10 سنوات من الصراع.. دول الخليج ورحلة البحث عن مسار جديد في سوريا

الأحد 21 مارس 2021 04:24 ص

تحولت سوريا على مدار أعوام من لاعب إقليمي إلى ساحة معركة جديدة للقوى الإقليمية والعالمية، وقد تكبدت بعض دول الخليج خسائر كبيرة في ساحة هذه المعركة.

وفي نفس الوقت، يبدو أن خصوم ومنافسي مجلس التعاون الخليجي الإقليميين، ولا سيما إيران وتركيا، قد حصدوا حتى الآن فوائد الصراع.

ومع حالة الانقسام الملحوظ، اتبعت بعض دول المجلس سياسات كارثية، وأحيانا متباينة، تتراوح بين المشاركة الجزئية إلى فك الارتباط الكامل، ما أدى إلى أن تصبح دول مجلس التعاون الخليجي في الغالب غير ذات صلة بحل الصراع. وقد أدى غيابها عن سوريا في الأعوام الأخيرة إلى تقليص نفوذها أكثر فأكثر.

وبالرغم من هذه النكسات، لم يفت الأوان بعد لتعكس بعض الدول الخليجية جزءا من خسائرها، وتساهم في تشكيل مخرجات الصراع في سوريا. ومع ذلك، تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى اتباع نهج جديد، ويقع على عاتقها واجب أخلاقي واستراتيجي للقيام بذلك.

  • تاريخ مضطرب

لم تكن العلاقة بين سوريا ودول مجلس التعاون الخليجي جيدة طوال الوقت. وبالرغم أن الجانبين لديهما تاريخ ولغة مشتركة، إلا أنه بعد الحرب العالمية الثانية، نادرا ما كانت هناك فترة ممتدة من العلاقات الحميمة، حيث اختلفت سوريا ودول مجلس التعاون الخليجي في نظرتها الإقليمية، وطبيعة أنظمتها السياسية، وتحالفاتها الدولية.

ولم يكن العقد الأول من القرن الـ 21 استثناء من هذه القاعدة، حيث تنازع الجانبان حول مسائل إقليمية مختلفة وتآمر كل منهما على الآخر.

وتعاونت بعض دول مجلس التعاون الخليجي مع الدول الغربية لتأمين الانسحاب السوري من لبنان عام 2005، وأطلق الرئيس السوري على قادة دول مجلس التعاون الخليجي لقب "أنصاف الرجال" عام 2006.

وبالرغم من تاريخهما الصعب، ففي بداية الانتفاضة السورية، كانت دول مجلس التعاون الخليجي مترددة في السماح بسقوط نظام "بشار الأسد".

وتواصلت دول مجلس التعاون الخليجي مع النظام السوري لتقديم المساعدة، وورد أن العاهل السعودي الراحل "عبد الله" أرسل ابنه ومبعوثه الشخصي إلى سوريا، متعهدا باستثمارات جديدة. كما عرض القطريون مساعدتهم السياسية والمالية.

ومع ذلك، مع عدم التفات النظام للمبادرات الإقليمية، والتباطؤ في وعود الإصلاح، واستخدام القوة العسكرية ضد الاحتجاجات السلمية حتى ذلك الوقت، الأمر الذي تسبب في مقتل المئات، غيرت قطر والسعودية موقفهما ودعمتا المعارضة.

وكذلك قاد مجلس التعاون الخليجي المهمة في عزل سوريا من خلال الترتيب لتعليق عضويتها في جامعة الدول العربية.

واختلفت الدوافع الاستراتيجية وراء قرارات كل دولة. ومع ذلك، كانت الخلافات مع النظام غير قابلة للتسوية في نهاية المطاف، وكان طلاقهما نهائيا. ووقفت الإمارات والبحرين إلى جانب الدول المقاطعة، بينما حافظت الكويت وعُمان على علاقات ودية مع نظام "الأسد".

ولا تزال الخلافات حول سوريا قائمة بين أولئك الذين ما زالوا متمسكين بموقفهم المبدئي، وخاصة قطر، وأولئك الذين يسعون إلى إعادة الارتباط، مثل الإمارات. وتبدو دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى غير متأكدة من كيفية المضي قدما.

  • سوريا بعد عقد من الزمن

وفي الذكرى العاشرة للانتفاضة السورية، التي سرعان ما تحولت إلى مزيج من الحرب الأهلية والحروب بالوكالة، لا توجد أي أسباب للاحتفال.

فقد لقي أكثر من نصف مليون شخص مصرعهم في النزاع، ونزح نصف سكان سوريا داخليا أو خارجيا.

وتنقسم البلاد حاليا إلى 3 مناطق سيطرة مختلفة، مع وجود جيوش أجنبية لدعم مختلف سلطات الأمر الواقع.

وتشير التقديرات إلى أن الصراع كلف جميع الأطراف ما مجموعه 530 مليار دولار، في حين أن 13.4 مليون سوري في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، بينما يعاني 12.4 مليونا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهناك 2.45 مليون طفل سوري خارج المدرسة، ويعاني الآلاف منهم من أمراض يمكن الوقاية منها بسهولة مثل التقزم وسوء التغذية.

وفي الآونة الأخيرة، وصلت الليرة السورية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، حيث تم تداولها عند نحو 4700 ليرة لكل دولار، وهو الانهيار الذي دفع المزيد من الناس إلى الفقر وزاد سعر الاحتياجات الأساسية بحيث لا يمكن لمئات الآلاف من الأسر الوصول إليها.

وتفاقمت المشاكل الاقتصادية التي تعيشها سوريا، (التي ترجع جزئيا إلى الفساد وسوء الإدارة وفرض العقوبات)، بسبب تفشي وباء "كوفيد-19" المتزامن مع انهيار القطاع المصرفي في لبنان المجاور، حيث اختفى 20 إلى 42 مليار دولار بين عشية وضحاها. وقد كان لهذه الأحداث تداعيات اقتصادية مؤلمة.

وتشير أصابع المسؤولية بشكل مباشر إلى النظام السوري الذي أساء استغلال فرصة كبيرة للإصلاح ولحظة اعتزاز وطني في زمن الاضطرابات الإقليمية التي ربما كانت قادرة على تحسن من مكانة البلاد.

وبالرغم أن نظام "الأسد" هو الجاني الرئيسي إلى حد بعيد، إلا أنه من المستحيل التنصل من مسؤولية الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، أو إعفائها من عواقب سياساتها. وينطبق هذا أيضا على دول مجلس التعاون الخليجي.

  • خارطة طريق جديدة

واستجابة لاحتياجات سوريا الملحة، وبسبب الواقع السياسي المتغير على الأرض، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي اتخاذ مسار جديد.

ويجب أن تكون سياسات دول الخليج مدفوعة بالواقعية والاعتبارات الإنسانية والمصالح الإقليمية، أي تقليل تأثير الجهات الفاعلة الأخرى داخل سوريا، وضمان الاستقرار، وكبح العوامل الخارجية السلبية مثل الاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة.

ولدى دول مجلس التعاون الخليجي مصلحة جيوسياسية واضحة في هذا المسعى، فببساطة ليس من مصلحتها التخلي عن سوريا لصالح روسيا وإيران وتركيا، ويجب على دول الخليج العمل على إعادة بناء مصداقيتها هناك، وصياغة سياسة مستقلة تجاه سوريا عن تلك التي تنتهجها الولايات المتحدة بما يضمن مصالحها ومصالح المدنيين السوريين.

وبسبب افتقارها إلى سياسة واضحة في البلاد، أظهرت الولايات المتحدة بشكل متكرر تجاهلها للمصالح الإقليمية لدول مجلس التعاون الخليجي. وتحتاج دول الخليج إلى رسم خطة لدعم الاقتصاد السوري ومنع انهيار الدولة السورية وتخفيف معاناة المدنيين. ويمكن إنشاء آلية خاصة تستفيد من دعم سياسي رفيع المستوى لتحقيق هذا الهدف.

هناك حاجة إلى عمل سريع، لكن يجب أن تحكمه المبادئ والآليات الإنسانية التي تضمن عدم الاستيلاء على المساعدات من قبل المقربين من النظام.

ويجب أن تفيد المساعدات السوريين في كافة أرجاء البلاد وأن تركز على احتياجات المدنيين. ويجب أن تركز عمليات إعادة الإعمار على المناطق التي عانت من درجات قاسية من الدمار، ما يسمح للناس بالعودة وتخفيف الضغط الذي فرضه وجود اللاجئين السوريين على دول المنطقة.

ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تسعى للحصول على دعم روسي لضمان وصول هذه المساعدات إلى الأماكن الصحيحة، وليس إلى جيوب نخب النظام وميليشياته.

ويجب على دول مجلس التعاون الخليجي تكثيف مشاركتها مع روسيا لدفع النظام السوري نحو حلول وسط وأهداف مقبولة. ومن المحتمل ألا تتناول هذه التسويات القضايا الحساسة مثل الانتقال السياسي في المستقبل، ولكنها تركز بدلا من ذلك على مجالات المشاركة السياسية، ودرجة محدودة من تقاسم السلطة، وإطلاق سراح المعتقلين، وعودة اللاجئين، وحماية حقوق النازحين.

وأخيرا، لا مفر من التعامل المتحفظ مع نظام "الأسد"، ويجب ألا تظل المحادثات الأخيرة حول إعادة عضوية سوريا في جامعة الدول العربية موضوعا للمؤتمرات الصحفية.

ومع ذلك، فإن أي انفراج خليجي سوري يجب أن يكون استراتيجيا لدعم الأهداف المذكورة أعلاه والتي تهدف إلى تأمين مصالح دول الخليج ودورها في سوريا ما بعد الحرب ومساعدة المدنيين السوريين.

وبدون شك فإن نظام "الأسد" هو لاعب خبيث، ومن المفهوم وجود إحجام في التعامل معه.

لكن 10 أعوام من الحرب كافية، والسوريون يستحقون ما هو أفضل.

ومن خلال مساعدة السوريين العاديين، حتى على حساب خسارة مكانة أخلاقية معينة بالتعامل مع نظام "الأسد"، ستسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية، كما ستفعل الكثير للتخفيف من معاناة الشعب السوري.

وعلى المدى الطويل، ستتجاوز فوائد هذه المشاركة، الأخلاقية والاستراتيجية، التكاليف بكثير.

المصدر | محمد كنفاش/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مجلس التعاون الخليجي العلاقات الخليجية السورية حكومة الأسد إعادة الإعمار الحروب بالوكالة الانتفاضة السورية نظام الأسد

أجندة المصالح.. هكذا تغيرت مقاربات دول الخليج تجاه النظام السوري

إعادة الارتباط الخليجي مع النظام السوري.. الدوافع والعوائق