الهشاشة الاقتصادية وآثار كوفيد-19.. هل تشهد المنطقة مزيدا من الاضطرابات المدنية؟

الاثنين 26 أبريل 2021 11:13 م

بعد أكثر من 10 أعوام منذ اندلاع الصرخة الجماعية في العالم العربي من أجل الحكم المسؤول والإصلاح الاقتصادي وحقوق الإنسان، يعتقد الكثيرون الآن أن بلدانهم قد تراجعت للخلف. وانزلقت سوريا واليمن وليبيا إلى عقد من الحرب مع احتدام الصراع المسلح في العراق، الأمر الذي ترك أكثر من 11 مليون شخص نازحين داخليا وفق حسابات عام 2018.

وأجرت تونس ومصر انتخابات ديمقراطية. ومع ذلك، تخوض تونس اليوم أزمات سياسية واقتصادية صعبة، وعادت مصر إلى نظام استبدادي عسكري أكثر قمعا. وعلى مدى العقد، عززت النخب السياسية التكتيكات القمعية لمواجهة تهديد المعارضة المنظمة.

والآن، ظهر فيروس قاتل. وقد يكون هذا الفيروس هو الصدمة الخارجية الأولى التي ربما تزعزع أسس الوضع الراهن الجديد. واعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أودى "كوفيد-19" بحياة ما يقرب من 100 ألف شخص في المنطقة وأصاب أكثر من 3.4 ملايين آخرين. ويؤدي هذا الوباء إلى تفاقم الظروف الاجتماعية والاقتصادية الأساسية التي أدت إلى اندلاع الموجة الأولى من الانتفاضات العربية عام 2011.

وبالفعل، عادت حركات المعارضة العامة الكبرى إلى الظهور قبل فيروس كورونا مباشرة في عام 2019 في شوارع الجزائر والسودان ولبنان والعراق. ومع الضغوط الإضافية بسبب الوباء، سيعود الغضب ضد الظلم الاقتصادي والسياسي من جديد. ولكن كما علمت المنطقة قبل عقد من الزمان، سوف يتطلب الأمر حركات منضبطة ونخب ذات عقلية إصلاحية لتنفيذ التغييرات المستدامة اللازمة لدفع البلدان خلال طريق التعافي بعد الوباء.

الهشاشة في ازدياد

وكانت قطاعات عديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عرضة للصدمات قبل انتشار الوباء، والأهم من ذلك أن البنية التحتية الصحية كانت ضعيفة بشكل خاص. ووفقا للبنك الدولي، يعاني العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من محدودية الاستثمار في الصحة العامة.

ويتم تغطية ما يقرب من نصف الإنفاق الصحي بشكل مباشر من قبل الأسر ويعمل 65% من القوى العاملة في القطاع غير الرسمي، الذي يفتقر إلى التأمين الصحي المدعوم. وقد ترك هذا أنظمة الرعاية الصحية والسكان المحليين غير مؤهلين للتعامل مع الأزمة، ما أدى إلى تفاقم حالات انعدام الأمن الاقتصادي والاجتماعي الموجودة مسبقا.

وفي حين تمتعت دول مجلس التعاون الخليجي بالقدرة المالية على توسيع التغطية الطبية وشراء لقاحات "كوفيد-19 المختلفة، فإن عدم الاستعداد العام لأنظمة الرعاية الصحية يعد نتيجة مباشرة لنقص التمويل تاريخيا.

وفي غضون ذلك، تفاقمت البطالة. وتضررت القطاعات العامة المتضخمة في المنطقة بسبب تراجع عائدات النفط جراء تراجع الاستهلاك العالمي والإغلاق شبه الكامل لصناعة السياحة، ما تسبب في انكماش اقتصادي بنسبة 3.8%.

وأثرت عمليات الإغلاق ومتطلبات التباعد الاجتماعي وحظر التجول على القطاع غير الرسمي بشكل خاص. وتقدر الأمم المتحدة أن 14.3 ملايين عربي إضافي سوف يغرقون في الفقر، ليصبح 115 مليون عربي تحت خط الفقر.

وسوف يؤدي هذا إلى زيادة التفاوت في الدخل في المنطقة، التي تعد بالفعل الأكثر تفاوتا في العالم. وبينما يعزل الأغنياء ثرواتهم، سيكافح المحرومون من أجل عودة الوظائف ببطء. وفي الوقت نفسه، فقد النساء وظائف أكثر بكثير من الرجال، ما أدى إلى محو عقد من التقدم في المساواة بين الجنسين، وسيتم دفعهن إلى الخلف مع ظهور الفرص.

وكان التعليم أيضا نقطة ضعف قبل الصدمة. وعلى الصعيد العالمي، يقدر البنك الدولي أن إغلاق المدارس سيقلل من أعوام التعلم الفعالة بمقدار 0.6 أعوام. ومن المرجح أن يكون هذا التأثير على التعلم أكبر بالنسبة لما يقرب من 110 ملايين طفل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ممن تأثروا بإغلاق المدارس، ما يعرض 1.3 ملايين طفل لخطر التسرب من التعليم تماما.

وتقدر "اليونيسف" أن عدد الأطفال الذين يعيشون في أسر فقيرة ربما يزيد بمقدار 10 ملايين إضافية. وتكافح الأسر الفقيرة بالفعل في المنطقة لتلبية متطلبات التعلم عن بعد. وبالرغم من تغطية النطاق العريض للأجهزة المحمولة، فإن العديد من البلدان تشهد معدلات انتشار للإنترنت أقل من 50%. ولا يعكس الاندفاع إلى إعادة فتح المدارس في المنطقة الاهتمام بالأطفال فحسب، بل يعكس أيضا عدم القدرة على الوصول إلى موارد التعلم في المنزل.

وبالتالي، تظل إحدى القوى الدافعة وراء الانتفاضات العربية سمة بارزة للحياة اليومية، وهي النظرة الاقتصادية الكئيبة لدى غالبية السكان. وأدى الخوف من الوباء إلى الحد من المشاركة العامة في المظاهرات، لكن القضايا السياسية مثل الفساد وسوء إدارة الموارد الصحية تحتل مركز الصدارة.

وستكون الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي عملية طويلة وصعبة ولكنها تظل معلقة بينما تستمر ظروف الوباء. ومع ذلك، عادت الاحتجاجات العامة إلى الظهور بالفعل في الحراك الجزائري في الأسابيع الأخيرة، وكشفت المظاهرات عن توترات في الشوارع في الأردن وتونس ومصر. وسوف تتعرض الحكومات لضغوط شديدة لاستعادة حتى الاستقرار الاقتصادي المحدود الذي كان موجودا قبل الوباء.

معضلة الإصلاح الاقتصادي

ومن أجل توليد إنتاجية قوية ووظائف مستقرة، يجب على بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تبني التنويع والنمو الذي يقوده القطاع الخاص. وتسارع دول مجلس التعاون الخليجي الآن لتسريع التقدم غير المرضي في التنويع، بسبب تراجع أسعار النفط.

وأشار الدكتور "جهاد أزعور"، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، إلى أن صندوق الاستثمارات العامة في السعودية سيخصص نحو 40 مليار دولار سنويا للشركات المحلية، وتسعى الإمارات لتبني مصادر الطاقة المتجددة في المستقبل. ومع ذلك، تؤكد هذه الجهود على الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي توقعاته الاقتصادية لهذا العام، يخشى صندوق النقد الدولي من أن التعافي البطيء قد ينذر بتجدد الاضطرابات المدنية. ولقد بدأ الغضب العام يغلي بالفعل، لكن الشارع ربما لا يدرك العلاجات الضرورية.

وفي حالة العراق، تعترف "مارسين الشمري"، زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه في معهد "بروكينجز"، بأن إصلاح القطاع الخاص والخدمة المدنية في الواقع لا يحظى بشعبية كبيرة، ويفتقر إلى الدعم العام والنخبوي.

ويدرك المواطنون أنهم سيدفعون ثمن الآثار قصيرة الأجل؛ حيث ستنخفض رواتب القطاع العام وفرص العمل، ما يضيف إلى 7 ملايين عراقي يعيشون في الفقر. وفي غضون ذلك، لدى النخب الحافز للحفاظ على شبكات المحسوبية السياسية الخاصة بهم. وبالرغم من تفاؤلها بشأن فرصة إحراز تقدم في عهد رئيس الوزراء المؤقت "مصطفى الكاظمي"، إلا أن "مارسين" تقول إنه "يدلي بتصريحات تبدو وكأنها باتجاه الإصلاح الاقتصادي، لكنه يتراجع بعد ذلك على الفور".

ويعكس الافتقار إلى آفاق الإصلاح الظروف الكئيبة التي قد تمنع حدوث انتعاش قوي في العراق، حيث تشكل أسعار النفط 90% من عائدات الحكومة، حيث عاد المتظاهرون إلى الشوارع للمطالبة بمزيد من الوظائف الحكومية، ما يعكس الفكرة السائدة على نطاق واسع بأن الحكومة هي مصدر آمن للتوظيف.

وفي تونس، كشفت احتجاجات أواخر يناير/كانون الثاني في الضواحي الفقيرة حول تونس العاصمة عن الضغط الاقتصادي الناجم عن قيود الإغلاق، لكنها وجهت المظالم ضد الطبقة السياسية. وتبع ذلك حملة قمع عنيفة للشرطة وحظر الاحتجاجات حتى منتصف فبراير/شباط، على خلفية تعديل حكومي. ولجأ النظام إلى القمع لأنه كان من أضعف من أن يعالج معاناة مواطنيه.

ويعكس عودة ظهور الاحتجاجات في جميع أنحاء المنطقة اليأس الناجم عن الوباء، حيث كانت عمليات الإغلاق مؤلمة بشكل خاص للعاطلين عن العمل والعاملين في القطاع غير الرسمي. وسوف يتفاقم هذا الموقف أثناء التعافي إذا لم يتعافى دخل الأسرة بسرعة.

ومع ذلك، فإن الاحتجاجات بدون سلطة المعارضة والحركات السياسية الموثوقة ستؤدي إلى تعطيل عملية الإصلاح. وكتبت الزميلة في البرلمان الأوروبي، "مارينا أوتاوي"، أن مطالب المحتجين "يجب ترجمتها إلى سياسات ملموسة. ويجب أن تأتي هذه الترجمة في النهاية من المنظمات السياسية المصممة للمشاركة في النظام السياسي والتأثير في صنع القرار".

العودة إلى المقاومة

ويشير هذا إلى التحدي المتمثل في الحاجة إلى تحقيق إصلاح واسع النطاق في المنطقة. ويقول "ديفيد لينفيلد"، الباحث الزائر في برنامج الشرق الأوسط في "كارنيجي"، إنه يجب على الأنظمة أن تحدد أيهما أكثر تكلفة، فاتورة الإصلاح أم "الحفاظ على الوضع الراهن"، فهي بين أن تصبح أكثر هشاشة مع مواجهة المزيد من الاحتجاجات، أو تتبنى التغيير السياسي وتثير استياء النخب.

وبالرغم من الضغط المتزايد من قبل المتظاهرين والمنظمات الدولية، فإن قرارات الأنظمة بالاستمرار في إعطاء الأولوية لمصالحها تشير إلى أن الإصلاح هو المسار الأكثر تكلفة من وجهة نظرها.

وتخشى الأنظمة من أن أي تغيير قد يستخدمه المتظاهرون كسلاح ضد النخبة السياسية. ويقول "لينفيلد": "إنهم يأخذون الدرس العكسي، فهم ينظرون إلى الربيع العربي ويفكرون أنه إذا تم إعطاء المتظاهرين شبرا، فسيطلبون ميلا".

وبالرغم من أن الوباء يكشف عمق الأزمة الاقتصادية، وتعرض السكان للصدمات الخارجية، إلا أنه نتيجة لذلك، "بمجرد أن يتحول انتباه الجمهور عن الأزمة الصحية المباشرة ويصبح أقل تعرضا للإلهاء، فمن المحتمل أن نرى عودة إلى أنواع مماثلة من الحركات الاحتجاجية".

وتتأثر سبل عيش الجمهور، ولا سيما الفئات الأكثر تهميشا وحرمانا، بشدة من الانكماش الاقتصادي وما يُنظر إليه على أنه نهج غير متماسك للتخفيف من الوباء وتدابير التطعيم البطيئة.

وما لم تقترن جهود الإنعاش بإصلاحات قوية في الحوكمة لمعالجة الفساد بجدية وتحسين الخدمات العامة، سيكون النمو والتنمية محدودا، وستظل مستويات المعيشة منخفضة. كما أن هناك حاجة ماسة للإصلاحات الاقتصادية الهيكلية للمساعدة في إعادة بناء القطاع الخاص وضمان المزيد من الشمولية في برامج التنمية الاقتصادية. علاوة على ذلك، يعكس التصعيد الموجه للأنظمة الحاكمة رفضا أعمق لسوء الإدارة العامة الذي قد يتجلى في عودة ظهور الاحتجاج الشعبي بعد تخفيف القيود الوبائية.

ويجب على البلدان أن تستجيب بشكل عاجل من خلال الاستثمار الذي تقوده الحكومة في السكان والخدمات العامة والبنية التحتية، مع استكماله بتدابير لمنع المزيد من الانزلاق إلى اليأس والإحباط. وسيتطلب ذلك تغييرات مدروسة في مساءلة الحكومة، فضلا عن الاعتراف بالمجتمع المدني وجماعات المعارضة. كما يتطلب هذا من الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية توجيه الإحباط العام بطرق بناءة والاستعداد للتفاوض مع النخب ومراكز السلطة.

وبدون تغييرات في العلاقات بين الدولة والمجتمع، قد يكون أحد الآثار الجانبية للوباء هو إطلاق العنان لقوى ثورية مماثلة لتلك التي أدت إلى انتفاضات عام 2011. وستحدد كيفية استجابة الحكومات والقطاع الخاص في المستقبل القريب الطريق إما نحو المزيد من الاضطرابات المدنية في المنطقة أو خفوتها.

المصدر | ألكساندر فارلي وبروك شيرمان/ مركز ويلسون - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الربيع العربي آثار كوفيد-19 الاحتجاجات المدنية الاضطرابات المدنية الأنظمة العربية

مصر ترفع أسعار الكهرباء للتعويض عن آثار كورونا على الميزانية

ماذا سيحدث إذا تحول كورونا من جائحة إلى مرض متوطن؟