هل تنجح سياسات بايدن في إرساء سلام مستدام في اليمن؟

السبت 6 فبراير 2021 08:01 م

في يوم واحد هذا الأسبوع، تخلت الولايات المتحدة عند تدخلها في الحرب الكارثية باليمن المتواصلة منذ 6 سنوات، إذ أنهى الرئيس "جو بايدن"، الخميس، دعم بلاده لعمليات التحالف العربي الهجومية ضد الحوثيين، وتعهد بتكثيف الجهود الدبلوماسية لوقف القتال في هذا البلد العربي، وعين مبعوثا خاصة على مستوى رفيع إلى اليمن.

الآن يأتي الجزء الصعب..

فمنذ عام 2015، عندما دخل التحالف العربي، المدعوم من أمريكا بقيادة السعودية، الحرب، مؤججا الصراع هناك، أصبح اليمن مسرحا لصراع معقد ومستعص أودى بحياة عشرات الآلاف، ودفع الملايين إلى شفا المجاعة.

واليوم، أصبح اليمن ساحة واسعة لصراعات متعددة ومتداخلة حول السلطة والنفوذ والأيديولوجية، يغذيها لاعبون إقليميون يسعون إلى تعزيز مصالحهم الاستراتيجية والأمنية.

وحتى في الوقت الذي يصارع فيه اليمن أزمة إنسانية حادة، فإن أفقر دولة في الشرق الأوسط أكثر انقساما من أي وقت مضى على أسس سياسية وقبلية وإقليمية ودينية.

كما أنها تظل ملاذا لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، الذي استهدف الولايات المتحدة وأوروبا، واستفاد من عدم الاستقرار الناجم عن الصراع.

وحول الخطوة الأمريكية، غرد المحلل المختص بالشأن اليمني في "مجموعة الأزمات الدولية"، "بيتر سالزبوري"، قائلا: "إنهاء الدعم الأمريكي (لعمليات التحالف العربي الهجومية) لن يعني تلقائيا وضع نهاية الحرب".

وأضاف: "هناك توازن يجب تحقيقه في اليمن إذا أردنا سلك الطريق لإنهاء الحرب. توازن يمكن أن تشارك فيه الفصائل المسلحة، والأحزاب السياسية، والجماعات المحلية، والمجتمع المدني. وهذا ليس بالأمر السهل على الإطلاق".

انتزاع اتفاق سلام

في الواقع، بدا إعلان "بايدن"، الخميس، سياسيا ورمزيا إلى حد كبير؛ حيث يشير إلى أن إنهاء حرب اليمن باتت أولوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بخلاف سياسة إدارة "دونالد ترامب"، وقد يؤشر، أيضا، إلى نية إدارة "بايدن" استثمار ثقل دبلوماسي كبير في محاولة لانتزاع اتفاق سلام في هذ البلد.

وظاهريا، تقول السعودية والإمارات وقوى سنية إقليمية أخرى إنها تسعى، من خلال انخراطها في الحرب في اليمن ضد المتمردين الحوثيين، إلى تمكين الحكومة المعترف بها دوليا برئاسة "عبدربه منصور هادي" من السلطة.

لكن هناك صراعا إقليميا، أيضا، يسعى فيه السعوديون والإماراتيون إلى منع إيران المتحالفة مع الحوثيين من توسيع نفوذها باليمن.

وهناك، كذلك، حرب تقودها الولايات المتحدة ضد كل من تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، الفرع اليمني لتنظيم "القاعدة"، وتنظيم "الدولة".

وفي هذا الصدد، تقدم الإمارات ووكلاء محليون يد العون لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، لكنهم متورطون أيضا في صراعات محلية أخرى، وما يجعل الأمر أكثر إرباكا، فإن الحوثيين يقاتلون أيضا تنظيمي "القاعدة" و"الدولة".

هناك أيضا انقسامات عميقة داخل التحالف العربي، إذ تسببت خلافات بين "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، المدعوم من الإمارات، والقوات الموالية للحكومة اليمنية، المدعومة من السعودية، في وقوع اشتباكات عنيفة بين الطرفين على مدى السنوات القليلة الماضية.

فالانفصاليون، الذين يسعون إلى فصل جنوب اليمن عن شماله، متشككون منذ فترة طويلة في الحكومة اليمنية، التي يحكمها الشماليون منذ عقود، رغم أنهم ظهروا مؤخرا، وكأنهم يتعاونون معها مرة أخرى.

ولا يوافق الانفصاليون والإمارات على تحالف الرئيس "هادي" مع حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، وهو حزب إسلامي مؤثر، وله صلات بجماعة "الإخوان المسلمون"، التي تعتبرها أبوظبي تهديدا داخليا لها، وقوة راديكالية في العالم العربي.

اليمن بات "هامتي دمتي"

وعلى مدى سنوات عديدة، فشلت جهود دبلوماسية عديدة قادتها الأمم المتحدة وقوى إقليمية لإنهاء الحرب في اليمن، بما في ذلك محادثات السلام التي رعتها الأمم المتحدة في الكويت عام 2016.

ومنذ ذلك الحين، تشكلت المزيد من الجماعات المسلحة في اليمن، وعزز الحوثيون قوتهم في الشمال؛ حيث يعيش حوالي 30 مليون مواطن.

وعن ذلك، قال المحقق السابق للأمم المتحدة، "جريجوري جونسن"، في تغريدة الخميس: "اليمن لم يعد يعمل كدولة واحدة"؛ بل بات كـ"هامتي دمتي (مصطلح يعني شيئا يستحيل إصلاحه)، وليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان بالإمكان إعادة تجميعه مرة أخرى من عدمه".

وموضحا، أضاف "جونسن"، مؤلف كتاب "الملاذ الأخير.. اليمن والقاعدة وحرب أمريكا في الجزيرة العربية": "لا توجد في اليمن جماعة مسلحة تمتلك ما يكفي من السلاح أو الرجال لفرض إرادتها على بقية البلاد، لكن لدى كل جماعة مسلحة تقريبا ما يكفي من الاثنين؛ لتكون قادرة على إفساد أي خيار إذا كانت تعتقد أنه لن يحقق رغباتها".

التحرك الأمريكي الجديد من إدارة "ترامب" في اليمن، شمل تعيين "تيم ليندركينج"، وهو دبلوماسي محترف يحظى بتقدير كبير من قبل الأمم المتحدة والمحللين وجماعات الإغاثة، كمبعوث خاص جديد لها إلى هذا البلد.

وقالت متحدثة باسم البيت الأبيض في بيان: "هدفنا الأساسي هو التقريب بين الطرفين (المتصارعين) للتوصل إلى تسوية تفاوضية تنهي الحرب ومعاناة الشعب اليمني"، مضيفة: "سيكون هذا تحديا، لكن علينا أن نجعله أولويتنا".

ويشير إعلان الخميس، أيضا، إلى نهج مختلف لمبيعات الأسلحة إلى السعودية؛ حيث سيقوم المسؤولون بتقييم الصفقات المقترحة من منظور الحرب في اليمن كعدسة، وهذا قد يعني، على الفور، إلغاء صفقتي بيع أسلحة أخطرت إدارة "ترامب" الكونجرس بهما في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي تضمنت ما يصل إلى 3000 قنبلة من نوع "GBU-39"، التي تنتجها شركة "بوينج" الأمريكية، وأكثر من 7000 قنبلة "بيفواي IV" التي تصنعها شركة "رايثيون". 

المساعدات الأمريكية لليمن

تحث مجموعات الإغاثة الأمريكية والغربية العاملة في اليمن إدارة "بايدن" على الإسراع بإلغاء قرار إدارة "ترامب"، الذي صدر العام الماضي، بتعليق المساعدات الإنسانية جزئيا في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

والجمعة، أخطرت إدارة "بايدن" الكونجرس أنها ستعكس سياسة "ترامب" الأخرى، المتمثلة في تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية؛ ما قد يحسن من عملية إيصال المساعدات إلى الملايين في اليمن.

ومعلقا، قال رئيس "لجنة الإنقاذ الدولية" (منظمة إغاثية غير حكومية) "ديفيد ميليباند"، في بيان: "يمكن لإدارة بايدن أن يكون لها تأثير كبير على الكابوس الإنساني في اليمن من خلال التراجع عن تعليق المساعدات على الفور".

لكن "ميليباند" رجح أن "التحول (في السياسة الأمريكية) من استراتيجية فاشلة للحرب  إلى نهج دبلوماسي شامل لا يمكن أن يتحقق في وقت قريب جدا".

وتقول مجموعات إغاثة إن التراخيص الأمريكية التي تم إصدارها استثنائيا مؤخرا سمحت لنشاط المساعدات بالاستمرار في الوقت الحالي، لكنها تشير إلى المزيد من المؤشرات المقلقة في قطاع التمويل في اليمن والواردات الحيوية بما في ذلك الوقود والأدوية.

قال "سكوت بول"، مسؤول السياسة الإنسانية في الفرع الأمريكي لمنظمة "أوكسفام" (منظمة إغاثية غير حكومية): "تحركات الرئيس بايدن حتى الآن مرحب بها ومشجعة، لكن كل يوم تبقى فيه السياسات السابقة لإدارة ترامب مطبقة هو يوم آخر من عدم اليقين، ويزيد من خطر تفاقم أزمة مدمرة بالفعل بشكل كبير".

صورة الولايات المتحدة

والسؤال الرئيسي هو ما إذا كانت الأطراف المتحاربة في اليمن ستقبل التحول الحاد في سياسة الولايات المتحدة وتنظر إلى واشنطن كوسيط دبلوماسي محايد وجدير بالثقة.

فقد تسببت القنابل الأمريكية المباعة للسعودية وحلفائها في مقتل أو إصابة آلاف اليمنيين، وفقا لمنظمات حقوق الإنسان وشهود عيان.

وفي المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها المحرض الرئيسي على الحرب.

وفي صنعاء والحديدة ومدن يمنية أخرى، غُطيت الجدران بكتابات على الجدران تصور قنابل وطائرات مقاتلة أمريكية تقتل يمنيين.

ستظل الولايات المتحدة منخرطة في عمليات مكافحة الإرهاب ضد "القاعدة في جزيرة العرب"، وهو ما يُرجح أن يعمق المشاعر المعادية لأمريكا بين العديد من اليمنيين.

ويقول المحللون إن القضية الكبرى تتمثل في مدى قطع الولايات المتحدة الدعم عن السعودية.

تأثير ضئيل على عمليات التحالف

فمن المتوقع أن يكون لإعلان الخميس تأثير عملي ضئيل على العمليات العسكرية الأمريكية المتعلقة بحرب التحالف العربي في اليمن، التي تم إلغاء الجزء الأكبر منها بالفعل.

ففي عام 2018، وسط احتجاج في الكونجرس من الحزبين على الخسائر المدنية وقتل عملاء سعوديين لكاتب العمود في "واشنطن بوست"، "جمال خاشقجي"، أوقفت إدارة "ترامب" عمليات تزويد الطائرات السعودية والإماراتية بالوقود جوا في حملتهم ضد الحوثيين.

وبينما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن التحول، التي تتبناه إدارة "بايدن"، سيشمل "تقييد تبادل المعلومات الاستخباراتية مع السعودية والتحالف الذي تقوده"، فإن هذا التبادل كان مقتصرا الفعل على تزويد المسؤولين السعوديين بمعلومات حول التهديدات المباشرة الموجهة إليهم، وفقا لمسؤولين عسكريين أمريكيين.

ولم يتضح على الفور ما الذي سيحل بالعقود الأمريكية لصيانة معدات عسكرية أمريكية الصنع مستخدمة في الحرب في اليمن، بما في ذلك مقاتلات "إف-15" و"إف-16".

لكن من المفترض أن تستمر إدارة "بايدن" في مساعدة السعوديين عبر تعزيز أنظمتها الدفاعية على طول الحدود اليمنية والدفاعات الجوية ضد هجمات الحوثيين بالصواريخ الباليسية والطائرات المسيرة، حسب "جيرالد فييرستين"، سفير الولايات المتحدة السابق في اليمن.

وقال "فيرستين"، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "تعبر قرارات إدارة بايدن في الحقيقة عن موقف وتقدم إشارات أمريكية أكثر مما كونها تستهدف إعاقة القدرات السعودية في اليمن".

وأضاف: "سيوضح الرئيس أن الولايات المتحدة ستؤكد على استراتيجية سياسية لإنهاء الصراع، وتريد دعما سعوديا لتحقيق ذلك".

وتابع: "من وجهة نظري، يريد السعوديون إنهاء الصراع في اليمن أيضا، طالما أن الأمر يضمن تلبية متطلباتهم الأمنية الأساسية".

لكن محللين آخرين حذروا من تكرار جهود السلام السابقة التي تعرضت لانتقادات واسعة؛ لأنها لم تعالج مظالم الجنوبيين، وغيرهم من السكان اليمنيين.

وقالت "ندوى الدوسري"، وهي باحثة غير مقيمة في "معهد الشرق الأوسط" في واشنطن: "تحتاج إدارة بايدن إلى فهم أن حرب  اليمن أكثر تعقيدا، ولن يتم حلها فقط من خلال تسوية سياسية بين الحوثيين وحكومة هادي".

وأضافت عبر "تويتر": "التسوية السياسية في ظل الظروف الحالية ستكون مكسبا سريعا للدبلوماسية الغربية.. لكنها ستعزز ديناميكيات القوة التي أدت إلى نشوب الصراع، وتمكين مجرمي الحرب على حساب اليمنيين، وتقويض فرص بناء سلام حقيقي ومستدام".

المصدر | واشنطن بوست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اليمن الحرب في اليمن السعودية أمريكا بايدن

واشنطن تدعو الحوثيين لوقف هجماتهم ضد السعودية فورا

جورج فريدمان: هذا ما تعنيه خطوات بايدن الأخيرة في الشرق الأوسط

ستراتفور: هذه بدائل السعودية والإمارات ردا على التضييق الأمريكي بشأن صفقات الأسلحة