لبنان.. لقاح بالواسطة

«هذا الخلل له رمزيته» لأن من قام به نواب يفترض أن يكونوا أول من يكشف الخلل لا أول من يأتي به!

السياسة تحشر نفسها حتى في لقاحات «كوفيد-19» وأصبح اللقاح بل والوباء نفسه موضوعاً سياسياً بامتياز.

«الصراع» على اللقاحات أصبح شأناً محلياً في لبنان ونخبته السياسية تتنازع على مقاعد وزارية وحصص لكن تجد ما يجمعها في تقاسم المنافع.

وصلت لبنان لقاحات بكميات محدودة يفترض أن توجه أولاً للعاملين بالصحة وكبار السن وذوي الأمراض المزمنة شهدت تسابق نخب سياسية بمجلس النواب!

*     *     *

لا مفرّ من السياسة مهما حاول الناس النأي بأنفسهم عنها. السياسة تحشر نفسها في كل شيء، حتى في اللقاحات الواقية من «كوفيد-19». وفي عالمٍ تسوده المنافسات والصراعات والجري وراء النفوذ، لا التعاون والتنسيق بين الدول، فإن اللقاح، لا بل والوباء نفسه، أصبحا موضوعاً سياسياً بامتياز، أو فلنقل موضوعاً مركباً، اقتصادياً – سياسياً.

وهو أمر تناولناه هنا غير مرة، عند الحديث عن تنافس الدول الكبرى على نيل الحصة الأكبر من تسويق ما توصلت إليه مختبراتها من لقاحات.

حديث كثير أيضاً يجري على ألسنة مسؤولي منظمة الصحة العالمية، وغيرها من المنظمات الدولية المعنية، عن الصعوبات التي تواجهها دول كثيرة في الحصول على اللقاحات، أو على كميات كافية منها، كي تشرع في تنظيم حملات لقاح فعالة.

«الصراع» على اللقاحات لم يعد شأناً بين الدول فحسب، بل أصبح شأناً محلياً في بلدٍ مثل لبنان، الذي يعاني احتقاناً سياسياً طويلاً، ويدور في دوامة من الضياع، عاجز عن كسرها والخروج منها.

ونخبته السياسية المتنفذة التي تتنازع على المقاعد الوزارية وحصص الطوائف والجماعات في الحكومة أو البرلمان، تجد ما يجمعها حين يتعلق الأمر بتقاسم المنافع. لا يهمها أن سفينة البلد تغرق، بدون موسيقى، كما قال وزير الخارجية الفرنسي، طالما أن حصتها من النفوذ والمال مؤمنة.

لكن من يخال أنه حتى لقاحات «كوفيد-19» التي وصلت لبنان كميات محدودة منها، يفترض أن توجه أولاً إلى العاملين بقطاع الصحة وكبار السن ومن يعانون أمراضاً مزمنة، شهدت تسابقاً من ممثلي هذه النخب السياسية في مجلس النواب.

والذين تلقى بعضهم اللقاح، وفي مبنى البرلمان نفسه، دون تسجيل أو انتظار دورهم شأنهم شأن بقية خلق الله، مع أن الحكومة طلبت من الجميع التسجيل في منصة عبر الإنترنت، تحدد برمجياتها من لهم أولوية الحصول على اللقاح، وفقاً لمعايير متفق عليها.

البنك الدولي الذي ساءه ما جرى هدد بوقف تمويل برنامج التلقيح اللبناني، وأعلن على لسان مديره الإقليمي أن البنك طلب من المراقبين التحقق من التزام مراكز التطعيم بالقواعد، مضيفاً هاشتاج «لا واسطة»!

فيما لوّح رئيس اللجنة الوطنية لإدارة ملف اللقاح بالاستقالة احتجاجاً على تلقي أولئك النواب اللقاح بطريقة مخالفة لمراحل خطة التلقيح الموضوعة، وبدون علم أعضاء اللجنة وخارج التراتبية التي وضعتها.

«هذا الخلل له رمزيته» قال رئيس اللجنة، لأن من قاموا به نواب، يفترض فيهم أن يكونوا أول من يكشف الخلل، لا أول من يأتي به.

* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين