لا تزال التوترات بين مصر وإثيوبيا محتدمة.

على الأرجح لن ترحب القاهرة بمساعي قطر لتحقيق طموحاتها في هذه المنطقة المتوترة.

وكما رأت القاهرة أن الدعم القطري للفصائل الإسلامية في السودان يمثل تهديدا مباشرا لمصر خلال عهد "حسني مبارك"، فإن نظام "السيسي" قد ينظر نفس النظرة لاستعادة الدوحة نفوذها في الخرطوم أو تحقيق مزيد من التقدم في جوبا، بالرغم من التقارب المصري القطري الرسمي هذا الشهر.

وبصفتها أكبر دولة عربية يبلغ عدد سكانها 106 ملايين نسمة، تقوم مصر بخطوة جريئة تبشر بالخير لإيجاد مساحة للحوار تشتد الحاجة إليها في منطقة تعاني من الصراع والاستقطاب الأيديولوجي.

ومن المؤكد أن العلاقة بين مصر وقطر ستواجه صعوبات ولن يتبخر انعدام الثقة الذي تراكم منذ عام 2013 بسرعة.

ولكن يُحسب للقاهرة أنها أدركت قيمة الدبلوماسية على المواجهة في التعامل مع مخاوفها بشأن سياسات قطر الإقليمية.

المصدر | جورجيو كافييرو/ريسبونسيبل ستيت كرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات المصرية القطرية المصالحة الخليجية الديار القطرية قطر

تنفيذا لاتفاق العلا.. مصر وقطر تتفقان على استئناف العلاقات الدبلوماسية