10 سنوات على تدخل الناتو في ليبيا.. تحديات هائلة وتفاؤل حذر

الجمعة 26 مارس 2021 07:24 ص

بدأ تحالف من أعضاء وشركاء "الناتو" في تطبيق حظر على الأسلحة وفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا منذ نحو 10 سنوات، وذلك استجابة لقراري مجلس الأمن رقم 1970 في فبراير/شباط 2011 ورقم 1973 في مارس/آذار 2011، بعد "قلق شديد" من قمع حركة احتجاجية سلمية نشأت في بنغازي.

وقد دعا القرار 1970 إلى تطبيق حظر على الأسلحة فضلا عن حظر سفر وتجميد أصول بحق أفراد عائلة الزعيم الليبي "معمر القذافي" ومسؤولين حكوميين آخرين. وأنشأ القرار 1973 منطقة حظر طيران وأذن للدول الأعضاء "باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين والمناطق المأهولة بالسكان المعرضين للخطر". وهكذا بدأ ما يعتبر قرارًا مثيرًا للجدل للغاية من قبل المجتمع الدولي لصالح التدخل العسكري في الانتفاضة الشعبية الليبية عام 2011، خلال فترة الربيع العربي.

ولا تزال تداعيات هذا التدخل محل نقاش، حيث تميزت السنوات العشر الأخيرة في ليبيا بالنزاع المسلح، والهجمات المنهجية على المدنيين، والأزمات السياسية والاقتصادية.

لكن بعد مرور 10 سنوات، لا يزال هناك مجال للأمل، فقد توقف القتال تقريبا في أكتوبر/تشرين الأول 2020 عندما تم الاتفاق على وقف إطلاق النار من قبل مختلف الفصائل المسلحة، وبدأت عملية سياسية بإشراف الأمم المتحدة من خلال منتدى الحوار السياسي الليبي، وقد أدت إلى تصويت لدعم حكومة وحدة وطنية جديدة، تتألف من حكومة رئيس الوزراء "عبدالحميد الدبيبة" ومجلس رئاسي من 3 أعضاء بقيادة "محمد المنفي".

وقد حصلت هذه الحكومة على ثقة البرلمان الليبي المنقسم، والذي اجتمع في وقت سابق من شهر مارس/آذار في مدينة سرت على خط المواجهة. وحلت حكومة الوحدة محل الحكومات المتنافسة في شرق وغرب البلاد، ويظهر نجاحها حتى الآن تحولًا مؤسسيًا ملحوظًا نحو توحيد المؤسسات المتباينة في البلاد. وقد تم تكليف هذه الحكومة الجديدة بتنظيم الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول، وقوبلت بترحيب واسع من المجتمع الدولي. وقد سافر الرئيس التونسي المجاور، "قيس سعيد"، بالفعل إلى ليبيا في أول زيارة رسمية تتضمن محادثات مع الحكومة الجديدة، وأصدرت قوى كبرى مثل الولايات المتحدة بيانات دعم قوية.

وفي منتصف مارس/آذار الجاري، أصدر فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة تقريره المكون من 548 صفحة عن ليبيا، والذي يوضح بالتفصيل مجموعة التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة والتي من بينها استمرار الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان ضد المدنيين، وخاصة المهاجرين وطالبي اللجوء، ووجود الجماعات الإرهابية على الأراضي الليبية، واستمرار وجود القوات الأجنبية في البلاد.

وربما تكون المشكلة الأكبر التي تواجه حكومة الوحدة الليبية والمجتمع الدولي في هذه المرحلة متعلقة بقرار حظر الأسلحة، والذي لا يزال غير فعال تمامًا. ويهدد ذلك اتفاق وقف إطلاق النار الذي حصل في أكتوبر/تشرين الأول 2020، والذي يجب أن يستمر حتى تمضي البلاد قدمًا نحو الانتخابات والحد من العنف وانتهاكات حقوق الإنسان التي أوردها تقرير الأمم المتحدة.

ويُفصِّل جزء كبير من التقرير حجم التدخل الأجنبي في ليبيا وكيف أن المرتزقة الأجانب وواردات الأسلحة تهدد استقرار ليبيا ونجاح انتقالها السياسي. وقد أكد التقرير وجود مجموعات مسلحة تشادية وسودانية تدعم القوات التابعة للجنرال "خليفة حفتر" المدعوم عسكريا من الإمارات ومصر ودول أخرى. كما يشير التقرير إلى المقاتلين السوريين الذين يقاتلون في صف قوات "حفتر" وقوات حكومة الوفاق. وقد تباين عدد المقاتلين السوريين بمرور الوقت، من حوالي 4 آلاف مقاتل بداية في ديسمبر/كانون الأول 2019 إلى 13 ألفا في العام الماضي.

ويؤكد التقرير تورط دول أعضاء في انتهاكات لحظر توريد الأسلحة إلى طرفي الصراع في ليبيا. ويشير إلى أن سيطرة هذه الدول على سلسلة التوريد بأكملها تعقد الكشف أو التعطيل أو الحظر.

وقد حاول مجلس الأمن تطبيق حظر الأسلحة بشكل أفضل من خلال تمرير القرارين 2473 في عام 2019 و 2526 في عام 2020، واللذين سمحا لقوة بتفتيش السفن قبالة السواحل الليبية. ولكن عملية الاتحاد الأوروبي لمراقبة السفن، التي سميت في البداية عملية "صوفيا"، لم يكن لديها أصول بحرية كافية لإجراء عمليات تفتيش مادي في البحر، وبدلاً من ذلك قامت بأدوار التدريب والمراقبة بشكل أساسي. وتم استبدال هذه العملية بمهمة أكبر هي عملية "إيريني"، في أبريل/نيسان 2020، والتي تنتهي ولايتها في نهاية مارس/آذار الجاري. 

وقد  حدد التقرير عددًا كبيرًا من "الجسور الجوية" التي تتيح استمرار الإمداد بالأسلحة والتمويل لدعم العمليات العسكرية. ووفقًا للتقرير، فإن الشركات الرئيسية تعمل بين "(أ) الإمارات وغرب مصر/شرق ليبيا "تدعم قوات حفتر" (ب) روسيا، سوريا، إلى شرق ليبيا  "تدعم قوات حفتر" (ج) تركيا إلى غرب ليبيا "تدعم حكومة الوفاق الوطني".

وكان أحد الشروط الرئيسية في وقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول 2020 هو إخراج جميع المقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية. وتقدر الأمم المتحدة أن أعدادهم لا تزال قريبة من 20 ألفا. وقد أصدرت المنظمة الدولية بيانات متكررة حول الانتهاكات المستمرة لحظر الأسلحة، فضلاً عن إدانات علنية للدول الأعضاء التي تواصل التدخل عسكريًا في الحرب الليبية. وسيوضح الوقت ما إذا كان الضغط على دول مثل الإمارات ومصر وروسيا وتركيا سيؤدي إلى انسحاب المقاتلين الأجانب من ليبيا. وقد أعربت كل هذه الدول عن دعمها لحكومة الوحدة الليبية الجديدة ورغبتها في السلام في ليبيا، لكن بعض هذه الدول فعل ذلك مع الاستمرار في شحن الأسلحة وتمويل المرتزقة الأجانب في البلاد.

أعربت تركيا عن استعدادها لسحب قواتها بمجرد قيام القوى الأخرى بذلك، كما أعلنت الإمارات علنا ​​دعمها لخفض القوات الأجنبية في ليبيا. ولكن الخبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "طارق المجريسي" قال: "تنتشر شائعات بأن تركيا ستسحب المقاتلين السوريين التابعين لها من ليبيا. لن يكلفهم ذلك شيئًا، لأنهم سيحتفظون بحضور رسمي وقانوني بسبب الشراكة الأمنية.. ولكن من غير المرجح أن يحصل موقف مشابه من روسيا أو الإمارات أو مصر، لأنهم على عكس تركيا ليس لديهم حضور رسمي. ومن المحتمل أن تنهار قوات حفتر في اللحظة التي يغادرون فيها".

يوضح هذا الموقف اختلافًا رئيسيًا بين الوجود العسكري التركي في ليبيا، الذي طلبته حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، والقوات الأجنبية الداعمة لقوات "حفتر"، والتي ينظر إليها الكثير من المجتمع الدولي على أنها تدعم الجنرال المنشق الذي حاول الإطاحة بالحكومة الليبية المعترف بها دوليًا.

وقعت تركيا وحكومة الوفاق الوطني اتفاقية الترسيم البحري والتعاون الأمني في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 والتي يبدو أنها مستمرة في ظل الحكومة الجديدة بقيادة رئيس الوزراء "عبد الحميد دبيبة".

ومن المرجح أن ينبع قرار تركيا بالانسحاب، إذا تم اتخاذه، من الميزة النسبية لتركيا مع رئيس الوزراء الجديد، الذي تحتفظ تركيا بعلاقات قوية معه، فضلاً عن رغبة تركيا في تنمية بعض رأس المال السياسي مع الإدارة الأمريكية الجديدة، التي لا تزال تفرض حاليًا عقوبات على أنقرة لشرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400".

ولا يخفى على أحد أن العلاقات التركية -الأمريكية كانت متعثرة، وقد يؤدي تقليص استخدامها للمرتزقة الأجانب في ليبيا إلى قطع شوط طويل في تحسين علاقتها مع الولايات المتحدة وأوروبا.

من المؤكد أنه تم إحراز بعض التقدم في ليبيا بعد أن ساعد وقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول 2020 على وقف القتال الرئيسي. ويكشف النجاح النسبي "لمنتدى الحوار السياسي الليبي" عن مساحة أكبر للتفاؤل الحذر. ومع ذلك، يوضح تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة كيف لا تزال ليبيا معسكرة حتى اليوم، وكذلك مدى فشل المجتمع الدولي في مكافحة التدخل الأجنبي.

ولكي تنجح حكومة الوحدة الليبية الجديدة وتقود البلاد إلى الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول، يجب على المجتمع الدولي أن يلعب دورًا أكبر. ويتعلق ذلك أولاً وقبل كل شيء بتقليص الحرب بالوكالة في ليبيا، وسحب القوات الأجنبية من الأراضي الليبية (أو الضغط على الحلفاء للقيام بذلك)، وفرض حظر الأسلحة، وإصدار عقوبات على الجهات الفاعلة الرئيسية التي تنتهك القانون الدولي.

ويجب على الحكومة الجديدة كذلك أن تشرع في مهام التوصل إلى توافق في الآراء بشأن الميزانية، ومحاولة نزع السلاح أو على الأقل إدارة عدد كبير من الفصائل الليبية المسلحة التي انتشرت منذ عام 2011، وتوحيد المؤسسات المالية الرئيسية مثل البنك المركزي، ومحاربة الفساد وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان.

كشفت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة عن محاولات فاشلة مزعومة لشراء الأصوات نيابة عن "الدبيبة" في عملية الحوار السياسي في ليبيا، فضلاً عن اتهامات بالفساد ضد رئيس الوزراء الجديد، وسيكون من المهم لحكومة الوحدة أن تبدد هذه المخاوف وتلتزم بالشفافية في الفترة التي تسبق الانتخابات

وبالتأكيد، لا يرسم تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة صورة متفائلة، ولكن يبدو أن هناك روحًا من التعاون الأكبر في الشرق الأوسط منذ أن أدى الرئيس "جو بايدن" اليمين في 20 يناير/كانون الثاني في الولايات المتحدة. ويمكن أن يوفر ذلك فرصة سانحة للتعاون متعدد الأطراف وجهود حل النزاع في ليبيا.

ويبقى السؤال هو ما إذا كان الخطاب والدبلوماسية سيؤديان إلى تغييرات ملموسة على الأرض. يقدم تقرير فريق الخبراء خارطة طريق للتغييرات الرئيسية المطلوبة، ولكن كما هو الحال غالبًا مع نصائح الخبراء، يكون التقييم أسهل من التنفيذ.

المصدر | آنا جاكوبس | معهد دول الخليج – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تدخل الناتو في ليبيا حظر الأسلحة ليبيا الحكومة الليبية الجديدة الانتخابات الليبية عبدالحميد دبيبة تقرير الأمم المتحدة ليبيا الناتو حكومة الوحدة الليبية قوات حفتر مرتزقة

مندوب ليبيا الأممي: حققنا انتصارا مهما في قضية الأموال المجمدة