رمضان عربي استثنائي.. إغلاق وأزمات اقتصادية واضطرابات

الاثنين 12 أبريل 2021 11:09 م

تشهد الدول العربية رمضانا استثنائيا للعام الثاني على التوالي، فرضت فيه الظروف السياسية والاقتصادية والصحية، حصارا غير مسبوق على أغلب عادات وتقاليد الشهر الكريم، في ظل استمرار تفشي وباء كورونا.

فالعالم العربي بين دول تعاني اضطرابات أمنية كسوريا واليمن وأخرى تعاني أزمة اقتصادية كتونس ولبنان، وثالثة تواجه أزمة صحية جراء موجة أشد من جائجة كورونا، وسط مؤشرات سلبية على كافة الأصعدة تؤثر انعكاساتها على قدرة المواطنين الشرائية، بل وحتى حريتهم في أداء الشعائر والعبادات بحرية.

صيام طويل وتراويح محدودة

في أغلب الدول تتراوح ساعات الصيام في رمضان هذا العام بين 13 و16 ساعة يوميا، وفقا لاختلاف خطوط العرض والبعد عن خط الاستواء، فالدول القريبة من شمال الكرة الأرضية يطول فيها الصيام، بينما ينخفض كلما توجهنا جنوباً.

وتأتي أطول عدد ساعات الصيام هذا العام من نصيب دول المغرب العربي، خاصة الجزائر وتونس، حيث تصل إلى 14 ساعة و 39 دقيقة في أول أيام شهر رمضان، و15 ساعة و50 دقيقة في آخر أيام الشهر.

أما أقل عدد ساعات الصيام فستكون من نصيب جزر القمر، حيث تصل عدد ساعات الصيام في أول أيام شهر رمضان إلى 13 ساعة و12 دقيقة، أما في آخر أيام الشهر ستصل إلى 12 ساعة و59 دقيقة.

ويُعد أول أيام شهر رمضان هو الأقصر في عدد ساعات الصيام وآخر يوم هو الأطول في كل الدول العربية باستثناء جزر القمر، إذ يحدث العكس تماما نظراً لموقعها القريب من الجزء الجنوبي للكرة الأرضية حيث يقصر النهار خلال فصل الصيف.

نهار طويل إذن يسود أغلب الدول العربية، مقابل ليل قصير، لن تشغل صلاة التراويح فيه أكثر من 30 دقيقة في دول مثل مصر، بينما لن يشهد إقامة الصلاة مطلقا في دول أخرى، وذلك مع تصاعد ملحوظ في أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد بعديد الدول العربية.

في السياق، أعلنت 8 دول، هي: السعودية وفلسطين والبحرين والإمارات والكويت والعراق ومصر والجزائر، السماح بإقامة الفروض اليومية وخطبة الجمعة وصلاة التراويح في المساجد، وفرضت تدابير احترازية بشأن صلاة المساجد، بينها تحديد مدى زمني أقصى للتراويح، واستمرار غلق أماكن الوضوء، والتباعد الجسدي، وارتداء الكمامات، واصطحاب سجادة صلاة، ومنع الدروس الدينية والإفطار الجماعي، والتطعيم ضد كورونا.

فيما أعلنت 5 دول، هي: المغرب وتونس وقطر وسلطنة عمان والأردن، عدم إقامة صلاة التراويح في المساجد، خلال شهر الصوم.

وأعلنت معظم الدول العربية حظرا جزئيا على حركة المواطنين خلال شهر رمضان، في مسعى لمنع التجمعات الرمضانية المعتادة والولائم وغيرها.

اضطرابات أمنية

الأجواء الصحية تزامنت في أغلب الدول مع تأزم أمني أو اقتصادي، ما جعل إمكانية ممارسة العديد من عادات وتقاليد الشهر الكريم غير ممكنة، خاصة في سوريا واليمن.

ففي سوريا، وبعد أكثر من 10 سنوات من الحرب، يزيد ارتفاع الأسعار من معاناة المواطنين، الذين ينتظرون في طوابير طويلة للحصول على البنزين المدعوم ويشكون من الغلاء المتزايد.

وأعلنت حكومة النظام السوري، الأسبوع الماضي، تقليص العمل في وزارات ومؤسسات عامة لـ 10 أيام جراء التفشي المتسارع لفيروس كورونا والأزمة الاقتصادية، وفق ما ذكر الإعلام الرسمي، كما أنهت وزارة التربية دوام طلاب المراحل الأساسية، وعلّقت الدروس في الجامعات.

وتتراوح الرواتب في داخل سوريا بين 37 ألف ليرة (8 دولارات) كحد أدنى، و663 ألف ليرة (نحو 146 دولارًا) كحد أعلى، بينما يبلغ متوسط الرواتب الشهرية للموظفين (في القطاع الخاص والعام) 149 ألف ليرة سورية (32 دولارًا)، وفقا لما أورده موقع "Salaryexplorer".

ومع ارتفاع أسعار اللحوم، تبحث العديد من العائلات السورية عن بدائل لها، بسبب عدم القدرة على شرائها لارتفاع أسعارها، وهو ما رصدته "المؤسسة السورية للتجارة"، في 31 مارس/آذار الماضي، مشيرة إلى أن كمية استهلاك المواطن السوري للحوم تراجعت لأقل من 25% من استهلاكه المعتاد سنويًا، وفقا لما نقلته صحيفة "الوطن" المحلية.

ولذا ناشد برنامج الأغذية العالمي (WFP) الأمم المتحدة، قبيل مؤتمر بروكسل الخامس، الذي عُقد نهاية مارس/آذار الماضي، بتقديم أموال للمساعدات الغذائية العاجلة لملايين السوريين، مشيرا إلى أن 12.4 مليون شخص في سوريا، أي حوالي 60% من السكان، "لا يعلمون متى سيحصلون على وجبتهم التالية".

الوضع مشابه في اليمن، فللعام السابع تواليا يستقبل الشعب شهر الرحمة والغفران في ظل أوضاع كارثية صعبة وأوضاع إنسانية ليس لها نظير، صنفتها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ على مستوى العالم.

محافظة الضالع نموذج لتأثير الحرب المدمر على عموم اليمن، إذ لا تزال تشهد حربا شرسة بين القوات الموالية للحكومة وقوات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ما أدى لموجة نزوح من المنازل بالمناطق الواقعة على خط التماس في جبهات باب غلق ومريس وبتار والجب والفاخر والأزارق.

ويعيش غالبية النازحين في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة حيث فقدو مساكنهم ومصادر دخلهم، فيما أدى تدهور العملية اليمنية وفقدانها لقيمتها الشرائية لارتفاع غير مسبوق في الأسعار في معظم محافظات اليمن، بما فيها تلك الواقعة تحت سلطة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.

كل ذلك أفقد رمضان هذا العام فرحته وروحانيته التي طالما اتسم بها في اليمن، حيث كان الأهالي يستقبلون الشهر بحفاوة بالغة، بينما اليوم لا يملكون رفاهية أي شيء فوق أولوية البقاء أحياء سالمين من دمار الحرب.

أزمات اقتصادية

ماذا عن دول كلبنان وتونس، حيث لا حروب؟ لا تبدو أفضل حالا  في ظل معاناة من أزمة اقتصادية وتدهورا لأسعار العملات المحلية.

ففي لبنان، لايزال السعر الرسمي لليرة عند حوالي 1500 مقابل الدولار الأمريكي الواحد، في حين يصل السعر إلى نحو 12 ألفا و500 ليرة في السوق غير الرسمي.

وإزاء ذلك، يشير مرصد الأزمة في الجامعة الأمريكية في بيروت إلى أن تكلفة إفطار رمضاني بسيط ستفوق قدرة الكثير من العائلات اللبنانية مع استمرا تدهور الأوضاع الاقتصادية والارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية.

باحثو المرصد قاموا باحتساب كلفة وجبة إفطار مكونة من: حبة تمر، وحساء العدس، وسلطة الفتوش، ووجبة أرز مع دجاج ونصف كوب من لبن البقر، وذلك اعتماداً على أسعار الجمعيات التعاونيات في بيروت، وجاءت للفرد الواحد بقيمة 12.050 ليرة أي 60.250 ليرة يومياً لأسرة مؤلفة من 5 أفراد.

 ووفق هذا الحساب، تقدر الكلفة الشهرية لإفطار أسرة لبنانية مؤلفة من 5 أفراد بحوالي مليون و800 الف ليرة، بحسب باحثو المرصد، الذين أشاروا إلى أن تلك الكلفة لا تتضمن المياه أو العصائر أو الحلويات أو نفقات الغاز او الكهرباء ومواد التنظيف.

وهذا يعني أن الأسر اللبنانية ستتكبد في رمضان أكثر من مرتين ونصف قيمة الحد الأدنى للأجور لتأمين إفطارها فقط، فيما ستجد 42.5% من العائلات، التي لا تتعدى مداخيلها مليون و200 ألف ليرة شهرياً، صعوبة في تأمين قوتها بالحد الأدنى المطلوب.

نشرة "الدولية للمعلومات" اختصرت مأساة اللبنانيين الاقتصادية، في تقرير لها، أشارت فيه إلى تراجع في صناعة الحلوى، إذ قررت 45% من العائلات التوقف التام عن صنعها، فيما قررت 35% ‏من العائلات صنعها بكلفة أقل، عبر استبدال الفستق الحلبي والجوز بالتمر أو بالسكر فقط، أو صناعة الحلوى بالأسلوب التقليدي ولكن بكميات أقل بنسبة 25 إلى 50%.

في سياق مشابه، يستقبل التونسيون رمضان وسط تأثير مزدوج للتراجع الاقتصادي وتصاعد كبير في إصابات كورونا، وهو ما فاقمته قرارات اتخذتها الحكومة للاحتراز الصحي، أثارت موجة استنكار في البلاد، إلى حد تهديد أصحاب المقاهي بالعصيان المدني.

تضمن القرارات الجديدة تشديد الحجر الصحي خلال رمضان، والتطبيق الصارم لوسائل الحماية الفردية والبروتوكولات الصحية، ومنع التجمعات الخاصة والعامة، وغلق الأسواق الأسبوعية، ودعوة ولاة الجمهورية إلى إعلان حظر الجولان من الساعة السابعة مساءً إلى الساعة الخامسة من صباح اليوم التالي.

وإزاء ذلك، قام بعض عمال المقاهي بإغلاق الطريق وإشعال العجلات المطاطية قرب محطة قطار في ولاية منوبة المتاخمة للعاصمة تونس، وأصدرت نقابتهم بياناً عبرت فيه عن رفضها للقرار الحكومي "غير المدروس"، والذي لم يراعِ الظروف الصعبة التي يمر بها أصحاب المقاهي والمطاعم، التي أغلقت أبوابها قرابة السنة بعد انتشار جائحة كورونا.

وفيما يشكو أغلب التونسيين من ارتفاع الأسعار في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها البلاد، يشكل حظر التجول هاجسا لدى العديد من العائلات، حيث عادة ما يشهد شهر الصيام تجمعات كبيرة في المتاجر والمقاهي والأماكن العامة على مستوى البلاد.

بصيص أمل في ليبيا

ووسط هذا المشهد تبدو ليبيا استثناء نسبيا من الصورة الكلية، فسياسيا تشهد مؤشرات على توحيد السلطة في البلاد والتوافق على حكومة انتقالية وإجراء انتخابات عامة في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

كما تشهد أسواقها هذه الأيام انتعاشا للمرة الأولى منذ 6 سنوات، بعدما خفتت الاشتباكات العسكرية بين طرفي الصراع في البلاد، وفقا لما رصده موقع "سكاي نيوز عربية".

وصلت البضائع قبل مدة طويلة من رمضان، وكانت كافية كي تقضي حاجة التجار، وهو ما انعكس إيجابا على أوضاع الأسواق، مثل سوق الحوت في بنغازي، الذي سبق أن تعطلت فيه الحركة بشكل كامل لمدة 3 سنوات كاملة، بسبب ضراوة الاشتباكات التي شهدتها المدينة.

ويحمل هكذا تحسنا نسبيا لأوضاع ليبيا بصيص الأمل الذي يرجوه المواطنون العرب، بلسان حال عبروا عنه في تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي: "اللهم هلال خير وبركة". 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

رمضان الدول العربية لبنان مصر تونس ليبيا اليمن