التايمز: بوريس جونسون يقود بريطانيا نحو التفكك

الجمعة 5 فبراير 2021 03:56 ص

يرى كثير من ناخبي بريطانيا، أن رئيس الوزراء "بوريس جونسون"، توقف عن العمل كرئيس وزراء لعموم المملكة المتحدة، منذ تفشي جائحة فيروس "كورونا" المستجد في مارس/آذار الماضي.

فمنذ ذلك الوقت، صار "جونسون" يتعامل باعتباره رئيسا تنفيذيا لإنجلترا، يتلقى الأوامر من التكنوقراط، ومن مستشاريه العلميين.

ففي شمال بريطانيا، نرى أن "نيكولا ستورجين" زعيمة الحزب القومي الاسكتلندي هي من تتخذ القرارات، وتحدد للاسكتلنديين ما إذا كان يمكنهم الخروج من منازلهم أو المشاركة في تجمعات عامة.

كما تعقد مؤتمرا صحفيا يوميا عن أزمة "كورونا" يتم بثه على الهواء مباشرة، كما لو كانت رئيس دولة.

وفي إطار تعديل دستوري، تم قبل نحو 20 عاما من أجل "القضاء على النزعة القومية"، تم نقل مسؤولية وضع السياسات الصحية إلى حكومات الأقاليم المشكلة لدولة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية.

ولكن النزعة القومية "مازالت حية"، بل وتتمدد اليوم، حتى أصبح البعض يطلقون على بريطانيا اسم "المملكة المفككة"، وليس المملكة المتحدة، بحسب الكاتب البريطاني "مارتن إيفانز".

وكان لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دورا فعالا في إحياء النزعة الانفصالية في اسكتلندا.

وقد صوت نحو ثلثي الاسكتلنديين لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء العام الذي أجري في بريطانيا في يونيو/حزيران 2016، وأسفر عن تصويت الأغلبية لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وجاءت الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة فيروس "كورونا" المستجد، لتجعل تفكك بريطانيا أقرب.

فرغم أن أخطاء استراتيجية مكافحة كورونا في كل من لندن وأدنبرة (عاصمة اسكتلندا) لم تختلف كثيرا، فإن السياسية البارعة ستورجين جعلتها تبدو كذلك، وجعلت الاسكتلنديين يشعرون كما لو كانوا أصبحوا مستقلين عن بريطانيا، وهو ما راق لهم تقريبا، بحسب تحليل "إيفانز" رئيس تحرير الملحق الأدبي لصحيفة "التايمز" البريطانية، الذي نشرته وكالة "بلومبرج".

ويرى "إيفانز" أن شخصية "جونسون" نفسه تمثل عاملا سلبيا رئيسيا بالنسبة لمعسكر بقاء بريطانيا موحدة.

وقد أثار تقديم "جونسون" في صورة مهرج هزلي من الطبقة العليا روح الدعابة الإنجليزية، في جذب الأصوات لصالحه في الدوائر الانتخابية للطبقة العاملة في شمال إنجلترا في الانتخابات العامة، لكنه أثار اشمئزاز الأسكتلنديين، الذين يجدون أسلوبه مفتعلا.

والحقيقة أنه حتى أعداء "ستورجين" لا يمكنهم إنكار نجاحها في تقديم نفسها كشخصية كريمة، تحظى بالاحترام لإنصاتها للأصوات المحذرة في الأزمة.

وعلى النقيض من ذلك، فإن التحولات والتفاخر غير المستحق لـ"جونسون" بسياسات "المنتصر العالمي"، تضر بصورته.

وفي الأسبوع الماضي، زار "جونسون" اسكتلندا لتسليط الضوء على النجاح المؤكد لبرنامج التطعيم ضد "كورونا" في المملكة المتحدة.

بحسب الحزب الاتحادي في اسكتلندا، كانت نبرة رئيس الوزراء كلها خطأ.

وقال لي أحد المشاركين في استفتاء استقلال اسكتلندا في عام 2014، إن "جونسون يواصل إخبارنا بمدى ضرورة أن نشعر جميعا بالامتنان له".

للأسف الشديد، فإن فشل "جونسون" في التواصل مع مواطني باقي أقليم بريطانيا يبدو مهما.

فقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة وجود أغلبية اسكتلندية مؤيدة للاستقلال عن بريطانيا.

إذن، ما الذي يمكن أن تفعله حكومة المملكة المتحدة لوقف هذا المد القومي؟، ومن المرجح أن يفوز الحزب القومي الاسكتلندي في مواجهة القوى المحبطة الموالية لحزبي المحافظين والعمال في الانتخابات الاسكتلندية المقررة في مايو/أيار المقبل.

وبعد ذلك، ستدعو "ستورجين" مجددا إلى إجراء استفتاء على الاستقلال عن بريطانيا.

وإذا رفض "جونسون" ذلك، فسوف تلجأ إلى المحكمة العليا لإجباره على القبول بالاستفتاء.

ليس هذا فحسب، بل إن الجناح الراديكالي في حزبها يهدد بإجراء استفتاء من جانب واحد، كما حدث في إقليم كتالونيا بإسبانيا، إذا ما خسر القضية أمام المحكمة العليا.

لذلك يمكن أن يراهن "جونسون" على عامل الوقت مع وحرمان الحزب القومي الاسكتلندي من إجراء أي استفتاء، وربما يأمل في أن يؤدي الخلاف الغامض بين "ستورجين" وسلفها زعيم الحزب السابق "ألكس سالموند"، بشأن ما إذا كانت قالت الحقيقة بشأن اتهامه بارتكاب انتهاكات جنسية إلى إسقاط هذه السيدة القوية.

ورغم ذلك، فإن مجرد عدم السماح بإجراء استفتاء في اسكتلندا سيكون له آثار سلبية.

ويمكن أن يعزز مشاعر غضب القوميين في اسكتلندا إلى زيادة الخسائر الكبيرة الناجمة عن الدخول في تحد مع "ستورجين".

وانحازت "ستورجين"، الأسبوع الماضي، إلى جانب المفوضية الأوروبية ضد لندن في النزاع حول إمدادات لقاح شركة "استرازينيكا" البريطانية المضاد لفيروس "كورونا" إلى قارة أوروبا.

ثم طرح حزب العمال المعارض خططًا مختلفة للإصلاح الدستوري من أجل إنهاء الجدل حول الاستقلال، ومنها خطة لتحويل بريطانيا إلى النظام الاتحادي.

ولكن مثل هذه الإصلاحات قد ترضي أصحاب الفكر الراقي، لكنها لن تكون مرضية لمن يؤمنون بالاستقلال التام عن المملكة المتحدة.

كما أن اللجنة الدستورية تحتاج عادة إلى سنوات عديدة لكي تنتهي من صياغة التعديلات، لذلك، فالقوميين سيصفون مثل هذه الدعوات بأنها مجرد تكتيك لتأجيل الاستجابة لمطالبهم، على أية حال، ولذلك سيصفها القوميون بأنها تكتيك تأخير.

حتى لو تم التوصل إلى تسوية بسرعة، فإن الحزب القومي الاسكتلندي سيحصل على أي صلاحيات جديدة ثم يعود سريعا للمطالبة بالمزيد من الصلاحيات.

وأخيرا، يرى "مارتن إيفانز" أن معركة منع انفصال استكلندا عن بريطانيا ستكون ضارية، ولن يكون "جونسون" الرجل القادر على الفوز فيها.

وعلى أنصار الوحدة التركيز على النطاق المحلي، وعلى قادة الأحزاب غير القومي في اسكتلندا تنحية خلافاتهم جانبا وإثبات أن الحالة العقلانية والشعورية اللازمة لاستمرار الوحدة القائمة منذ 300 عاما مازالت موجودة.

المصدر | د ب أ

  كلمات مفتاحية

بريطانيا بوريس جونسون اسكتلندا استقلال تفكك بريطانيا

اسكتلندا تطلب تنظيم استفتاء جديد للاستقلال عن بريطانيا