كورونا وتطورات سياسية.. كيف ستتحسس شركات الطيران الخليجية خطواتها المقبلة؟

السبت 13 فبراير 2021 01:37 ص

عندما كان عام 2019 يقترب من نهايته، احتفلت صناعة الطيران العالمية بعقد من النمو غير العادي والأرباح القوية، وكان هذا العام بمثابة ثورة في السفر الجوي؛ حيث استخدم نحو 4.5 مليار مسافر الرحلات الجوية في ذلك العام، أي أكثر من أي وقت مضى في التاريخ، وصعد 35 مليارا إلى الجو على مدار العقد.

وكانت شركات الطيران الخليجية المحرك الرئيسي لهذه الثورة في السفر الجوي. و

أصبح "الثلاث الكبار"، "طيران الإمارات"، و"الاتحاد"، و"الخطوط الجوية القطرية"، أسماء مألوفة تنتشر شعاراتها على قمصان كرة القدم العالمية، وينتشر أسطولها العريض من طائرات "إيرباص" و"بوينج" في كل مكان في المطارات الرئيسية.

وبرزت "طيران الإمارات"، على وجه الخصوص، كرمز للسفر الجوي الفاخر لنحو 500 مليون شخص على مدى عقد من الزمن.

وفي الوقت نفسه، حققت شركات الطيران منخفضة التكلفة، مثل "العربية للطيران" في الشارقة، و"فلاي دبي"، عاما قويا في 2019 حيث وصل عدد ركابها الإجمالي إلى ما يقرب من 22 مليون مسافر، ما ساهم في تعزيز مكانة الإمارات كمركز جوي عالمي.

واحتفظ مطار دبي الدولي بمكانته في عام 2019 باعتباره المركز الجوي الدولي الأكثر ازدحاما للعام السادس على التوالي.

وسجلت مطارات الإمارات مجتمعة أكثر من 110 مليون مسافر في عام 2019، أي ما يقرب من 6% من إجمالي الحركة الجوية الدولية.

  • كارثة الوباء

وغيّر فيروس كورونا الذي ظهر في ووهان بالصين في أواخر عام 2019 العالم، وأعاق السفر الجوي بشكل كبير، ودخل ما يقرب من 40 إلى 50 شركة طيران على مستوى العالم في حالة إفلاس أو إعادة هيكلة، وشهدت شركات الطيران الخليجية أسوأ أزمة في تاريخها.

وعندما أوقفت السلطات الإماراتية جميع الرحلات الجوية في أواخر مارس/آذار 2020، كانت تتبنى الخيار الأصعب على الإطلاق.

فمن خلال إغلاق المطارات، كانت الإمارات تغلق ما يقرب من 13% من ناتجها المحلي الإجمالي وصناعة تدعم 800 ألف وظيفة، وفقا لاتحاد النقل الجوي الدولي.

وبالنسبة لدبي، كانت الضربة أكثر صعوبة حيث تمثل صناعة الطيران أكثر من ربع ناتجها المحلي الإجمالي.

كما كان الشعور بالألم كبيرا في قطر، حيث يمثل الطيران 11% من ناتجها المحلي الإجمالي.

وساهم الوباء وعمليات الإغلاق في تسريع عملية إعادة الهيكلة في شركة "الاتحاد" التي بدأت منذ أوائل عام 2018.

ويقود الرئيس التنفيذي الجديد للشركة "توني دوجلاس" مشروع تحول مدته 5 أعوام يهدف إلى استعادة الأرباح بحلول عام 2023 بعد أن تسببت الاستراتيجية السابقة (تتمثل في شراء حصص الأسهم في شركات الطيران في جميع أنحاء العالم) في إثقال كاهل الشركة بالديون.

وفي حين أن الشركات الثلاثة الكبرى، بالإضافة إلى مجموعة من شركات النقل منخفضة التكلفة، أظهرت منافسة شديدة حتى قبل الوباء، فقد فعلت ذلك في بيئة تشغيل مواتية لكن هذا الوضع تغير.

ووفقا لاتحاد النقل الجوي الدولي، شهد الشرق الأوسط في 2020 انخفاضا بنسبة 73% في الحركة الجوية، وهو العام الذي وصفه الاتحاد بأنه "كارثة".

وانخفض إشغال مطار دبي الدولي من 86 مليون مسافر في عام 2019 إلى أقل من 18 مليونا في عام 2020.

ولا يتوقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي انتعاشا إلى مستويات ما قبل الجائحة حتى عام 2023 أو 2024.

إذن، إلى أين يتجه الطيران في المنطقة الآن؟ حسنا، هناك عوامل رئيسية ستؤثر في الاتجاه العام منها التعافي عبر نشر اللقاحات والعودة إلى الوضع الطبيعي، واستمرار ظهور شركات النقل الإقليمية منخفضة التكلفة، والاختراقات الدبلوماسية بما في ذلك إنهاء حصار قطر واتفاقات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والمنافسة الشديدة في حركة الشحن.

  • هل ينتعش السفر الجوي مع انتشار اللقاحات؟

قال "ألكسندر دي جونياك"، المدير العام والرئيس التنفيذي لاتحاد النقل الجوي الدولي، إن التفاؤل الذي يغذيه توزيع اللقاحات تلاشى في مواجهة حالات تفشي جديدة وطفرات جديدة للمرض.

وبالرغم أن الاتحاد يتوقع العودة إلى مستويات ما قبل انتشار الوباء في غضون عامين إلى 3 أعوام، فإن الرحلات المحلية ستتعافى أسرع من الرحلات الدولية.

وتعتمد معظم شركات الطيران الخليجية، باستثناء تلك الموجودة في السعودية، بشكل كبير على الخطوط الدولية.

أما محلل الطيران البارز "ريتشارد أبو العافية" فلديه ما يدعو للتفاؤل أكثر بشأن مستقبل السفر الجوي.

ويرى "أبو العافية" العودة إلى مستويات السفر التي كانت سائدة قبل الوباء بحلول الربع الأخير من عام 2022. وقال "أبو العافية" في مقابلة: "يتحدث الناس كثيرا عن كيف غيرت التكنولوجيا أماكن العمل، وهذا صحيح، ولكن عندما يبدأ منافسوك في السفر، في حين تبقى أنت في المنزل على زوم، ستتذكر بسرعة حاجتك إلى السفر".

وأشار "مارتن درو"، نائب الرئيس للمبيعات العالمية والشحن في شركة طيران الاتحاد، إلى أن "طرح اللقاح أمر أساسي"، لكنه قال أيضا في بيان عبر البريد الإلكتروني: "نحن واثقون من أن الطلب العالمي سيبدأ في الانتعاش في عام 2021.

ومهما كانت الحالة، سيكون الهدف في عام 2021 هو إيقاف النزيف والبدء في التعافي والحد من تفاقم الأضرار".

وضربت الإمارات صدمة جديدة في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي عندما حظرت المملكة المتحدة جميع الرحلات الجوية من الدولة الخليجية بسبب ارتفاع الإصابات بكورونا في دبي.

وفي ذلك الشهر، كان الممر بين دبي ولندن هو الطريق الدولي الأكثر ازدحاما في العالم، حيث استوعب ما يقرب من 200 ألف مقعد رغم الوباء. وكان السياح البريطانيون يتدفقون على شواطئ دبي ووجهاتها السياحية خلال فصل الشتاء.

  • ظهور شركات النقل منخفضة التكلفة

ونظرا لأن الشركات الثلاثة الكبرى تبحث عن طرق لتكون أكثر مرونة، فإن كل الأنظار تتجه نحو شركات النقل منخفضة التكلفة في المنطقة.

ووفقا لمركز "CAPA" للطيران، ارتفعت حصة شركات الطيران منخفضة التكلفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى 16.5% في عام 2019. 

وشهدت شركات الطيران منخفضة التكلفة في السعودية والكويت عاما قويا في فترة ما قبل الجائحة.

وقاد اللاعبان الرئيسيان في السعودية، "طيران أديل" و"طيران ناس"، الحملة، حيث نقلتا أكثر من 11.5 مليون مسافر مجتمعين.

وتعد أكبر 3 شركات للطيران منخفض التكلفة في المنطقة، وفقا لأرقام الركاب، هي "فلاي دبي" و"العربية للطيران" و"طيران ناس"، مع "طيران أديل" التابعة للخطوط الجوية السعودية.

وتتمتع كل من "طيران ناس" و"طيران أديل" بموقع جيد لتحقيق تعافي أسرع نظرا لسوقها المحلي الكبير نسبيا وحركة الحج.

كما حققت "طيران الجزيرة" في الكويت أرباحا تشغيلية قياسية في عام 2019.

تباطأت الجائحة، ولكنها لم توقف اثنتين من شركات الطيران المنخفضة التكلفة الجديدة التي ظهرت على الساحة: ويز إير Wizz Air أبوظبي، وهي مشروع مشترك بين ويز إير ومقرها المجر وبين شركة أبوظبي التنموية القابضة؛ وشركة العربية للطيران أبوظبي، بالشراكة بين الاتحاد للطيران والعربية للطيران ومقرها الشارقة.

تعمل كلتا الشركتين الآن في رحلات جوية إقليمية إلى جنوب آسيا وشمال أفريقيا وإسرائيل وأوروبا.

كما تخطط شركة سبايس جيت SpiceJet الهندية، المنخفضة التكلفة، للانخراط في العمل الإقليمي ولديها خطط لإنشاء مركز لها في رأس الخيمة.

وقال "لينوس باور"، محلل الخطوط الجوية الإقليمية في دبي، في مقابلة، إن الشراكات بين واحدة من أكبر 3 شركات طيران وشركة طيران منخفضة التكلفة ستكون ضرورية للخروج بشكل أقوى من الأزمة.

بالإضافة إلى ذلك، يرى "باور" أن أسرع فرص النمو على المدى القريب تلك التي تمتلكها شركات الطيران الخليجية وتعمل على الطرق المؤدية إلى الهند وباكستان وروسيا والسعودية وإسرائيل.

  • إنجازات دبلوماسية.. من اتفاقيات التطبيع إلى اتفاقية العلا

ومنذ اتفاقيات التطبيع في سبتمبر/أيلول 2020، التي دشنت علاقات دبلوماسية رسمية بين الإمارات وإسرائيل، يتدفق السائحون الإسرائيليون إلى دبي، وتعمل شركات الطيران الإماراتية والإسرائيلية على تطبيع الرحلات الجوية بين المدن الإسرائيلية وشبه الجزيرة العربية.

من المؤكد أن شركات الطيران الإماراتية المتلهفة لمصادر الإيرادات سوف ترحب بالإيرادات الإضافية من السياح الإسرائيليين، لكنها قد تخلق أيضاً فرصًا جديدة للسفر المحوري.

استقل الإسرائيليون أكثر من  8.2 مليون رحلة طيران دولية في عام 2019، وفقًا لبيانات حكومية، ومن المرجح أن ينتهي الأمر بجزء من هذه الحركة عبر المطارات الإماراتية أو البحرينية.

حتى قبل الجائحة، كان المطلعون على صناعة الطيران يتساءلون بشأن استراتيجيات المسافات الطويلة والمحورية التي تدعم نمو الشركات الثلاث الكبرى ومطاراتها.

استندت هذه الإستراتيجية إلى الجغرافيا الجوية المفضلة لشرقي شبه الجزيرة العربية: رحلة جوية لمدة 8 ساعات لما يقارب من ثلثي سكان العالم، ورحلة جوية لمدة 4 ساعات لما يقارب من ثلث تلك المجموعة.

وهكذا، وعدت شركات الطيران ومطاراتها بطريق موصلة ذات محطة توقف واحدة للأغلبية العظمى من العالم واستثمرت بكثافة في طرق المسافات الطويلة على امتداد الكرة الأرضية والطائرات العملاقة.

غالبًا ما يلاحظ محللو الطيران أن صعود الطائرات الأصغر التي يمكنها قطع مسافات أطول سوف يعطل هذا النموذج، لكن قد يكون من السابق لأوانه شطب هذا النموذج بعد.

تم توضيح النموذج بشكل أقوى بين الهند والإمارات. حيث ظهرت الإمارات كبوابة جوية لجنوب آسيا إلى العالم.

فعلى مدى السنوات السبع الماضية، هبطت واحدة تقريباً من كل ثلاث رحلات دولية غادرت الهند في الإمارات، وواحدة تقريباً من كل ثلاث رحلات جوية دولية هبطت في الهند انطلقت من الإمارات، وفقًا لبيانات المديرية العامة للطيران المدني في الهند.

بالنسبة لأولئك الذين يرفضون النموذج المحوري، فإن هذه الأرقام هي رد حاسم وقوي.

وفي الوقت نفسه، قدم التقارب بين قطر و3 من جيرانها الخليجيين، وهي الإمارات والسعودية والبحرين، بالإضافة إلى مصر، دفعة كانت الصناعة في أمس الحاجة إليها.

وستستفيد شركات الطيران منخفضة التكلفة من العودة إلى العمل كالمعتاد على خطوط الدوحة، وستستفيد الخطوط الجوية القطرية من الوصول المتجدد إلى المجال الجوي السعودي، لا سيما لمساراتها نحو أفريقيا وكذلك المسارات المنتظمة إلى المدن السعودية والإمارات.

وبحسب ما ورد، كسبت الخطوط الجوية القطرية 600 مليون دولار من رحلاتها إلى السعودية عام 2016، وهو رقم انخفض إلى الصفر تقريبا خلال الأعوام الـ 3 التالية.

وفي حين استفاد الطيران العماني من تحويل جزء من الحركة الجوية بعيداً عن الدوحة أثناء الحصار، فقد تضاءل وزن السلطنة مقارنة بنظيراتها الإقليمية.

ووضعت عُمان خطة طموحة مؤخراً لتكثيف نشاط قطاع الطيران بشكل كبير كمساهم في الناتج المحلي الإجمالي، بما في ذلك إعادة هيكلة شركة الطيران العماني.

وفي غضون ذلك، ستكون صالة المطار الجديدة في البحرين بمثابة إضافة كبيرة إلى قدرات الدولة، الأمر الذي سيعزز شركة "طيران الخليج" التي تتخذ من المنامة مقراً لها، وهي شركة طيران إقليمية رائدة احتفلت للتو بالذكرى السبعين لتأسيسها.

  • إنقاذ الشحن الجوي

في حين أن عام 2020 كان عصيبا على الشحن الجوي، إلا أن الطلب قد ارتفع في الربع الأخير من العام، وسوف تصبح شركات الطيران الثلاث الكبرى ناقلات رئيسية لإمداد العالم باللقاح.

وأقامت كل من أبوظبي ودبي مراكز عالمية لتوزيع اللقاحات، وفي نهاية شهر يناير/كانون الثاني، أعلن حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات، "محمد بن راشد آل مكتوم"، عن تشكيل تحالف لوجيستي للقاحات سيقوم بدعم جهود منظمة الصحة العالمية لتوزيع ملياري جرعة لقاح لفيروس كورونا في عام 2021.

وبما أن "الخطوط الجوية القطرية" و"طيران الإمارات" هما بالفعل من بين أكبر ثلاث شركات شحن جوي في العالم، وأن أعمال الشحن الجوي لشركة "الاتحاد" تشهد تصاعداً كبيراً، فمن المرجح أن تضاعف الشركات الثلاث الكبرى من جهودها في مجال واحد من الأعمال أقل التزاماً بالقيود التي يفرضها فيروس كورونا.

ومن خلال توزيع اللقاحات إلى العالم، سيقومون بعمل جيد في حماية صافي أرباحهم المستقبلية.

وبالرغم من كل هذه الاعتبارات، فمن دون وجود قدر من مناعة القطيع في جميع أنحاء العالم، سوف تتوقف ثورة السفر الجوي التي شهدناها في العقد الماضي، وستصبح نوعاً من ذكرى الحنين إلى الماضي- مثل طائرة بان آم (Pan Am jetliner).

المصدر | أفشين مولافي/معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الطيران الخليجي شركات الطيران الخليجية الخطوط الجوية القطرية تعافي الطيران الشحن الجوي كورونا حصار قطر

بتسريح المزيد من العاملين.. كورونا يحول الاتحاد للطيران الإماراتية إلى شركة متوسطة

ارتفاع بمعدل إصابات كورونا في السعودية والإمارات وقطر