دبلوماسية نيوم السعودية.. استثمار في القوة الناعمة

الجمعة 5 مارس 2021 10:15 م

في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عقد وزير الخارجية الأمريكي السابق "مايك بومبيو" وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" اجتماعا في "نيوم"؛ المدينة المستقبلية المخطط لها في منطقة تبوك. وتعد "نيوم"، وهي اختصار لتعبير "المستقبل الجديد"، مدينة ضخمة مستقبلية باستثمارات تبلغ 500 مليار دولار، ومن المخطط أن تمتد على مساحة 10 آلاف و230 ميلا مربعا في منطقة شمال غرب المملكة متاخمة لخليج العقبة. ويشير مكان الاجتماع مع "بومبيو" إلى أهمية "نيوم" الاستراتيجية في سياسة "بن سلمان" الخارجية. فالاجتماع هو جزء من "دبلوماسية نيوم" السعودية الجديدة، وهو واحد فقط من العديد من الاجتماعات المماثلة التي من المرجح أن تتتابع في المستقبل.

أعلن "بن سلمان" عن خطة إقامة مدينة "نيوم" الضخمة في أكتوبر/تشرين الأول 2017، بعد 4 أشهر فقط من تعيينه المثير للجدل وليا لعهد المملكة. لم يؤد هذا التعيين إلى خلق معارضة داخل العائلة المالكة فحسب، بل أجبر "بن سلمان"، أيضا، على السعي لإقناع مواطني المملكة، وبخاصة فئة الشباب التي تعاني من نسبة بطالة مرتفعة، بحقة المزعوم في العرش. فـ"نيوم"، كمشروع ضخم لـ"بن سلمان"، تعتبر بمثابة أداة رئيسية له لتوطيد سلطته في المملكة، وتعزيز أمن النظام. في السنوات الأخيرة، استخدم "بن سلمان" بشكل متزايد "نيوم" كعنصر أساسي في جهوده الدبلوماسية. ومن المخطط أن يكون للمدينة منطقة اقتصادية مستقلة ذات نظام قانوني وضريبي خاص بها. وتهدف الحكومة السعودية إلى تنويع الاقتصاد من خلال الترويج لمجالات اقتصادية جديدة تركز على التكنولوجيا الفائقة. وتتمتع المدينة بموقع جغرافي قريب من الأسواق الدولية، وسيتم تشغيلها بنسبة 100% بطاقة نظيفة مولدة من الرياح والشمس. علاوة على ذلك، يُظهر إطلاق مشروع "ذا لاين" في "نيوم"، وهو خط مواصلات بطول 170 كيلومترا، أن المدينة المستقبيلة ستمتلك قطارا تحت الأرض ونظاما لمرور سيارات يداران بتقنية الذكاء الاصطناعي.

وما يجعل "نيوم" فريدة من نوعها مقارنة بالمشاريع العملاقة الأخرى هو دورها في السياسة الخارجية السعودية كأداة للقوة الناعمة. إذ توسع "نيوم" فرص السياسة الخارجية للمملكة. ففي أول زيارة رسمية يجريها عاهل سعودي إلى روسيا في أكتوبر/تشرين الأول 2017، والتي استمرت 3 أيام، أعلن "صندوق الاستثمار الروسي" (RFPI) أنه سيستثمر عدة مليارات من الدولارات في "نيوم"، ويشارك في تسهيل عمل شركات التكنولوجيا الفائقة الروسية في المدينة السعودية المستقبلية. ونظرا للأفكار المستقبلية والنيوليبرالية في جوهر "نيوم"، تؤكد المملكة أيضا على أن تلك المدينة ستكون مكانا للتعاون والاستثمار بين الولايات المتحدة والسعودية. فـ"بن سلمان" يعتبر مشروع نيوم بمثابة واجهة لجذب الشركاء الدبلوماسيين إلى المملكة.

على سبيل المثال، قامت المملكة بعرض مشروعها العملاق على القوى الاقتصادية الرائدة خلال استضافتها قمة مجموعة العشرين عام 2020 من خلال تنظيم زيارات لقادة الدول إلى "نيوم". وأثناء مؤتمر مجموعة العشرين، صرح رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" بأنه يود زيارة "نيوم"، واصفا تلك المدينة بأنها تمثل "مستقبلا أكثر اخضرارا للجميع" (باعتبارها مدينة صديقة للبيئة). ويوفر مكان "نيوم" موقعا أفضل مناخيا وجغرافيا للشركات العالمية مقارنة بصيف دبي شديد الرطوبة. وتحاول المملكة الترويج لصورة "نيوم" المستقبلية والسياحية كمنافس محتمل لدبي. وتُظهر إعلانات "نيوم" في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، والقنوات التليفزيونية الأوروبية، وكذلك عبر ألعاب الفيديو جيم، الأهمية التي توليها المملكة لاستراتيجية العلاقات العامة. وتمثل زيارة "بومبيو" الأخيرة مثالا على حالة "نيوم" الفريدة كمشروع ضخم.

العلاقات مع إسرائيل

وتعد العلاقات مع إسرائيل ضرورية للمملكة لاستكمال مشروع "نيوم". لذلك فإن اتفاقيات التطبيع بين الإمارات والبحرين والسودان وإسرائيل تخدم المصلحة السعودية. ففي يونيو/حزيران 2017، سلمت مصر السعودية جزيرتي "صنافير" و"تيران"، الواقعتين قبالة سواحل المملكة وشبه جزيرة سيناء. وسلمت مصر الجزيرتين للمملكة على افتراض أن اقتصادها سيستفيد من "نيوم". وفي الواقع، لدى المملكة خطط لبناء جسر يعبر مضيق تيران ويربط مصر بـ"نيوم". ومع ذلك، فإن بناء هذا الجسر يتطلب مفاوضات مع إسرائيل. وتتضمن معاهدة السلام لعام 1979 بين مصر وإسرائيل ضمان مرور السفن الإسرائيلية مجانا عبر مضيق تيران؛ وبالتالي يعتمد المشروع على موافقة إسرائيل.

ولا يمكن أن تزدهر "نيوم" إذا لم يتم عقد صفقة مع إسرائيل، رغم أنه وفقا لاستطلاع رأي أجراه "معهد الدوحة"، فإن ما يصل إلى 90% من السكان العرب لا يزالون يعارضون الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل. ولا تحتاج المملكة إلى مواصلة استراتيجيتها للعلاقات العامة الدولية فحسب، بل تحتاج أيضا إلى حلفاء آخرين من العالم العربي لتوفير أرضية للاعتراف العربي الإسرائيلي المتبادل. لكن تظل مسألة ما إذا كنا سنشهد زيادة في الاعتراف العربي بإسرائيل أم لا أمرا معلقا.

العلاقات مع الإمارات

قد تؤثر "نيوم" سلبا على العلاقات بين السعودية والإمارات. فالعلاقة بين البلدين ليست دائما ودية. في عام 2003، على سبيل المثال، نشب نزاع بين الرياض وأبوظبي على حقول نفط الشيبة (الذي تبلغ إنتاجيتها 500 ألف برميل يوميا). علاوة على ذلك، أظهرت الحرب في اليمن انقسامات في مصالح البلدين بهذا البلد العربي. وفي المستقبل، يمكن أن تقود "نيوم" كلا البلدين الخليجيين إلى منافسة مستقبلية على السوق. فنظرا لأن كلا البلدين لديهم مشاريع مماثلة لتنويع الاقتصاد، فيمكن أن تحصل مواجهة بينهما على حصص المنطقة من الأسواق الدولية.

وبالفعل، تعاني المشاريع السعودية الكبرى مثل "مركز الملك عبدالله المالي" و"مدينة الملك عبد الله الاقتصادية" من المنافسة مع الإمارات المجاورة. وتستطيع للشركات الدولية أن تعد الموظفين الأجانب بنمط حياة غربي في دبي، وهو ما لا تستطيع فعله في المملكة. وهذا عامل مهم للشركات الدولية، التي تبحث عن تمثيل إقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد كافح "مركز الملك عبدالله المالي" و"مدينة الملك عبد الله الاقتصادية"، اللذين يديران مشاريع بمليارات الدولارات، لجلب الشركات الدولية للعمل معهما. حتى أن الحكومة السعودية تخطط لتحويل "مركز الملك عبدالله المالي" إلى منطقة اقتصادية خاصة لجذب الشركات العالمية. وقال وزير الاستثمار "خالد الفالح" في أكتوبر/تشرين الأول 2020 ، إنه سيتم إطلاق مناطق اقتصادية خاصة في عام 2021.

لا يمكن للمملكة أن تدع نيوم تقع في نفس مصير باقي مناطق المملكة، التي تعاني من نمو سكاني مرتفع وارتفاع معدلات البطالة. ستحاول السعودية اقتناص الشركات الدولية من دبي من خلال عقد اتفاقيات ضريبية خاصة معها وتقديم حوافز أخرى لاقناعها بالانتقال إلى نيوم. ونظرا لأن كلا من الإمارات والسعودية يعملان على تقليل اعتماد اقتصاداتهما على النفط، فإنهما يخاطران بالمنافسة مع بعضهما البعض على جلب الشركات والاستثمارات الدولية.

ويبقى ما إذا كان الإماراتيون على استعداد لمشاركة هيمنتهم على مركز الأعمال بالمنطقة أم لا مفتوحا على كل الاحتمالات. ويبقى أن نرى كيف ستعمل أغنى دولتين في الخليج على تسوية نزاع مستقبلي. ستحتاج المملكة إلى التفاوض مع إسرائيل والإمارات من أجل مستقبل "نيوم".

إن سياسة "بن سلمان" الخارجية ترتبط ارتباطا وثيقا برؤيته الاقتصادية والاجتماعية. وتُعد "نيوم" بمثابة واجهة عرض للمشاريع العملاقة المختلفة في المملكة وكعكة لجهودها الدبلوماسية. وتهدف للمملكة إلى تحسين الصورة العامة له، وتعزيز فرصها التجارية من خلال "نيوم". ومن المرجح أن يؤدي موقع "بن سلمان" بصفته الوريث المرتقب لعرش المملكة، إلى زيادة استخدامات "دبلوماسية نيوم".

المصدر | مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي | علي دوجان - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية محمد بن سلمان نيوم دبلوماسية نيوم القوة الناعمة

«بلومبيرغ»: مشروع «نيوم» يتطلب التعاون بين السعودية و(إسرائيل)

لتنويع مواردها.. خطة سعودية لاستثمار 7 تريليونات دولار

صندوق الاستثمارات العامة.. رهان محمد بن سلمان المحفوف بالمخاطر