الشارع التونسي وصراع الرئاسات

الاثنين 1 فبراير 2021 07:35 ص

الشارع التونسي وصراع الرئاسات

يتوقّف مستقبل تونس السياسي إلى حد كبير على حل الصراع الراهن بين الرئاسات.

من وجهة نظر الشارع، يبدو صراع الرئاسات نوعا من النقاش حول «جنس الملائكة»!

أعلن راشد الغنوشي الذي يرأس حركة النهضة والبرلمان ضرورة إقامة «نظام برلماني كامل» لتجاوز إشكالات «المزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني».

يعاني الناس بشدة وصاروا أقرب للتمرّد على نظام سياسي نسيت شخصياته الرئيسية أنهم نتاج ثورة شعبية لإسقاط الدكتاتورية وتحالفات الفساد والقمع وتغيير اجتماعي واقتصادي.

اضطرت الجماهير مجددا للنزول للشوارع فيما يمتنع الرئيس عن استقبال الوزراء المعينين وينشغل معنيون بـ«الظرف المشبوه» في ظرف لم يعد يتحمل التونسيون سوء أوضاعهم.

*     *     *

على خلفيّة من مظاهرات احتجاج واسعة على الظروف الاقتصادية في تونس أدت إلى مقتل متظاهر واعتقال المئات، اشتعلت أزمة سياسية جديدة في البلاد إثر إجراء رئيس الوزراء هشام المشيشي لتعديل حكومي كبيرا شمل 11 وزيرا، أطاح فيه، عمليا، بوزراء مقربين من الرئيس قيس سعيّد.

وهو ما رد عليه الرئيس بالامتناع عن استقبال الوزراء المعينين لأداء القسم أمامه، وبذلك وقعت تونس في أزمة دستورية تضاف إلى الأزمة الحاصلة في الشارع.

حصل، في هذه الأثناء، حدث غريب تمثل في إعلان ديوان الرئاسة تلقيه «بريدا خاصا موجها إلى رئيس الجمهورية» وأن مديرة الديوان، نادية عكاشة، حالما فتحته «تعكر وضعها الصحي وشعرت بحالة من الإغماء وفقدان شبه كلي لحاسة البصر فضلا عن صداع كبير في الرأس».

وكتبت وسائل إعلام كثيرة عن «محاولة اغتيال» و«تسميم» واتصل زعماء للاطمئنان على صحة الرئيس، لينتهي الأمر بأن تؤكد النيابة العامة في تونس أن الظرف «لا يحتوي على مادة مشبوهة سامة أو مخدرة أو خطرة أو متفجرة»!

في اعتراضه على الوزراء الجدد المعينين، أشار الرئيس سعيّد إلى «وجود شبهات فساد» حول بعضهم، وإذا كان الأمر كذلك، وليس منازعة رئيس الجمهورية رئيس الحكومة على صلاحياته، فالأولى أن يقبل سعيّد، الذي تقتصر صلاحياته على شؤون الدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية، باستقبال الوزراء الذين لا يجد «شبهات فساد» حولهم، ويرفض الباقين.

إضافة إلى ذلك، فالرئيس قام سابقا باختيار رئيس للوزراء، هو الياس الفخفاخ، الذي حامت حوله أيضا «شبهات فساد» وقد أدت الضغوط السياسية المتعلقة بهذا الموضوع إلى استقالته، كما أن سعيّد هو الذي قام باختيار رئيس الوزراء الحالي، هشام المشيشي، متجاهلا مقترحات الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان.

تكشف هذه التفصيلات عن توجّه الرئيس قيس سعيّد لإدارة البلاد عبر تعيين رؤساء وزارة مقربين منه، والتدخل في صلاحيات رؤساء الحكومة المعينين في اختيار وزرائهم، وتجاهل الأحزاب التي يفترض أن يعطيها وزنها البرلماني الحق في تقرير من هو رئيس الحكومة، مما يحوّل البلاد إلى نظام رئاسيّ، ويضعف صلاحيات رؤساء الحكومة والبرلمان.

حركة «النهضة» التي تعتبر أكبر الأحزاب الممثلة في البرلمان، والتي أبدت مرونة كبيرة في التعامل مع الرئيس التونسي، عبر الموافقة المتكررة على اقتراحاته لمنصب رئيس الحكومة، (كما أعلنت عن تعاطفها معه بصدد «محاولة التسميم» وطالبت بالتحقيق في «العملية الإجرامية الدنيئة») وصلت على ما يبدو إلى أن الأمر لم يعد قابلا للتجاهل.

فأعلن رئيسها راشد الغنوشي، الذي يرأس البرلمان أيضا، إلى ضرورة إقامة «نظام برلماني كامل» لتجاوز إشكالات «المزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني».

يتوقّف مستقبل تونس السياسي، إلى حد كبير، على حل الصراع الراهن بين الرئاسات، ولكنّه، من وجهة نظر الشارع، يبدو نوعا من النقاش حول «جنس الملائكة»!

فالناس يعانون أشد المعاناة، وقد صاروا أقرب للتمرّد على مجمل النظام السياسي الذي نسيت بعض شخصياته الرئيسية، على ما يظهر، أنهم نتاج ثورة شعبية حلمت بإسقاط الدكتاتورية وتحالفات الفساد والقمع، وبتغيير الظروف الاجتماعية والاقتصادية.

وقد اضطرت مجددا للنزول للشوارع فيما يمتنع الرئيس عن استقبال الوزراء المعينين، وينشغل المعنيون بـ«الظرف المشبوه» في ظرف لم يعد فيه التونسيون قادرين على تحمّل سوء أوضاعهم.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس، الشارع التونسي، الرئاسات، قيس سعيد، هشام المشيشي، راشد الغنوشي، تعديل حكومي، تسميم، الظرف المشبوه،

ستراتفور: الاضطرابات ستتواصل بتونس والتعثر الديمقراطي نذير خطر