هل تمثل الانتخابات الفلسطينية نهاية لأوسلو أم مجرد مناورة سياسية؟

الخميس 11 فبراير 2021 01:57 ص

في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" أمرا رئاسيا بالتجهيز لانتخابات المؤسسات الوطنية الفلسطينية الثلاث، الرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني.

وينص القرار على إجراء الانتخابات على مراحل، من مايو/أيار إلى أغسطس/آب المقبلين.

وفي 2009 صدر أمر بالتجهيز للانتخابات لكن تم إلغاؤه بعد أقل من 120 يوما بسبب الانقسام بين "فتح" و"حماس". 

وأصدر "عباس" قراره في وقت يعاني فيه النظام الفلسطيني أزمة داخلية وخارجية حادة، بعد أعوام من تهميش إدارة "ترامب" للقضية الفلسطينية، ومعاناة العالم من جائحة فيروس كورونا، والانتقادات العلنية اللاذعة لقيادتي "فتح" و"حماس".

وسارع "عباس"، الذي أوقف التنسيق الأمني ​​مع إسرائيل في عهد "ترامب"، إلى استئنافه بعد فوز "بايدن" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الأمر الذي أوقف بدوره جهود المصالحة بين جميع الفصائل الفلسطينية.

لكن "حماس" تنازلت عن مطلبها بإجراء انتخابات لجميع المؤسسات الثلاثة في موعد واحد كشرط في محادثات المصالحة، وقد مهد ذلك الطريق للانتخابات المقررة.

وأدى إعلان "عباس" إلى ظهور ديناميكيات جديدة.

وتشير الانتخابات ظاهريا إلى أن هناك احتمالا أكبر مما كان عليه في الماضي لحدوث مصالحة فلسطينية داخلية. 

ويريد الكثيرون رؤية شخصيات شابة جديدة في القيادة لا ترتبط بالمؤسسة القائمة، فيما يأمل البعض في فتح في إزاحة "عباس".

ومع ذلك، فإن هذه الآمال تظل ضعيفة للغاية. 

وتواجه "فتح" تحديا كبيرا بشكل خاص، في ظل الخصومات الشخصية التي أثارت انقسامات داخلية أدت إلى الانقسام إلى معسكرين.

وقد يؤدي الانقسام إلى انتصار "حماس"، كما حدث في انتخابات عام 2006، لكن من المشكوك فيه أن تكون "حماس" حريصة على تحقيق نصر انتخابي واسع بعد أن أفرغت شرعيتها الدولية المحدودة انتصارها السياسي السابق من مضمونه.

وفي هذه المرحلة، تسعى "حماس" إلى الاندماج مع قيادة السلطة الفلسطينية والمؤسسات الوطنية، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي بناء شرعية لنفسها في الداخل وعلى الساحة الدولية.

ويمكن اعتبار الإعلان عن الانتخابات في الوقت الحاضر إنجازا مشتركا لـ "جبريل الرجوب"، أحد كبار قادة فتح، و"صالح العاروري"، القيادي البارز في "حماس"، والذي عمل على تعزيز المصالحة بين المنظمات، مع العلم أن إجراء الانتخابات ليس مضمونا حتى الآن بسبب عدد من المعوقات:

  • تخضع مشاركة القدس الشرقية في الانتخابات، كما هو محدد في الأمر الرئاسي، لموافقة إسرائيل، وبالرغم أنه يمكن تجاوز الاعتراضات من جانب إسرائيل من خلال التصويت الإلكتروني أو التخلي عن الجزء الشرقي من المدينة، فإن هذا يعني صعوبات في الوصول وعدد أقل من الناخبين.

  • شكوك عدد من الفصائل في نوايا "فتح" و"حماس"، واحتمال ترشح الطرفين عبر قائمة مشتركة أو اتفاقهما على تقسيم المقاعد بينهما. ولا ينفي المتحدثون باسم المنظمتين هذا الاحتمال، بل يثيرونه كقضية مشروعة للنقاش.

  • تراجع شعبية الفصيلين المسؤولين عن الانقسام، وخاصة بين الشباب، الذين يرون في الانتخابات آلية لضمان مكان للقيادتين الفاشلتين اللتين فقدتا الحيوية والشرعية. وعلى هذه الخلفية، نسمع دعوات لإنشاء أطر سياسية جديدة.

  • الغضب الواسع من الأزمة الاقتصادية واسعة النطاق بسبب قرار "عباس" عدم تلقي أموال الضرائب من إسرائيل. ويظهر الغضب أيضا بين العديد من المسؤولين في قطاع غزة الذين يعتمدون على السلطة الفلسطينية والذين تم تخفيض رواتبهم في الأعوام الأخيرة. وقد يؤثر كل ذلك على مدى ثقتهم بهذه الانتخابات، بل ومحاسبتهم في يوم الانتخابات إذا ما شاركوا فيها. ووعد عضو اللجنة المركزية لفتح، "أحمد خالص"، سكان غزة، نيابة عن "عباس"، بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل التخفيضات.

  • نية "محمد دحلان" للترشح، وعلى وجه الخصوص احتمال انضمامه إلى "مروان البرغوثي"، وكذلك انتقادات ابن شقيق "ياسر عرفات" "ناصر القدوة"، مما يزيد من مخاوف "عباس" ورفاقه. ويقترح ممثلو "دحلان" الترشح على قائمة مشتركة لـ "فتح"، ويحذرون من انقسام قد يؤدي إلى فقدان التنظيم مكانته التاريخية، وهو اقتراح لتسجيل موقف فقط مع علمهم مسبقا بأنه مرفوض.

ولضمان إمكانية مواجهة كل تطور ممكن، اتخذ "عباس" خطوتين بعيدتي المدى قبل إصدار أمر الانتخابات بيومين.

الأول هو إصلاح النظام القانوني، أي إنشاء محكمة إدارية مستقلة تابعة له مباشرة، ويسمح له ذلك باتخاذ مجموعة واسعة من الإجراءات، بما في ذلك حل البرلمان، وتأجيل الانتخابات، وحتى إلغائها، فضلا عن فرض قيود على موظفي الخدمة المدنية المعنيين بالانتخاب.

والخطوة الثانية هي تغيير القانون الذي ينص على أن هذه لم تعد انتخابات للسلطة الفلسطينية ولكن لدولة فلسطين، أي لرئيس الدولة والمجلس التشريعي لدولة فلسطين.

كما أنه يلغي النص الوارد في قانون 2007،  بعد فوز "حماس" عام 2006، والذي يقضي بأن على كل مرشح في الانتخابات قبول الالتزامات التي تعهدت بها منظمة التحرير الفلسطينية.

وأثارت الخطوة الأولى غضب الحقوقيين والناشطين الفلسطينيين بسبب مساسها بالمحاكم فضلا عن السلطات العديدة التي تمنحها لـ"عباس".

لكن الخطوة الثانية، التي تعني عمليا إلغاء اتفاقيات أوسلو وإمكانية ترشح منظمات لا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية وتعارض سياستها وتنفي وجود إسرائيل، لم تثر الكثير من ردود الفعل.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا حول نوايا "عباس".

فما الذي دفعه، في سن متقدمة، إلى إجراء مثل هذا الإصلاح الهام في النظام القضائي قبل الانتخابات، بشكل قد يتسبب في تعقيدات مع إدارة "بايدن" بينما كان اتخاذ قرار إجراء الانتخابات مقصودا به في الواقع إرضاء الولايات المتحدة؟

لماذا سارع لإجراء انتخابات بعد رفض كل محاولات المصالحة بين المنظمات الفلسطينية في الأعوام الأخيرة؟ ألا يخشى عواقب الانقسام في صفوف "فتح" نفسها؟

ويكمن الجواب في الطريقة التي تصرف بها "عباس" في الآونة الأخيرة كملك مطلق للقوة.

وعلى المستوى السياسي، قام "عباس" ظاهريا بخطوتين متناقضتين.

فمن ناحية، جدد التنسيق الأمني ​​مع إسرائيل، وأعرب عن استعداده العلني للعودة إلى المفاوضات السياسية في إطار دولي دون استبعاد الولايات المتحدة كوسيط وحيد، ومن ناحية أخرى، جدد عملية المصالحة مع "حماس".

لكن العملية السياسية مع إسرائيل لن تتجدد دون إلغاء المطالب الثلاثة التي طلبتها الرباعية من "حماس" كشرط لمشاركتها في المفاوضات، وهي (الاعتراف بإسرائيل، ونبذ الإرهاب، واحترام الاتفاقات الموقعة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية).

وتستمر "حماس" في رفض هذه الشروط، وليس من الواضح كيف سينجح "عباس" في حشد الشرعية الدولية لحكومة مشتركة مع حماس، وكذلك ضمان التعاون مع إسرائيل واستئناف العملية السياسية.

بالنظر إلى هذه العقبات، هل يصبح الإعلان عن الانتخابات مجرد مناورة سياسية؟ أم هل من الممكن أن "عباس" يعتقد أنه قادر على إقناع إدارة "بايدن" وأوروبا، بالاعتماد على عدائهما المشترك لإدارة "ترامب"، لإضفاء الشرعية على ضم حماس إلى السلطة؟ أم تكون محاولة لتفادي الضغط من الداخل والخارج لإجراء انتخابات ديمقراطية، وكذلك للتأكيد للولايات المتحدة وأوروبا على أن الانتخابات الحرة تتطلب مشاركة حماس؟

حسنا، قد تكون أيضا مجرد محاولة للاقتراب من الغرب للضغط على إسرائيل للموافقة على استئناف العملية السياسية بشروط أكثر ملاءمة للفلسطينيين، وهو خيار مفضل بالنسبة للمخاطر التي تنطوي عليها مشاركة "حماس" في الانتخابات.

يحاول "عباس" المناورة بين هذه العوائق، ولا يعقل أنه اختار إعلان الانتخابات من أجل إطلاق عملية لا تتحقق بالضرورة.

فبعد أن تنازلت "حماس" عن مطلب إجراء انتخابات لجميع المؤسسات في نفس الوقت، لم يكن أمام "عباس" خيار سوى إصدار الأمر الانتخابي، وذلك بعد أن حول إلى يديه معظم الصلاحيات التي تعطيه السيطرة في الساحة الفلسطينية قبل معارك الانتخابات وبينها وبعدها.

ويبدو أن "عباس" يعتقد أن التحركات التي اتخذها، وفشل خطة "ترامب"، ستسمح له بإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة وربما حتى المضي قدما في التحركات السياسية التي تتماشى مع استراتيجية "بايدن"، وكذلك ضمان مكانة فتح واستمرار آليات السلطة التي بناها خلال 15 عاما من حكمه.

وبالرغم أن "عباس" بشكل عام لا يعتبر مغامرا، خاصة بالمقارنة مع سلفه "ياسر عرفات"، يبدو أنه في هذه المرحلة من حياته يشعر بالثقة الكافية لاتخاذ القرارات في ظل ظروف من عدم اليقين، بالرغم من المخاطر التي تنطوي عليها.

ومن الممكن أيضا أن نلاحظ بعض الذوبان في موقف "حماس"، التي أكدت منذ تقديم خطة "ترامب" للسلام اهتمامها بالاندماج في النظام السياسي الفلسطيني، واستمرت في السعي لتحقيق المصالحة بين المنظمات الفلسطينية، بل وامتنعت عن الهجوم بشكل صارخ على تجديد التنسيق مع إسرائيل.

على أية حال، إذا كان "عباس" يأمل في تجنب الانتخابات، بغض النظر عن المرسوم الرئاسي الذي أصدره، فإن هذا ينسجم مع تفضيل إسرائيل عدم إجرائها، لأنها قد تؤدي إلى سقوط "عباس" نفسه وهزيمة "فتح".

ورغم الصعوبات التي تواجهها "حماس"، فهي في وضع أفضل من "فتح".

ولا يخدم تزعزع استقرار السلطة الفلسطينية، وتهديد بقائها، وخروج "عباس" من المسرح، مصالح إسرائيل الأمنية.

ولكن سيظل السؤال المطروح هو هل تشير هذه التطورات إلى انتهاء حقبة أوسلو أم أنها محاولة لإعادة القضية الفلسطينية إلى الأجندة الدولية، أم كلاهما؟ 

المصدر | ونتان تسويف وكوبي ميخائيل/معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الانتخابات الفلسطينية المصالحة الفلسطينية محمود عباس فتح حماس السلطة الفلسطينية

نتائج إيجابية.. تمديد حوار الفصائل الفلسطينية بالقاهرة

حماس تميل لعدم ترشيح قيادات صفها الأول بالانتخابات التشريعية

تسجيل 2.6 مليون فلسطيني للمشاركة في أول انتخابات عامة منذ 15 عاما

بينيت يهدد بإسقاط حكومة إسرائيل.. والشيخ: دولتنا لن تنتظر موافقتك