مصر: كوابح الخطر أم كوارث السياسة؟

السبت 27 مارس 2021 06:53 ص

مصر: كوابح الخطر أم كوارث السياسة؟

كأن المصريين الغلابة من ضحايا الحوادث هم المسؤولون عن إدارة البلد وليس الوزير والحكومة والرئيس.

تم اللجوء إلى الأسلوب المعتاد في إلقاء اللوم على المصريين أنفسهم، وهي سياسة لا يكلّ أصحاب السلطة في مصر عن استخدامها.

بعد إيهام العالم والمصريين بأن الأمر سيحلّ عاجلا تبدّت الصورة على حقيقتها وظهر أن السفينة الجانحة ستغلق قناة السويس عدة أسابيع!

*     *     *

تعرّضت مصر في الأيام القليلة الماضية إلى حادثين كبيرين، إضافة إلى عدد من الأحداث الأخرى. آخر هذه الأحداث وأكثرها فجائعية كان اصطدام قطاري ركاب في مدينة طهطا في محافظة سوهاج مما أدى إلى مقتل 32 شخصا وإصابة 108 آخرين.

الحادث الآخر كان جنوح سفينة عملاقة (يبلغ طولها 400 متر) في قناة السويس منذ يوم الثلاثاء الماضي، مما أدى إلى وقف الملاحة في قناة السويس ما يعني خسائر ماليّة كبيرة لمصر وتداعيات عالميّة تبدأ بارتفاع أسعار النفط ولا تنتهي بانقطاع سلاسل توريد صناعات عديدة من آسيا إلى أوروبا، وتزامن هذان الحادثان مع إعلانات عن خسائر كبيرة لشركة مصر للطيران وللبورصة.

سارعت وزارة النقل المصرية إلى إعلان أن الحادثة نتجت عن فتح مجهولين «بلف الخطر» (أي كوابح توقف القطار في حالة الخطر) فيما تعهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس الجمعة، بمحاسبة المتسبب في حادث اصطدام قطاري الصعيد، وقال إنه وجّه بتعويض الضحايا، فيما أمر وزير النقل كامل الوزير بالتحفظ على سائقي قطاري طهطا.

تعاملت السلطات المصرية مع حادثة السفينة الجانحة بطريقة مسيئة لنفسها والعالم، فلم يخرج المسؤول الحكومي الأول، وهو رئيس الوزراء، أو الوزير المختص بالمسألة لشرح أسباب الحادثة والطرق الذي ستتعامل بها الحكومة لحلّها!

وبعد إيهام العالم والمصريين بأن الأمر سيحلّ بشكل عاجل تبدّت الصورة على حقيقتها وظهر أن السفينة ستغلق القناة لعدة أسابيع، وبسبب هذه السياسة المضللة توقفت مئات السفن خلف السفينة الجانحة واستدار بعضها لقطع آلاف الكيلومترات حول رأس الرجاء الصالح، وعلقت 13 سفينة في البحيرات المرة بعد أن طلبت منها سلطات القاهرة التحرّك والانتظار هناك لبضع ساعات!

كان من المفيد للمصريين سماع تصريح الرئيس والوزير المسؤول عن حادثة التصادم، لكنّ الحقيقة المؤسفة قد تكون أن الرئيس والوزير (الذي جاء للوزارة من الجيش) سارعا لإلقاء التصريحات لرفع المسؤولية عن نفسيهما وتحميلها، لأشخاص «مجهولين» أنزلوا كوابح الخطر، أو لسائقي القطارين.

بدلا من تحمّل الرئيس والوزير، بشكل مباشر، للمسؤولية والتحقيق في أسباب الكوارث المتكررة للقطارات تم اللجوء إلى الأسلوب المعتاد في إلقاء اللوم على المصريين أنفسهم، وهي سياسة لا يكلّ أصحاب السلطة في مصر عن استخدامها، فكأن المصريين الغلابة من ضحايا الحوادث هم المسؤولون عن إدارة البلد وليس الوزير والحكومة والرئيس.

مزعج للمنطق والعقل أن يسارع كبار المسؤولين المصريين إلى إحالة الحوادث الخطيرة إلى أخطاء تقنية أو بشريّة، فإذا صدقنا أن مواطنا مصريا قام بإنزال كابح قطار وهو فعل قد يؤدي إلى مقتله هو نفسه، فلماذا لا تتحسب السلطات لهذا الخطر؟

الأكثر إزعاجا وإثارة للسخرية هو حديث المسؤولين عن «محاسبة المتسبب» مع تجاهل أن المسؤولية، في كل الأحوال، تقع عليهم هم أنفسهم، وأن السلطات في كل العالم، تتحمل مسؤولية هذه الحوادث.

وبدلا من المسارعة إلى تحميل مواطنيها مسؤولية الكوارث فإنها تحاسب الوزير المسؤول وتطالبه، في أحيان كثيرة، بالاستقالة بسبب هذا الفشل والتسبب في مقتل عشرات المواطنين.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

مصر، قناة السويس، تصادم، قطار، السياسة، كوارث، محاسبة، كوابح،