استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عندما تتحكم الدولة العميقة في كتابة التاريخ

الثلاثاء 16 فبراير 2021 04:06 م

عندما تتحكم الدولة العميقة في كتابة التاريخ

تبقى الحقيقة التاريخية صعبة التحقق بسبب سرية تفرضها الدولة العميقة على وثائق وزارات الداخلية والدفاع والخارجية.

عادت دول ديمقراطية لتشديد إجراءات الكشف عن تقارير رسمية مرّت عليها عقود مما يعيق معرفة حقيقية ومتكاملة لأحداث التاريخ ويعرقل مهمة المؤرخين.

طالما تتحكم الدولة العميقة بالوثيقة والأرشيف يصعب الإلمام بحقيقة وقائع وأحداث حقيقية بل يصلنا فقط جزء من الحقيقة أو ما تريده الدولة العميقة أي التغليط المحكم.

*     *     *

عادت الدول الديمقراطية إلى التشدد بشأن الإجراءات الخاصة بالكشف عن مضمون التقارير الرسمية، خاصة السرية منها، التي تعود للاستخبارات والخارجية والدفاع، التي مرّت عليها عقود من الزمن.

ويعيق هذا الإجراء معرفة حقيقية ومتكاملة للأحداث التاريخية، ويعرقل مهمة المؤرخين. وتبقى صحافة التقصي أداة لإزالة الغبار عن الكثير من الملفات، التي يراد تراكم الغبار عليها.

في هذا الصدد، قررت الدولة الفرنسية يوم 13 نوفمبر الماضي، تشديد الإجراءات بشأن الكشف عن الوثائق والتقارير الرسمية الخاصة بالمرحلة الممتدة من 1934 إلى 1970. وهو إجراء يشمل مرحلة حساسة من التاريخ العالمي بحكم مركزية فرنسا في صنع الأحداث الدولية.

وتغطي هذه الفترة المخاضات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، ثم هذه الحرب، علاوة على استقلال الدول التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي ومنها الدول العربية والحرب الباردة.

ويحتج المؤرخون الفرنسيون على القرار ويعتبرونه عرقلة لفهم حقيقة الأحداث التاريخية، ويسخر أحد المؤرخين قائلا «حتى نوعية الطعام الذي كان يتناوله الماريشال بيتان مشمول بالسرية».

وما يجري في فرنسا يحدث في الدول الديمقراطية الأخرى، ولكن بدرجات متفاوتة، إذ تعتبر الدول الأنكلوسكسونية منفتحة نسبيا في هذا الصدد، وبين الحين والآخر تكشف عن الكثير من الوثائق، ضمن ما يسمى «رفع السرية» خاصة في الولايات المتحدة.

وعادة ما يلجأ مواطنون إلى القضاء الأمريكي للحصول على حق الاطلاع على الوثائق، ورغم كل هذه المجهودات، تبقى أهم الوثائق مشمولة بالسرية إلى أجل غير مسمى، بما فيها وثائق تعود إلى القرن التاسع عشر، نظرا لحساسيتها والانعكاسات التي قد تسببت فيها.

تطورت الكتابة التاريخية خلال العقود الأخيرة، واستفادت من ثلاثة عوامل وهي:

أولا الانفتاح الديمقراطي في عدد من الدول، الأمر الذي يدفع المؤرخ إلى معالجة جريئة وشجاعة للأحداث التاريخية، بدون هاجس الرقابة، وهذه الميزة لا يتمتع بها مؤرخو الدول غير الديمقراطية، حيث تستمر عملية التأريخ محصورة، في ما يعرف بـ"تاريخ البلاط" أي الرؤية الرسمية.

ثانيا، استفاد التأريخ من تنوع المصادر وتوفرها، إذ أصبح المؤرخ أمام كم هائل من الوثائق في مختلف التخصصات مثل، الاقتصاد وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والعلاقات الدبلوماسية، تساعده في بناء الرواية التاريخية التي تقترب من الإحاطة الشاملة بمختلف جوانب القضايا المعالجة، للوصول إلى الحقيقة قدر المستطاع.

ويتجلى العامل الثالث في شبكة الإنترنت، حيث تلعب دورا كبيرا في توفير الوثيقة التاريخية للباحث المؤرخ، إذ تسهل له الوصول إلى مختلف المكتبات العالمية خاصة الأرشيف.

لكن رغم كل هذا، تبقى الحقيقة التاريخية صعبة التحقيق بسبب مفهوم السرية الذي تفرضه الدولة العميقة على الوثائق المتعلقة بوزارة الداخلية والدفاع والخارجية. ويتعلق الأمر باتفاقيات سرية، أو عمليات توجه مجرى تاريخ قضية ما.

ويحدث أن يعتقد المؤرخ أنه نجح في الإلمام بحدث تاريخي، وتظهر وثيقة تجبره على إعادة النظر في ما كتب. ونتفاجأ بين الحين والآخر بقرار بعض الدول رفع السرية عن وثائق معينة، لنكتشف معطيات تستوجب إعادة كتابة الرواية التاريخية لحدث ما.

والتاريخ العربي يبقى ناقصا وغير مكتمل لسببين:

الأول، غياب الديمقراطية التي تسمح للمؤرخ بمعالجة علمية للمواضيع التي يبحث فيها،

والثاني وجود وثائق مهمة في أرشيف الدول الكبرى، خاصة الغربية منها. وعندما تقوم لندن أو واشنطن برفع السرية عن الأرشيف، ومنه الخاص بالعالم العربي يتفاجأ الباحث بمعطيات لم تخطر له على بال نهائيا.

وأمام كل هذا، يجد المؤرخ في الصحافة والتسريبات مصدرا في سعيه للبحث عن الحقيقة. وعلاقة بهذا، شكلت تسريبات جمعية ويكيليكس لوثائق الدبلوماسية الأمريكية، ثم الوثائق التي كشف عنها موظف الاستخبارات السابق إدوارد سنودن، فرصة ذهبية للباحثين لمعرفة الكثير من أسرار الحكومات في العالم، سواء على مستوى المعلومات الواردة فيها، أو تقييم واشنطن للكثير من القضايا والملوك والرؤساء.

وإلى جانب التسريبات، تلعب الصحافة، وعلى رأسها صحافة التقصي، دورا مهما في الكشف عن المعطيات التي تساعد المؤرخ في الكتابة التاريخية، علما أن الصحافة تعد بمثابة التأريخ اليومي لشتى الأحداث المحلية والوطنية والدولية.

ومن ضمن الأمثلة، وهو مرتبط بالربيع العربي الذي حلت ذكراه العاشرة هذه الأيام، تقول الرواية السائدة الواردة في عدد من الدراسات بانتفاضة الشعب الليبي ضد طغيان معمر القذافي، وهو قول صحيح بحكم يأس الشعوب من الطبقة الحاكمة.

لكن الجزء الآخر من الصورة، الذي تسرب في وثائق أخرى هو رغبة باريس في القضاء على نظام القذافي بعدما فكر في إصدار عملة افريقية خاصة فيما يسمى بافريقيا الفرنكفونية.، وتحالفت مع بريطانيا التي كانت ترغب في تقسيم ليبيا للسيطرة على النفط.

وفي مثال آخر من فرنسا، كتب مؤرخون فرنسيون عن حقبة الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي. وفجأة، تغيرت نسبيا بعض المعطيات عندما نشر موقع «ميديابارت» مقالات تدخل ضمن صحافة التقصي، أكدت تورطه في تلقي أموال من نظام معمر القذافي لتمويل حملته الرئاسية سنة 2007، ودوره السري في عدد من الاتفاقيات لصالح ليبيا في الاتحاد الأوروبي.

وأثنى مؤرخون على صورة ودور الملك خوان كارلوس في الانتقال الديمقراطي، ولاحقا ظهرت صحافة نبشت في الماضي بعين ذكية، ورصدت معطيات مخيفة مثل الاشتباه في اغتيال شقيقه في البرتغال إبان الخمسينيات، ثم دوره في الفساد ومراكمة ثروة ضخمة علاوة على علامات استفهام بشأن دوره في الانقلاب العسكري الفاشل سنة 1981.

وستكون المفاجأة أكبر في حالة بعض الأحداث عندما سيعلم القارئ أن دولا ديمقراطية غربية هي التي وقفت وراء التفجيرات الإرهابية التي هزت بعض دول أوروبا، إبان الثمانينيات خاصة في بلجيكا وإيطاليا لأهداف سياسية.

طالما تتحكم الدولة العميقة في الوثيقة والأرشيف، يبقى من الصعب الحديث عن الإلمام بحقيقة الوقائع والأحداث الحقيقية، بل يصلنا فقط جزء من هذه الحقيقة وأحيانا يصلنا ما تريده الدولة العميقة، أي التغليط المحكم.

* د.  حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الدول الديمقراطية، الدولة العميقة، الوثائق السرية، كتابة التاريخ، ويكيليكس، الأرشيف، الوثيقة، التأريخ، الديمقراطية،