جيوبوليتيكال: إيران تعتبر طموحاتها الإقليمية أهم من البرنامج النووي

الأحد 28 فبراير 2021 01:10 ص

كان العامان الماضيان هما الأصعب بالنسبة لإيران منذ ثورة 1979 حيث تأثر معظم الإيرانيين سلبًا بالعقوبات الأمريكية بالإضافة إلى الوباء المستمر. ويعيش ما لا يقل عن ثلث السكان في فقر مدقع، فيما تنتشر سوء التغذية، لا سيما بين الأطفال في المناطق الريفية.

وقد أصبحت اللحوم نادرة بشكل كبير فيما تزايدت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والحبوب والبقوليات.

وارتفع مؤشر أسعار الأغذية بنسبة 67% في يناير/كانون الثاني الماضي مقارنة بالعام السابق، كما فقد أكثر من 1.2 مليون إيراني وظائفهم بسبب الوباء، وارتفعت معدلات الطلاق بنسبة 7% وقفز عدد الأشخاص الذين تم علاجهم في مراكز إعادة التأهيل من 417 ألفًا إلى 663 ألفًا.

وبسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة في إيران، فإن مجرد احتمال إحياء الاتفاق النووي، بعد انتخاب الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، هو هبة من السماء لإيران.

وفي حين أن امتلاك الأسلحة النووية لا يزال يمثل هدفًا استراتيجيًا لإيران، فإن الدولة ليست في عجلة من أمرها لتحقيق ذلك، معتبرة أن القيام بذلك قد يهدد قدرتها على إنعاش اقتصادها وتعزيز نفوذها الإقليمي وبناء قوتها العسكرية التقليدية.

وعلى المدى القريب، تتمثل الأهداف الرئيسية للقيادة الإيرانية في إنقاذ النظام وتحسين مستويات المعيشة وإعادة إحياء الاقتصاد، مع الحفاظ على المكاسب الإقليمية وتعزيزها. أما الأسلحة النووية فيمكن أن تنتظر.

وعلى مدى القرون الستة الماضية، عانت إيران من هزائم عسكرية، وخسائر إقليمية، وتلاعب من القوى الأجنبية. وفي القرن العشرين، عانت إيران من احتلال القوات البريطانية والسوفياتية، ومع ذلك فإن لها أيضًا تاريخًا طويلًا من التوسع الإقليمي والدافع الإمبراطوري.

فقد استولت الإمبراطورية الساسانية (224-651) على القوقاز، والساحل الكامل لشبه الجزيرة العربية، ومصر وآسيا الصغرى، حتى وصلت إلى عتبة الهند.

وفي القرن السادس عشر، بنى الصفويون إمبراطورية ضمت القوقاز، بالرغم من أنهم فقدوا أراضيهم تدريجيًا لصالح روسيا القيصرية، وخسر خلفاؤهم القاجاريين الأراضي المتبقية.

وقد أعرب رجال الدين الثوريون عن أسفهم لتفكيك البرنامج النووي الإيراني والجيش الهائل والقوات الجوية، التي بناها الشاه بدعم أمريكي، وقالو إن العراق لم يكن ليهاجم إيران عام 1980 لو بقيت هذه القوة.

وتريد إيران الآن أن تصبح قوة إقليمية مهيمنة مرة أخرى. ويرى قادتها أن من حقها أن تصبح زعيمة الشرق الأوسط، أو على الأقل في مرتبة مساوية لإسرائيل، التي تشكل حاليًا القوة الحقيقية الوحيدة في المنطقة.

ومع ذلك، فإن التحدي الذي يواجه إيران هو حرص إسرائيل على عدم وجود أي دولة قد تصل إلى مستواها، وبالتالي فهي تقاوم التوسع الإيراني.

لكن الإيرانيين يلعبون لعبة طويلة وسينتظرون وقتهم. ويفهم الإسرائيليون أكثر من غيرهم، أن هناك الكثير من الطموحات الإيرانية أهم من الأسلحة النووية.

حرصت كل إدارة أمريكية منذ الثورة الإيرانية على تجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران.

ومثل الرئيس السابق "دونالد ترامب"، يرى "بايدن" أن القضايا الخلافية مع طهران هي برامجها النووية والصاروخية والنفوذ الإقليمي المتزايد، ولكن الفارق الوحيد بين الرئيسين هو أن "بايدن" أكثر مرونة، معتقدًا أنه لا توجد حاجة لإضعاف إيران الهزيلة بالفعل.

ويحرص "بايدن" على حل أزمة البرنامج النووي الإيراني من خلال الدبلوماسية لذلك يركز على التوصل إلى صفقة أفضل من الاتفاق النووي السابق، والذي في الواقع كانت سيؤخر فقط حصول طهران على أسلحة نووية.

وتدرك إدارة "بايدن" أن برنامج إيران للصواريخ الباليستية وسياستها الإقليمية غير قابلة للتفاوض، وتعتقد أن معالجة تدخل طهران الإقليمي خارج نطاق المحادثات النووية، مهم لاستقرار الشرق الأوسط.

من ناحية أخرى، اختار "ترامب" ممارسة أقصى قدر من الضغط، على أمل إجبار إيران على توقيع اتفاق جديد أكثر صرامة من شأنه إبطاء البرنامج النووي الإيراني مع تقليص حجم برنامج الصواريخ الباليستية وتقليص مغامراتها الإقليمية.

ويعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" مجرد إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي، لكن تهديدات إسرائيل بعمل العسكري تبدو وسيلة للضغط أكثر منها تحذير حقيقي من صراع وشيك.

وإدراكًا منها أن "بايدن" لا يمكنه تجاهل مخاوف إسرائيل، تحاول إسرائيل الحصول على مزيد من التنازلات من إيران من خلال التعبير عن معارضتها للمحادثات النووية.

ويعتبر المسؤولون الإيرانيون بارعون أيضًا في استخدام سياسة حافة الهاوية.

فقد توصلوا إلى اتفاق مؤقت في اللحظة الأخيرة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان استمرار مراقبة المواقع النووية الإيرانية حتى بعد تعليق الامتثال للبروتوكول الطوعي للاتفاق النووي.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وافق البرلمان الإيراني على مشروع قانون لوقف التعاون مع الوكالة وزيادة تخصيب اليورانيوم إلى 20%.

وقال وزير الخارجية "محمد جواد ظريف" إن الحكومة تحترم قرار البرلمان لكنها ستواصل التعاون مع الوكالة الذرية، مضيفًا أن قرار البرلمان يمكن التراجع عنه إذا تعاونت الولايات المتحدة.

بالنسبة لإيران، فإن امتلاك أسلحة نووية ليس هدفاً مباشراً حيث أن الخلاف حول برنامجها النووي مستمر منذ أكثر من 15 عامًا، ولم تتمكن إيران من صنع سلاح نووي بعد.

وفي الواقع، فإن رفع العقوبات له الأولوية على أي شيء آخر – حتى على الحصول على أسلحة نووية - لأن الملالي الحاكمين يريدون تحديث الاقتصاد وتوفير الاحتياجات الأساسية لسكان إيران المستاءين.

ومع ذلك، هناك قلق حقيقي من أن رفع العقوبات سيمكن إيران من تعزيز وجودها الإقليمي وسيزيد من إضعاف السعودية المحاصرة، والتي تعرضت لعدة هجمات بطائرات بدون طيار من الجماعات المرتبطة بإيران.

وفي اليمن حيث يخوض الحوثيون المعركة النهائية في محافظة مأرب الغنية بالنفط، آخر معاقل حكومة الرئيس "عبد ربه منصور هادي" في الشمال.

وإذا نجح هجوم الحوثيين، فلن يكون اليمن الذي نعرفه موجودًا، حيث تسيطر الإمارات بالفعل على الجنوب، وسيحكم الحوثيون قبضتهم على الشمال، وستظهر السعودية باعتبارها الخاسر الأكبر.

لكن اهتمام واشنطن بالسعودية يتراجع تدريجياً. فقد وصف الرئيس السابق "باراك أوباما" السعودية ذات مرة بأنها "مستفيدة مجانا"، دون أن يسميها مباشرة، وقال "ترامب" خلال حملته الانتخابية عام 2016: "بدون الحماية الأمريكية، لا أعتقد أن السعودية ستكون موجودة".

من جانبه، قال "بايدن" إن الولايات المتحدة ستوقف شحنات الأسلحة إلى السعودية وستنهي الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن.

 تسعى سياسة "بايدن" إلى تقليل التوترات الإقليمية، والتعامل بشكل منفصل مع مختلف القضايا المتفجرة وإدخال نظام متطور من التوازنات لا يستبعد إيران.

وبغض النظر عمن يحكم إيران، فإن هذه الدولة ضرورية لسياسة توازن القوى الأمريكية في الشرق الأوسط.

في الواقع، لقد فات الأوان لإنهاء تدخل إيران في شؤون جيرانها على أي حال.

في العراق، تقول الحكومة إن قوات "الحشد الشعبي" الموالية لإيران تابعة لوزارة الداخلية وهم يتلقون ميزانيتهم ​​من الحكومة المركزية، وقد بلغت 1.6 مليار دولار في عام 2020.

وفي لبنان، يعتبر "حزب الله" جزءا من النظام السياسي حيث يدير لبنان مع حليفه المسيحي الماروني، "التيار الوطني الحر".

وفي اليمن، تمت إزالة الحوثيين من القائمة الأمريكية للجماعات الإرهابية.

ستقاوم إيران أي محاولة لعزلها عن وكلائها الإقليميين لأنهم ضرورة لتحقيق طموحات إيران الإقليمية.

ويعتبر حلفاء طهران من الشيعة العرب أكثر أهمية من برنامجها النووي لتوسيع دائرة نفوذها.

ولا تزال إيران ضعيفة عسكريًا وتحتاج إلى حلفاء يستطيعون القتال نيابة عنها.

وكلما نظمت إيران تدريبات عسكرية أكثر وأعلنت عن ابتكارات دفاعية خارقة، كلما كشفت عن عدم قدرتها وعدم رغبتها في التورط في حرب شاملة.

وكما كانت تفعل منذ الثورة،  فهي تفضل القتال من خلال وكلاء، سواء كانوا في لبنان أو اليمن أو سوريا أو العراق.

وبالرغم من واجهة التماسك وعزم الدولة والاستعداد العسكري، فإن إيران أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى.

ويكاد الفساد البيروقراطي المستشري، وسوء التخطيط الاقتصادي، والعقوبات الصارمة والوباء، أن يشل البلاد.

ويتهم الإصلاحيون الإيرانيون المحافظين المتمرسين بالسلطة بالاستفادة من العقوبات من خلال اقتصادهم الموازي، الذي يدعون أن أرباحه تصل إلى حوالي 25 مليار دولار سنويًا.

ومن المحتمل أن يواجه المحافظون الحاكمون في إيران مشاكل في الداخل أكثر من الخارج، حيث يشعر الكثير من الإيرانيين بالإحباط بسبب قلة العمل وهم يفضلون نظامًا سياسيًا علمانيًا وديمقراطيًا ليحل محل نظام ولاية الفقيه بل حتى أن بعض المثقفين والأكاديميين والنشطاء السياسيين والمسؤولين السابقين الإيرانيين قد أعربوا عن أملهم في فوز "ترامب" بولاية ثانية لزيادة الضغط على النظام.

تغير المجتمع الإيراني بشكل ملحوظ على مدى السنوات الخمسين الماضية، وبالرغم أن 90% من سكانها من الشيعة، وفقًا لكتب الإحصاء السنوية، فإن 32% فقط يصفون أنفسهم بالشيعة. ومعظم الآخرين لا يصرحون بأي انتماء ديني أو يرون أنفسهم على أنهم ملحدون أو زرادشتيين.

وبالرغم مما سبق، فإن النظام الإيراني لا يواجه تهديدًا وجوديًا، ويمكنه الاعتماد على سلطاته القسرية الواسعة لقمع الاحتجاجات.

لكن تكمن معضلة "آية الله" والنظام في أنهم يحكمون شعباً لا يستاء من أيديولوجيتهم الدينية فحسب، بل ينجرف باستمرار مبتعدا عنهم.

المصدر |  هلال خاشان/جيبوليتكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي الإيراني الطموحات الإقليمية الإيرانية وكلاء إيران المشروع النووي الإيراني خامنئي صواريخ باليستية صواريخ باليستية