ماذا بعد تجميد الصفقة الصينية الهائلة مع قطاع النفط العراقي؟

السبت 27 فبراير 2021 02:31 ص

خلال العام الماضي، وجهت جائحة "كورونا" وانهيار أسعار النفط ضربة قاسية للاقتصاد العراقي، حيث تأتي نحو 90% من إيرادات الدولة من صادرات النفط.

نتيجة لذلك، انكمش الاقتصاد بنسبة 11%، ما دفع العراق إلى البحث بشكل عاجل عن مصادر جديدة للدخل لدعم اقتصاده المتعثر.

وكما أشار ممثل وزارة النفط العراقية، لكي يكون العراق قادرا على التعامل مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة وكذلك الديون والالتزامات الخارجية، فإن البلاد بحاجة ماسة إلى "الحصول على النقد مقدما في بعض مبيعات النفط العراقية".

لذلك كانت الحكومة العراقية تأمل في أن تصبح اتفاقيتها مع شركة "زينهوا" الصينية مصدر الإيرادات التي تشتد الحاجة إليها.

وبحسب شروط الاتفاقية، يتعهد الجانب العراقي بتزويد الشركة الصينية بـ48 مليون برميل نفط سنويا من عام 2021 إلى 2025 مقابل 2 مليار دولار تدفع مقدما.

وفي حال تمت هذه الصفقة، كانت ستصبح علامة بارزة في طريق تحقيق الأهداف الرئيسية لاستراتيجية أمن الطاقة الصينية، وزيادة نفوذ بكين العام في العراق، ودمج العراق في مبادرة الحزام والطريق.

ولكن، على الأقل في الوقت الحالي، توقف الأمر؛ حيث أعلنت الحكومة العراقية قرارها بعدم المضي قدما في العقد. ومع ذلك، فإن هذه العقبة لا تعني أن بكين ستتخلى عن خططها الطموحة في العراق.

طموحات الصين تتجاوز النفط

وتمكنت الصين، التي أصبحت المستورد الرئيسي الفعلي للنفط العراقي، من تحقيق نجاح ملحوظ عبر آليتين أساسيتين:

أولا: الترويج لسياسة عدم التدخل في الشؤون السياسية الداخلية للعراق.

ثانيا: التأكيد على الاستعداد "للتراجع خطوة واحدة للمضي قدما خطوتين".

على سبيل المثال، كان يُعتقد في وقت ما أن عقد شراء الصين عام 1997، الذي تجدد عام 2008، لمخزون الأحدب النفطي في جنوب العراق، كان استثمارا سيئا، ولكن ثبت في النهاية أنه مربح للغاية، مع استخراج ما يقرب من 120 ألف برميل يوميا.

ويوضح هذا المثال بوضوح أن الصين تفضل التفكير والعمل بشكل استراتيجي في توسيع نفوذها في العراق، وتظهر استعدادها للتضحية بأرباح فورية لتحقيق مكاسب طويلة الأجل. 

ومن خلال اتباع هذا النهج، حاولت الصين اصطياد عصفورين بحجر واحد، فبصرف النظر عن الوصول إلى احتياطيات النفط العراقية الهائلة، سعت بكين لتشكيل مسار نحو السيطرة على البنية التحتية للنفط في العراق، على سبيل المثال، وقعت وزارة النفط العراقية اتفاقية مبدئية مع كونسورتيوم صيني لتطوير مصفاة "ذي قار" في جنوب العراق، والتي تبلغ طاقتها 100 ألف برميل يوميا.

ومن ناحية أخرى، تشارك الصين أيضا بشكل فعال في القطاع غير النفطي للاقتصاد العراقي، بما في ذلك مصانع الأسمنت ومحطات الطاقة ومرافق معالجة المياه، ووفقا لبيانات عام 2019، جعل التوسع في قدرات التصدير الصينية العراق أحد أكبر مستهلكي البضائع الصينية في الشرق الأوسط.

إلغاء الصفقة أم تأجيلها؟

ويرتكز قرار العراق بعدم إبرام الاتفاق على 3 ركائز أساسية:

الأول: هو التغيرات في سوق النفط العالمية، فهناك فارق كبير بين الوضع الآن والوضع وقت مفاوضات بغداد الأولية مع الصين، فمنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ارتفعت أسعار النفط بنسبة 62% إلى حوالي 63 دولارا للبرميل، ويرجع ذلك أساسا إلى انتشار لقاحات فيروس "كورونا" وتزايد الطلب العالمي على النفط.

ورأت الحكومة العراقية فرصة في ارتفاع الأسعار، معتبرين أنهم اتفقوا على الشروط الأصلية في وقت كان موقف العراق فيه ضعيفا جدا، وربما كان الأسوأ بين دول "أوبك"، وبذلك لم تعد الصفقة في صالح العراق.

ثانيا: "العامل الأمريكي"، ففي حين أنه لا يزال من السابق لأوانه إجراء توقعات بعيدة المدى، بناء على التطورات الأخيرة، يبدو أنه من غير المرجح أن تغير واشنطن مسارها بشكل كبير في العلاقات مع بكين، التي تعتبرها الإدارة الجديدة المنافس الجيوسياسي الرئيسي للولايات المتحدة.

وعلى الأرجح، لن يرغب العراق، بالنظر إلى مشاكله المتعلقة بالأمن ودور الولايات المتحدة في أمنه القومي الحالي والمستقبلي، في اختيار التعاون الكامل مع الصين، وبالتالي الانفصال عن الولايات المتحدة، وينبع هذا في المقام الأول من حقيقة أنه لن تقدم الصين أي مساعدة للعراق في حل مشاكله الأمنية.

وفي المقابل، شعر العديد من الخبراء الصينيين بعدم الارتياح لتوسيع التعاون الاقتصادي مع بغداد بسبب التحديات الأمنية الخطيرة التي تواجهها البلاد.

وكما يشير "جي كايون"، رئيس مركز الأبحاث العراقية في جامعة جنوب غرب الصين: "وجدت الشركات الصينية صعوبة في العمل في بعض المناطق، ولم يتم الوفاء ببعض العقود التي تم توقيعها في وقت سابق بين البلدين بسبب فراغ السلطة".

ثالثا وأخيرا: "العامل الروسي"، فمنذ سبعينات القرن الماضي، كانت لروسيا مصالح استراتيجية في قطاع النفط العراقي، والآن، مع الوضع السيئ للاقتصاد الروسي، بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية، وتأثير "كوفيد-19"، وعدم الاستقرار في سوق النفط العالمية، يتمثل الهدف الاستراتيجي للكرملين في زيادة صادراته النفطية إلى الصين.

وفي الوقت الحالي، لم يتم تعظيم هذه الصادرات، وبينما زادت الصين بالفعل وارداتها من النفط بنسبة 7.3%، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 10.85 مليون برميل في اليوم، وجدت روسيا نفسها تحتل المرتبة الثانية بعد السعودية، بالرغم أن صادراتها إلى الصين في عام 2020 بلغت 83.57 مليون برميل، بارتفاع 7.6% مقارنة بعام 2019، بينما احتل العراق المرتبة الثالثة، وزادت صادراته إلى الصين بنسبة 16.1% لتصل إلى 60.12 مليون برميل.

ومن الناحية العملية، تعني هذه التطورات أن دور العراق في أمن الطاقة في الصين يتزايد، وهو ما تعتبره روسيا عاملا يمثل تحديا.

علاوة على ذلك، فإن الجانب الروسي قلق من خطط الصين لإقامة منشآت تخزين النفط الخام لمعالجة النفط العراقي كجزء من خطة لزيادة مبيعات النفط إلى آسيا.

وفي المقابل، لا يرغب العراق في إفساد علاقاته مع روسيا، ووفقا لوزارة الدفاع الروسية، أعرب العراق منذ عام 2019 عن اهتمامه الشديد بمنتجات مجمع الدفاع الروسي الصناعي، وأصبح مشترٍ مهم للأسلحة الروسية، كما أن أكبر الشركات الروسية، مثل "لوك أويل" و"روسنفت"، منخرطة بشدة في صناعة النفط العراقية.

وبالنسبة للصين، فإن الانتكاسة بسبب قرار العراق بالانسحاب من صفقة النفط ستصبح مصدر إزعاج وليس كارثة، ويشير إلى ذلك عدد من العوامل المترابطة؛ فمن ناحية، اكتسبت الصين بالفعل وجودا قويا في صناعة النفط العراقية، ومن غير المرجح أن يضعف هذا الوجود.

وفي الوقت نفسه، نظرا لعدد المنتجين المتحمسين لتزويد الصين بالنفط، بما في ذلك روسيا، لن تعاني بكين من نقص في المعروض.

علاوة على ذلك، فإن قرار العراق لا يعني بالضرورة أن بكين ستحيد عن مسارها في زيادة وجودها في العراق.

وفي النهاية، سيعتمد الكثير على مسار الإدارة الأمريكية الجديدة، والبيئة العامة في المنطقة، والتغيرات في أسعار النفط.

المصدر | سيرجي سوخانكين | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

النفط العراقي النفوذ الصيني النفوذ الروسي إدارة بايدن أسعار النفط وباد كورونا العلاقات العراقية الصينية

شركة صينية تفوز بعقد هندسي في حقل مجنون النفطي بالعراق

ماذا تعني صفقة توتال الفرنسية بالنسبة لقطاع الطاقة العراقي؟