استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

حق العمل وهوية الخليج العربي

الخميس 11 مارس 2021 08:00 ص

حق العمل وهوية الخليج العربي

حقبة ثروات البترول تقترب من نهايتها ومستقبل الطاقة إنتاجا واستعمالا نحو تغيرات هائلة لا يستطيع أحد التنبؤ بها بعد!

ستكون كارثة قومية لعرب الخليج ولأمة العرب لو سببت تلك الثروة الهائلة ضياع جزء من الوطن العربي أو تشوهه ثقافيا ولغويا وروحيا.

الأوطان تاريخ وثقافة وهوية وآمال ومشاعر وعقائد روحية والتزامات جمعية تتفاعل لتكون لبنة أساسية تميز الأمم والأوطان عن بعضها.

*     *     *

لا يحق لأي دولة من دول اليسر البترولي في الخليج العربي، أن تعلل أو تبرر وجود بطالة بين قواها العاملة الوطنية، وعلى الأخص شبابها. فإذا كانت نسبة العمالة الأجنبية في الكويت تصل إلى 60% والبحرين 50% والسعودية 40% وعمان 30% ، وترتفع في قطر إلى 85% وفي الإمارات إلى 95%، فإن ذلك يعني أن إمكانيات إحلال القوى العاملة الوطنية محل العمالة الآتية من الخارج هي كبيرة للغاية.

أما مبررات الوزارات المعنية، المكررة طيلة العقود الماضية، بعدم وجود إيادٍ وطنية مدربة، أو راغبة في العمل، وبالتالي اتهامها بالكسل وغيره من التهم المتخيلة، أو التعلل مؤخرا بالآثار السلبية لجائحة كورونا على أسواق العمل، أو إقحام الخلافات السياسية والمذهبية في موضوع حق العمل والوظيفة، فلا يمكن قبولها منطقيا ولا أخلاقيا.

ذلك أن إعداد عمالة مدربة وكفوءة هي من مهمات الأجهزة الحكومية المسؤولة عن التعليم الأساسي والعالي، وعن خلق مؤسسات تدريب متخصصة، وعن وجود دورات تدريبية ومنشطة، وعن وجود وزارات عمل مسؤولة عن عمليات التوظيف الوطني بكل مستوياتها وأنواعها التنظيمية والقانونية.

وما لا يمكن تحقيقة ذاتيا في الداخل يمكن تحقيقه في الخارج، أو من قبل قوى تدريبية خارجية. ولا تستطيع تلك الحكومات التعلل بارتفاع كلفة تلك العمليات والأنشطة.

ذلك أن فوائض الثروات البترولية كافية وأكثر، للقيام بتلك الخدمات، بدلا من استثمارها في أسواق وسندات ومضاربات الخارج، أو حرق قسم كبير منها في شراء وتكديس الأسلحة، أو في استعمالها لدعم جماعات العنف والانتهازية السياسية، والعلاقات العامة الفاشلة.

وتستطيع تلك الحكومات أن ترجع إلى أدبيات المحاولات التدريبية والإحلالية الناجحة، التي قامت بها جهات حكومية، أو جهات قطاع خاص في بعض بلدان مجلس التعاون، لتقتنع بأنه حيث تتوفر الإرادة السياسية والمشاعر والالتزامات الوطنية المراعية لمصالح الشعوب والأوطان، فإن محاولات إعداد الشباب والشابات لأي عمل أو مهام وظيفية ستلاقي ترحيبا حارا وحماسا هائلا من قبل أولئك الشبان والشابات.

هذا عن حقوق المواطنين في العمل والدخل المعقول والمعيشة التي لا تمس ولا تخدش كرامتهم الإنسانية. لكن هناك الجانب الثقافي والمحافظة على هويات المجتمعات العروبية التي كُتب عنها الكثير، وبالأخص عن الأخطار الكبيرة الكارثية التي ستواجهها هوية الخليج العربي في المستقبل، إن لم تعمل الحكومات على تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية غير العربية، وذلك من خلال توطين العمالة الوطنية المحلية، كما بينا، ومن خلال توطين العمالة العربية الشقيقة في حالة عدم توفر العمالة الوطنية.

وقد بيّن الكثير من الكتّاب، المرة تلو المرة، بأن الأوطان ليست فقط مكان عمل ونشاط اقتصادي، وبالتالي فلا يحق لأحد أن يديرها كشركات تحكمها عقلية الأرباح والخسائر المادية، ومنافسات التسوق والاستهلاك النهم وعبثيات التفاخر.

إن الأوطان تاريخ وثقافات وهويات وآمال ومشاعر وعقائد روحية والتزامات جمعية، تتفاعل في ما بينها لتكون اللبنة الأساسية التي تميز الأمم والأوطان عن بعضها بعضا.

وهي في صلب تنشئة الأجيال عبر القرون، ولذلك لا يحق لأي جهة حكومية، أو قطاع خاص أن تمس أو تتلاعب بهذا الجانب من حياة شعوبها، سواء في حقول العمالة أو التركيبة السكانية أو التعامل مع الخارج.

ما يجب أن تعيه أنظمة الحكم في هذه الدول هو أن حقبة ثروات التفط تقترب من نهايتها، وأن مستقبل الطاقة، إنتاجا واستعمالا، في طريق تغيرات هائلة لا يستطيع أحد التنبؤ بها بعد.

وستكون كارثة قومية لعرب الخليج ولأمة العرب لو أن تلك الثروة الهائلة كانت سببا في ضياع جزء من الوطن العربي، أو في تشوهه الثقافي واللغوي والروحي، بدلا من أن تكون فرصة تاريخية للخروج من حالات الضعف والتخلف والعبث.

* د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر بحريني

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

الطاقة، العمالة الوطنية، حق العمل، دول الخليج، العرب، هوية، الخليج العربي، البترول،