هل تفتح المفاوضات الإيرانية الأمريكية الباب لحوار إقليمي أوسع؟

السبت 20 فبراير 2021 12:56 ص

في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقبل أيام فقط من انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، قال "جو بايدن": "سأقدم لطهران طريقا موثوقا للعودة إلى الدبلوماسية. إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فستعاود الولايات المتحدة الانضمام إلى الاتفاق كنقطة انطلاق لمفاوضات لاحقة".

ومنذ أن تولى منصبه في 20 يناير/كانون الثاني، باعتباره الرئيس 46 للولايات المتحدة، كثرت التكهنات بشأن الخطوات التي يمكن أن يتخذها كل جانب لإحياء الاتفاق النووي. ودعا المرشد الإيراني "علي خامنئي" واشنطن لأخذ زمام المبادرة، قائلا: "لقد أوفت إيران بجميع التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، في حين لم تفعل الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاثة (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)... إذا كانوا يريدون عودة إيران إلى التزاماتها، فيجب على الولايات المتحدة رفع جميع العقوبات أولا".

وردا على ذلك، قال "بايدن" إن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات عن إيران ما لم توقف تخصيب اليورانيوم. وفي غضون ذلك، اقترح وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" أن يلعب ممثل الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل" دور الحكم والوسيط بأن "يزامن" أو يصمم الإجراءات المطلوبة من كلا الجانبين، كوسيلة للتغلب على مأزق  "من يبدأ أولا" في العودة إلى الاتفاق النووي.

وتثير هذه التصريحات المتناقضة والمواجهة المعقدة المستمرة بين إيران والولايات المتحدة تساؤلات حول كيفية المضي قدما في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة وتداعيات ذلك على الأمن الإقليمي.

  • ديناميات ثنائية

ومن المؤكد أن برنامج إيران النووي يشكل أولوية للرئيس الأمريكي. ومع ذلك، من الواضح أن إدارة "بايدن" أمامها العديد من الأولويات الأخرى، وأهمها احتواء "كوفيد-19" وبدء الانتعاش الاقتصادي. وتشمل التحديات المهمة الأخرى تسوية التوترات العرقية، والتخفيف من حدة تغير المناخ، وتعزيز الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة فيما يتعلق بروسيا والصين.

ومما يزيد من تعقيد سياسة "بايدن" الخارجية، دعوات عدد من المسؤولين من داخل الإدارة وخارجها إلى عدم التسرع في رفع العقوبات، بل استخدامها كأداة ضغط لإجبار طهران على تقديم تنازلات بشأن قدراتها الصاروخية الباليستية وسياستها الإقليمية.

علاوة على ذلك، تصر القوى الإقليمية مثل إسرائيل والسعودية والإمارات على أن يكون لها صوت في أي مفاوضات مستقبلية بين الولايات المتحدة وإيران.

وعندما انسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2018، واصلت الضغط على إيران، التي واصلت احترام التزاماتها بالكامل. وانتظرت طهران لمدة عام كامل بعد الانسحاب الأمريكي والتحوط الأوروبي قبل أن تبدأ تدريجيا في إعادة بناء برنامجها النووي.

وحاليا، يشعر الإيرانيون بأن الهزيمة الانتخابية لـ "ترامب" تأتي في صالحهم وأن سياسة "أقصى ضغط" فشلت في إخضاع الجمهورية الإسلامية، وأن إيران قد نجت من العقوبات "الوحشية".

  • خطة العمل الشاملة المشتركة والأمن الإقليمي

ويُنظر إلى مجرد بقاء إيران تحت الضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري الشديد على مدى الأعوام الأربعة الماضية، دون الانهيار الكامل، على أنه إنجاز كبير في طهران، لكن النظام الإيراني لم يخرج من المأزق بعد. ويعتمد بقاء أي نظام سياسي، إلى حد كبير، على قدرته على تلبية التوقعات الاقتصادية لشعبه.

وكان الاقتصاد الإيراني في حالة ركود خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وجاء تفشي فيروس كورونا ليزيد الأمر سوءا. ووفقا للبنك الدولي، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.5% في عام 2021، وهو معدل أقل بكثير من معظم جيرانه. ولا تستطيع البلاد ببساطة أن تبقى تحت العقوبات لفترة أطول.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، أقر البرلمان الإيراني قانونا جديدا بعنوان "الخطة الاستراتيجية لرفع العقوبات وحماية حقوق الشعب الإيراني". ويطالب التشريع إيران باتخاذ خطوات مهمة لتكثيف أنشطتها النووية إذا لم يتم الوفاء ببعض إجراءات تخفيف العقوبات.

ويفرض القانون على منظمة الطاقة الذرية الإيرانية وقف التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي للاتفاقية إذا لم يتم رفع بعض العقوبات المفروضة على البنوك والنفط.

ويلزم القانون المنظمة بإنتاج المزيد من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% وتخزينه داخل البلاد وإعادة مفاعل الماء الثقيل في "أراك" إلى حالته قبل خطة العمل الشاملة المشتركة. وبالفعل، بدأت طهران تنفيذ بعض هذه الخطوات وسيستمر ذلك في الأسابيع والأشهر القادمة.

وليس من الواضح كيف سترد الولايات المتحدة والأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي على هذا الضغط الإيراني لرفع العقوبات. لكن المؤكد هو أنه يجب معالجة البرنامج النووي وآثاره المحتملة على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط.

وتعني الخطوات التدريجية التي اتخذتها طهران لتقليص التزاماتها بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة ردا على العقوبات، أن الوقت الذي تحتاجه لبناء قنبلة نووية قد تقلص. فكيف سيكون رد فعل الولايات المتحدة والقوى الأوروبية وإسرائيل على هذا التطور؟ هذا هو السؤال المطروح.

ومن الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تستطيع أن تقف موقف المتفرج. وسيكون للمواجهة الاقتصادية والسياسية، وربما العسكرية، المستمرة بين إيران وخصومها تداعيات كبيرة على الشرق الأوسط بأكمله.

وفي الحقيقة، تمتلك طهران القدرات العسكرية اللازمة للرد على أي عدوان، وقد حذر القادة الإيرانيون مرارا وتكرارا من أن أي صراع مع الولايات المتحدة أو إسرائيل لن يقتصر على إيران وسيشمل جيرانها.

وعلى المدى القصير، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من واشنطن وطهران أن تسعى إلى تهدئة التوترات الإقليمية. وفي أوائل فبراير/شباط، أعلن وزير الخارجية القطري "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني" أن بلاده تعمل على خفض التصعيد من خلال عملية سياسية ودبلوماسية تستهدف العودة إلى الاتفاق النووي.

كما ورد أن عُمان منخرطة في الوساطة هذه المرة، كما فعلت في المفاوضات الأولى التي أدت إلى خطة العمل الشاملة المشتركة نفسها. ولا يفيد تخفيض التوتر والتوصل إلى تفاهم بين واشنطن وطهران الطرفين فحسب، بل إن هذا الأمر ضروري للاستقرار الإقليمي والسلام العالمي.

وعلى المدى الطويل، توجد حاجة ملحة لحوار بناء بين جميع القوى الإقليمية. وسوف يسعى مثل هذا الحوار الاستراتيجي إلى التوصل إلى إجماع حول بنية أمنية تعترف بموجبها جميع القوى الإقليمية بمخاوف بعضها البعض وتوافق على العمل معا في مساحات المصالح المشتركة.

ويجب أن يكون التأثير المدمر لـ "كوفيد-19" بمثابة تذكير بأن جميع القوى الإقليمية بحاجة إلى الاستثمار في تطوير رأس المال البشري والبنية التحتية الاقتصادية وتجنب المواجهة العسكرية والتوتر السياسي.

المصدر | جودت بهجت/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

خطة العمل الشاملة المشتركة الاتفاق النووي الإيراني المفاوضات الأمريكية الإيرانية الأمن الإقليمي

ميركل تطالب إيران برسائل إيجابية لزيادة فرص عودة واشنطن للاتفاق النووي

رسميًا..واشنطن تبلغ مجلس الأمن برفع عقوبات ترامب المفروضة على إيران

إيران‬ ترفض عرضا أوروبيا لمحادثات مباشرة مع الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي

حسابات معقدة.. لماذا رفضت إيران المحادثات المباشرة مع أمريكا؟