فرصة للصين وروسيا؟ تقرير خاشقجي يرسم ملامح جديدة للعلاقات الأمريكية السعودية

الأحد 28 فبراير 2021 11:16 ص

كيف سيؤثر نشر تقرير الاستخبارات الوطنية الأمريكية بشأن جريمة اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" على مستقبل الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن؟؛ يتصدر هذا السؤال اهتمامات المراقبين حاليا بعدما أورد التقرير ترجيحا لتورط ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في الجريمة التي اهتز لها العالم منذ 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

ومن شأن هكذا ترجيح أن يقوض المكانة الدولية لـ "بن سلمان"، وقد يدفع باتجاه التشكيك في مستقبله على رأس السلطة كحاكم فعلي للسعودية منذ عام 2017، حسبما يرى مراسل شبكة BBC للشؤون الأمنية "فرانك جاردنر".

فتأكيد دور ولي العهد في الجريمة البشعة سيجعل من الصعب، أكثر من أي وقت مضى، إقامة القادة الغربيين صلات علنية به كفرد، وإذا ما تحقق ذلك فإن إيران ستكون على رأس المستفيدين، إذ يعد أي أمر يقوض الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية بمثابة هدية لها، باعتبارها منافس السعودية الإقليمي.

وعلى الرغم من سنوات من العقوبات، خلص الخبراء مؤخرا إلى أن إيران باتت صاحبة اليد العليا في الشرق الأوسط، حيث وسعت نفوذها الاستراتيجي من خلال الميليشيات التي تعمل بالوكالة عنها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بينما أصبحت السعودية في وضع المحاصر الذي يعاني ضربات متوالية للطائرات المسيرة في عمق المملكة.

وعندما أعلن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" عن تعليق مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية التي تقود حربا في اليمن، سارع الحوثيون المدعومون من إيران إلى الاستفادة من ذلك، وتقدموا على عدة جبهات منذ ذلك الحين، مدركين أن حظر الأسلحة يحد من قدرة عدوهم.

ومن المرجح أن يدفع كل ذلك القيادة السعودية، على المدى الطويل، نحو تنويع شراكاتها في مجال الدفاع والأمن، وربما فتح أبوابا جديدة أمام لروسيا والصين، حسبما يرى "جاردنر".

ويشير محلل BBC إلى أن التطورات الأخيرة قد تدفع أيضا بالرياض إلى بناء علاقات أوثق مع إسرائيل، التي تشاركها المخاوف من التوسع الإيراني والانتشار النووي.

لكن "جاردنر" لا يرجح تأثيرا قويا لنشر تقرير "خاشقجي" على تركيبة السلطة في السعودية، رغم تصريح "بايدن" بأنه يريد التعامل مع الملك السعودي "سلمان بن عبد العزيز"، وليس نجله ولي العهد، إذ يعمل الملك وابنه بشكل متناغم ووثيق للغاية؛ لذلك فإن التمييز بينهما لا معنى له عملياً إلى حد بعيد.

ويدعم ترجيح "جاردنر" أن العاهل السعودي الذي يبلغ من العمر 85 عاما، هو في حالة صحية سيئة، وقد سلم بالفعل معظم سلطاته إلى نجله.

لكن يظل احتمال تأثير تصاعد قضية "خاشقجي" مجددا على مستقبل "بن سلمان" السياسي قائما، خاصة أن ولي العهد السعودي لم يكن الخيار المفضل لواشنطن ليصبح الملك القادم.

كان الرجل المفضل لدى واشنطن هو ولي العهد السابق الأمير "محمد بن نايف"، الذي ظل أهم حليف لأمريكا داخل العائلة المالكة السعودية، حسب"جارندر"، الذي أشار إلى دور "بن سلمان" في الإطاحة بسلفه عام 2017، ومن ثم اعتقاله بتهم الفساد والتآمر ضد ولي العهد، وهو ما تنفيه أسرته.

وتولى "بن نايف" منصب وزير الداخلية لسنوات عديدة وقضى بنجاح على نشاط تنظيم القاعدة في السعودية، وأقام علاقات وثيقة مع وكالة المخابرات المركزية (CIA) من خلال رئيس استخباراته "سعد الجبري"، الذي يعيش الآن في منفاه بكندا.

والولايات المتحدة لا تزال بحاجة إلى علاقة عمل جيدة مع الديوان الملكي السعودي؛ نظراً للتهديد المستمر الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية والإرهاب الذي يعد تنظيم القاعدة مصدر إلهام له، حسبما يشير "جاردنر"، لافتا إلى أن واشنطن تفضل كثيرا التعامل مع شخصية موثوقة ومستقرة مثل "بن نايف"، بدلاً من شخصية لا يمكن التنبؤ بها مثل "بن سلمان".

وستقود ردود الأفعال العملية من الجانبين الأمريكي والسعودي على نشر تقرير "خاشقجي"، إلى توقع المدى الذي يمكن أن يبلغه تراجع الشراكة الاستراتيجية بينهما، والتي تعود إلى تاريخ 14 فبراير/شباط 1945، عندما التقى الملك "عبد العزيز آل سعود" والرئيس "فرانكلين روزفلت" على متن البارجة "يو أس أس كوينسي" في قناة السويس، واتفقا على توفير الولايات المتحدة الحمياة العسكرية للسعودية مقابل الإقرار بامتياز الوصول الأمريكي إلى النفط السعودي.

وكانت الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 1973 ومارس/آذار 1974 إحدى المحطات الصعبة في تاريخ هذه الشراكة، عندما حولت السعودية والدول العربية في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" النفط إلى سلاح، ورفعت سعره بنسبة 70% للضغط على الولايات المتحدة، التي كانت تدعم إسرائيل في حربها ضد مصر.

وشهدت حقبة التسعينيات من القرن الماضي عودة للعلاقات الاستراتيجية الدافئة مجددا، وبعد غزو العراق برئاسة "صدام حسين" للكويت، في أغسطس/آب 1990، سمحت السعودية بنشر مئات الآلاف من القوات الأمريكية في أراضيها. وشكلت الأراضي السعودية قاعدة للتحالف الدولي الذي قادته واشنطن لطرد القوات العراقية الغازية.

لكن شراكة السعودية والولايات المتحدة تعرضت لثاني محطاتها الصعبة، وأخطرها على الإطلاق، بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، التي تبناها "تنظيم القاعدة"، ونفذها 15 سعوديا من أصل 19 مهاجما قاموا بتحويل مسار طائرات في الهجمات التي تسببت بمقتل قرابة 3 آلاف شخص.

ورغم أن السعودية نددت بالهجمات، إلا أنها ظلت متهمة بتمويل جماعات التطرف حتى اليوم بدوائر السياسة الأمريكية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2013، أعلنت الرياض رفضها شغل مقعد في مجلس الأمن الدولي في خطوة غير مسبوقة، للاحتجاج على ما اعتبرته "تقاعسا" من مجلس الأمن وواشنطن في النزاع السوري، وهي الخطوة التي مثلت ثالث محطات تأرجح العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن، في ظل امتعاض الرياض من سياسات الرئيس الأسبق "باراك أوباما" وإبرامه الاتفاق النووي مع إيران.

وبوصول "دونالد ترامب" إلى الرئاسة الأمريكية، تمتعت الرياض بحقبة من الشراكة الاستراتيجية المتينة مع واشنطن، وفي مايو/أيار 2017، اختار "ترامب" السعودية ليقوم بأول رحلة رئاسية له، حيث لقي استقبالا حارا، ودعا خلال الزيارة إلى "عزل" إيران.

وأعلن البلدان، خلال حقبة "ترامب"، عن عقود عسكرية ضخمة تتجاوز قيمتها 380 مليار دولار، بينها 110 مليارات لبيع أسلحة أمريكية إلى الرياض.

لكن خسارة "ترامب" للانتخابات الرئاسية الأخيرة، وفوز "بايدن" عاد بالشراكة بين الرياض وواشنطن إلى التأرجح، ما عززته دعوة الرئيس الأمريكي الصريحة إلى "إنهاء" الحرب في اليمن، ووضع حد لـ"مبيعات الأسلحة" إلى السعودية.

وجاء نشر تقرير "خاشقجي" ليمثل حلقة جديدة في سلسلة تبدو متوالية لضغط الإدارة الأمريكية الجديدة على السعودية.. فهل تصل إلى تحويل مسار السعودية باتجاه الصين وروسيا؟ أم تكتفي الولايات المتحدة بحدود الضغط الدنيا؟ الأيام المقبلة تحمل مؤشرات الإجابة.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

أمريكا السعودية تقرير خاشقجي سياسة خاشقجي العلاقات السعودية الأمريكية

هل يدفع بايدن السعودية إلى التقارب مع روسيا؟

هكذا تسعى روسيا لاستغلال الخطوات الأولى لإدارة بايدن في الشرق الأوسط

واشنطن بوست: لنوقف هذه التمثيلية.. السعودية شريك وليست حليفا لأمريكا

بن سلمان ولافروف يبحثان المستجدات الإقليمية في الرياض

قبل زيارته لإيران.. وزير خارجية الصين يلتقي بن سلمان في الرياض

كيف رد وزير خارجية السعودية على سؤال بشأن تجنب أمريكا معاقبة بن سلمان؟