إشراك دول المنطقة في محادثات إيران وصفة للفشل

الثلاثاء 9 فبراير 2021 01:40 ص

أعلن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، في مقابلة مع قناة "العربية" المملوكة للدولة السعودية، الجمعة الماضي، أنه ينبغي إشراك السعودية في أي مفاوضات مستقبلية مع إيران. وأضاف أن استبعاد دول المنطقة من المحادثات النووية التي توجت بخطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران عام 2015 كان خطأ كبيرا.

وتحدث الرئيس الفرنسي في أعقاب المطالب المماثلة التي أعربت عنها السعودية والإمارات وإسرائيل، التي طالبت بأن أي اتفاق مستقبلي يجب أن يتجاوز القضية النووية ويغطي أنشطة إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي أيضا.

ومع ذلك، إذا سارت الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية، المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، في هذا الطريق، فيمكنهم التأكد من أن إيران لن يكون لديها أي تجاوب. وفي الواقع، من شبه المؤكد أن مثل هذا المسار سيمنع إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة وعودة إيران إلى الامتثال الكامل لبنودها من جديد.

وبدلا من ذلك، ستكون النتيجة الأكثر احتمالا هي تعليق تعاون إيران الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتجد حكومة الرئيس "حسن روحاني" نفسها تحت ضغط من البرلمان الإيراني المتشدد، الذي أمر في أواخر العام الماضي بتصعيد برنامج إيران النووي إذا لم تعد واشنطن إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بحلول 21 فبراير/شباط. وبالفعل، قال قائد الحرس الثوري الإسلامي إن إيران بصدد فعل ذلك. وبحسب الرجل فإن إيران لا تحتاج حقا إلى خطة العمل الشاملة المشتركة أو إزالة العقوبات الأمريكية، بل يجب أن تعتمد بدلا من ذلك على "اقتصاد المقاومة" لزيادة الإنتاج المحلي.

ومن غير الواقعي توقع قبول إيران بمشاركة دول المنطقة في أي محادثات بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة. فقد قالت إيران بالفعل إنها تعتبر خطة العمل الشاملة المشتركة أمرا منتهيا لا يجب إعادة فتحه أو إخضاعه لمفاوضات جديدة. ولكن حتى لو نظرت إيران في إعادة التفاوض على جوانب من خطة العمل الشاملة المشتركة، فإنها لن تقبل مشاركة منافسيها الإقليميين فيها.

وانتقد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، "سعيد خطيب زاده"، تصريح "ماكرون" ونصحه بضبط النفس. وحتى قبل تصريح "ماكرون"، أوضح مسؤولون إيرانيون مختلفون أن خلط القضية النووية مع قضايا أخرى، مثل الصواريخ الإيرانية والصراعات الإقليمية، لم يكن بداية جيدة.

ويعد أحد الأسباب الرئيسية لعدم رغبة إيران في قبول مشاركة الدول الإقليمية في أي إعادة تفاوض بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، على افتراض أن إيران ستشارك في مثل هذه المحادثات، هو الكبرياء الوطني. وسيكون من الصعب جدا على طهران قبول أن يكون للسعودية أو الإمارات حق النقض على علاقاتها الثنائية مع الدول الأخرى.

وكذلك تشعر طهران بالقلق من أنه، إذا أتيحت الفرصة، سيحاول خصومها الإقليميون استخدام الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لانتزاع تنازلات مفرطة من إيران. على سبيل المثال، قد تطالب الإمارات أن يكون أي اتفاق بشأن القضية النووية مشروطا بتخلي إيران عن مطالبتها بجزر الخليج العربي الثلاث، "أبو موسى" و"طنب الكبرى" و"طنب الصغرى". أو قد تطالب السعودية إيران بقطع علاقاتها مع الحوثيين في اليمن قبل أن توافق على إنهاء تدخلها هناك، وهو مطلب ستجد طهران صعوبة بالغة في قبوله.

وكذلك تخشى طهران أن تقدم دول المنطقة مطالب غير مقبولة بشأن القضية النووية. على سبيل المثال، قد يصرون على أن تتخلى طهران عن حق تخصيب اليورانيوم، وهو حق كان اعتراف واشنطن به أمرا حاسما في نهاية المطاف لتمكين التفاوض على خطة العمل الشاملة المشتركة نفسها. ولن تتخلى طهران عن ذلك الآن.

علاوة على ذلك، يمكن للاعبين الإقليميين، من خلال تقديم مطالب مفرطة، أن يضعوا أنفسهم في وضع يتيح لهم استخدام حق النقض "الفيتو" بشكل فعال ضد أي اتفاق نهائي محتمل بين إيران والأطراف الأخرى في خطة العمل المشتركة الشاملة من شأنه أن يخفف أو يلغي العقوبات المفروضة عليها.

ولطالما سعى خصوم إيران الإقليميون إلى عزل إيران، وقد عملت العقوبات كوسيلة فعالة لتحقيق هذا الهدف من خلال جعلها غير جذابة قدر الإمكان للاستثمار الأجنبي والتجارة. وقد عملت تلك العزلة لصالح عرب الخليج، مثل دبي، التي استفادت صناعة السياحة فيها بشكل كبير من قلة المنافسة. وإذا تم تطوير جزر الخليج العربي الإيرانية، مثل "كيش" و"قشم"، بالكامل، وأصبحت في متناول السائحين، فمن المحتمل أن يعاني قطاع السياحة في دبي.

كما أن إعادة البناء التدريجي للعلاقات الدولية لإيران من شأنه أن يقوض تأثير منافسيها الإقليميين كلاعبين رئيسيين على المسرح الدولي. ونظرا لمواردها الوفيرة من الطاقة والقوى العاملة المتعلمة تعليما جيدا، من بين سمات أخرى، من المرجح أن تؤدي إعادة دمج إيران في الاقتصاد العالمي إلى زيادة النفوذ الأمريكي والأوروبي على السعودية والإمارات، ما يجعل الغرب أقل استجابة لمطالبهما وأقل ميلا للتغاضي عن تجاوزاتهما، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل والتدخلات في الخارج.

باختصار، في حين أنه يمكن تقديم حجة للتلاعب ببعض جوانب خطة العمل الشاملة المشتركة، مثل تمديد الجدول الزمني لأحكامها المتعلقة بالانقضاء، سيكون من الخطأ خلطها مع القضايا الأخرى طويلة الأمد والصعبة المتعلقة بالمنافسات والمظالم الإقليمية.

بالإضافة إلى ذلك، من غير المرجح أن توافق روسيا والصين، وهما أيضا طرفان في خطة العمل الشاملة المشتركة، على توسيع طاولة المفاوضات، ويرجع ذلك جزئيا إلى علمهما أن إيران لن توافق.

تعزيز الحوار الخليجي الإيراني

وعند التعامل مع المطالب حول القضايا الإقليمية، يجب على الولايات المتحدة بدلا من ذلك تشجيع دول الخليج على الانخراط في محادثات مباشرة مع إيران، كما اقترح وزير خارجية قطر مؤخرا. وهناك أيضا تقارير تفيد بأن الكويت وسلطنة عمان تحاولان التوسط بين طهران والرياض. وستفشل هذه الجهود إذا تم منح السعودية سببا للاعتقاد بأنها يمكن أن تحصل على اتفاق أفضل من طهران من خلال التعامل مع خطة العمل الشاملة المشتركة كرهينة.

ويتطلب أي ترتيب أمني أكثر ديمومة في الخليج العربي بعض المشاركة والإشراف الدوليين. وتعد مطالب إيران باستبعاد الدول من خارج المنطقة من المفاوضات الإقليمية غير واقعية، بالرغم من أن شاه إيران اتخذ نفس الموقف، على الأقل من الناحية الخطابية، قبل الثورة الإسلامية.

ومع ذلك، قبل التوصل إلى مثل هذه الترتيبات، فإن تشجيع الحوار المباشر عبر الخليج العربي من شأنه أن يساعد في تقليل التوترات بين إيران والدول العربية ويمكن أن يساعد أيضا في استقرار العراق من خلال تهدئة المنافسة الإقليمية على النفوذ هناك.

باختصار، أفضل استراتيجية لإنقاذ وربما تحسين خطة العمل الشاملة المشتركة هي العودة السريعة من قبل واشنطن للاتفاق في نفس الوقت الذي تتراجع فيه إيران، كما وعدت، عن الإجراءات التي اتخذتها لتسريع برنامجها النووي منذ أنهى الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" رسميا المشاركة الأمريكية في الاتفاق عام 2018. وبمجرد أن يتم تحقيق ذلك وعودة بعض مظاهر الثقة إلى العلاقات الأمريكية الإيرانية، يمكن معالجة مصادر التوتر الأخرى، بما في ذلك أنشطة إيران الإقليمية.

وبذلك فإن الخطوات التدريجية والواقعية هي أفضل طريقة لتقليل التوترات الإقليمية وتجنب النزاعات التي قد تصبح كارثية.

المصدر | شيرين هانتر - ريسبونسيبل ستيت كرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مفاوضات إيران خطة العمل الشاملة المشتركة الاتفاق النووي الإيراني إيمانويل ماكرون

وزير خارجية بايدن: ملتزمون بأمن إسرائيل وسنشرك دول الخليج بمفاوضات إيران

تقرير أممي: إيران وكوريا الشمالية أعادتا التعاون لتطوير الصواريخ طويلة المدى

إيران‬ ترفض عرضا أوروبيا لمحادثات مباشرة مع الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي