من يمول التدخل العسكري الروسي في سوريا؟

السبت 17 أكتوبر 2015 07:10 ص

من يمول التدخل العسكري الروسي في سوريا؟ وماذا عن الاقتصاد الروسي الرازح تحت العقوبات الأمريكية والأوروبية على خلفية احتلال شبه جزيرة القرم؟

وهل من مصلحة حقيقية لروسيا في توتير علاقاتها السياسية مع تركيا؟ والبلدان في تعاون اقتصادي كبير يتجاوز الشراكة التجارية إلى مشاريع استراتيجية في الغاز والطاقة.

من غير الواقعي افتراض أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرر تمويل هذه الترسانة الجوية والبحرية والبرية من خبراء ومستشارين وضباط من الاحتياط النقدي المستنزف. وجلّه للدفاع عن سعر صرف الروبل الذي تراجع بنحو 50%.

ولا يبدو أن المضاربين في سوق القطع سيكتفون بذلك. ولهم من تورط بوتين في سوريا أرضية قوية للمضاربات، مدعومة بتقديرات حكومية بتراجع النمو في 2015 بنحو 4%. والتقديرات قبل تحريك القوات الروسية إلى سوريا. ومبنية على نطاق 50 دولاراً أمريكياً إلى 55 لسعر النفط معدلاً وسطاً.

في سبتمبر/أيلول 2015 بلغ حجم الاحتياط النقدي نحو 370 مليار دولار أمريكي بتراجع نحو 150 ملياراً منذ نهاية 2014.

ويدخل في الاحتياط النقدي الروسي نحو 170 مليار دولار أمريكي من صندوق الثروة السيادية وصندوق الاحتياط العام. والاحتياط المذكور هو الأدنى منذ 8 سنوات.

وقد أرغمت الحكومة في 2014 على تعويم سعر صرف الروبل، الذي جاء مصحوباً برفع معدل الفوائد إلى 17% في محاولة عبثية للدفاع عن عملة معتلّة اقتصادياً ومطوقة بضغوط من جيرانها وشركائها الاقتصاديين. إضافة إلى نزول سريع لأسعار النفط والغاز مصدر زهاء 75% من العملات الأجنبية.

الافتراض الثاني من تقارير دبلوماسية غربية ومعلومات عن حصة وازنة من تمويل الحرب في سوريا من إيران. والأخيرة الشريك الاستراتيجي في تلك الحرب تنتظر الإفراج عن عشرات المليارات قبل نهاية 2015، بعد أيام من وضع الاتفاق النووي موضع التنفيذ. ومن قائل إن إيران التي تعاني اقتصادياً ومالياً أكثر من روسيا قد حولت إلى موسكو دفعة تليها أُخر.

الافتراض الثالث، وهو السيناريو الأسوأ، أن رجل «كي.جي.بي» السابق الذي يمسك قيادة الكرملين بالقبضة الحديدية، لا يقيم وزناً لتكلفة الحرب السورية التي تعتمد في النهاية على نوعية التدخل الروسي وحجمه ومدته، بمقدار ما يعتبرها - كما يردد مراقبون كثر - في صلب المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية الاستراتيجية لروسيا.

تعيدنا هذه الفرضية إلى نحو عام حين صرح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ميخائيل بوبوف بأن «روسيا ستدخل» تعديلا على العقيدة العسكرية الروسية في نهاية السنة (2014)، تأخذ في الاعتبار ظهور تهديدات جديدة، وذكر الوضع في أوكرانيا، سوريا ودول «الربيع العربي».

وأبلغ وكالة «ريا نوفوستي» مما لا شك فيه «أن اقتراب البنى التحتية العسكرية لدول الحلف الأطلسي من حدود بلادنا، بما في ذلك عبر توسيع الكتلة (يقصد دول البلطيق وبلغاريا ورومانيا)، يشكل تهديداً لنا». وتنقل وسائل إعلام أن روسيا بدأت فعلاً بتشييد قاعدة جديدة في حميميم على الساحل السوري بتكلفة نحو 8 مليارات دولار أمريكي.

في هذا السيناريو يراهن بوتين بطبيعة الحال على تعويض تكلفة تدخله في سوريا بإعادة إعمارها، وبعقود بالأفضلية في قطاعي النفط والغاز استكشافاً واستخراجاً وتسويقاً. وبسداد ديون سورية في حدود 20 مليار دولار أمريكي كانت موسكو أسقطت منها نحو 12 ملياراً عند بدء الثورة السورية على النظام في 2011.

من هنا نفهم إعلان بوتين الصريح بأنه سيدافع عن الأسد. لأن أي رهان آخر على أطراف أخرى من المعارضة السورية المعتدلة، لن يضمن له أي امتيازات اقتصادية وعسكرية وسياسية.

الموقف غير الودي من تركيا هو مثار العجب. وربما يرجح فرضية السيناريو الأسوأ المذكور. العلاقات الاقتصادية بين روسيا وتركيا أقوى بكثير مما هي مع سوريا ولا مجال للمقارنة بينهما. تركيا الشريك التجاري الثاني لروسيا في الإقليم. الأول لشركة غاز بروم بعد ألمانيا. 21 مليار دولار أمريكي حجم التجارة بين البلدين. تركيا كانت الكوة التي تسربت منها السلع الأوروبية المحظور تصديرها إلى روسيا.

المفاجأة الكبرى كانت في أواخر 2014، حين زار بوتين أنقرة وأعلن أن تركيا ستكون معبر خط الغاز الاستراتيجي «ساوز ستريم» إلى أوروبا. وكان مقرراً أن يعبر الخط من بلغاريا.

وأن ينتهي العمل فيه في 2020، قبل التحفظ الأوروبي بعد احتلال القرم حيال رهن استجرار الغاز لدول الاتحاد بموسكو. وتم توقيع اتفاقات تجارية بنحو 100 مليار دولار أمريكي. والشركة الروسية «روس أتوم» تشيد لتركيا في مدينة أكويو على المتوسط المفاعل النووي الأول لتركيا. إضافة إلى الاستثمارات المشتركة، ونحو 5 ملايين سائح روسي سنوياً إلى تركيا.

والأخيرة دولة وازنة في الخاصرة الروسية، وعلى علاقة قوية مع الأقليات الإسلامية والإثنيات التركمانية وبعض غيرها من دول الاتحاد الروسي.

يقودنا كل ذلك إلى الاحتمال الأكثر واقعية المتداول، ومفاده أن الموقف الروسي إما منسق مع الولايات المتحدة للدفع بالمفاوضات السياسية. وإما لتحسين موقع الأسد الذي فقد نحو 75% من «سوريا». لذلك بدأت ترسانة بوتين باستهداف المعارضة المعتدلة في جسر الشغور ومحردة وحماه الطرف الآخر في المفاوضات المحتملة.

 

* عصام الجردي محلل اقتصادي لبناني

  كلمات مفتاحية

بوتين سوريا التدخل العسكري الروسي الاقتصاد الروسي العقوبات الغربية القرم روسيا تركيا

المياه «سلاح حرب» في مدينة حلب السورية المقسمة

الأهداف الاستراتيجية للتدخل الروسي في سوريا

«فورين بوليسي»: أسلحة روسيا الذكية تظهر فقط في وسائل الإعلام

الحرب الروسية في سوريا: الخيارات السياسية واستراتيجيات الخروج «1-2»