تحولات السياسة الخارجية التركية.. تغييرات جذرية أم تعديلات تكتيكية؟

السبت 1 مايو 2021 01:15 ص

خلال الأسابيع القليلة الماضية، بدا أن أنقرة عازمة على تطبيع العلاقات مع الدول التي كانت لديها خلافات معها.

ويعتبر آخر دليل على ذلك ما ورد الأسبوع الماضي عن دعوة وزير الطاقة الإسرائيلي إلى منتدى أنطاليا الدبلوماسي، لتكون هذه أول زيارة رفيعة المستوى منذ عام 2018، عندما اندلعت أزمة دبلوماسية بين البلدين.

ففي ذلك الوقت، انتقد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إسرائيل على معاملتها للمتظاهرين الرافضين للاعتراف الأمريكي بالقدس كعاصمة لإسرائيل.

ومن التطورات التي تشير إلى التغير في السياسة الخارجية التركية ما ورد عن مكالمة هاتفية بين وزيري خارجية تركيا والإمارات، بالرغم من التنافس المرير وصراع الوكالة، خاصة منذ عام 2016.

وكان هناك أيضا أخبار حول تطبيع محتمل في العلاقات بين تركيا والسعودية.

علاوة على ذلك، يبدو أن هناك توجها تركيا لتحسين العلاقات مع مصر أيضا، بعد سنوات من التوتر أعقبت انقلاب 2013 الذي أطاح بالرئيس المصري "محمد مرسي".

وبشكل عام، يبدو أن العلاقات تتغير بين البلدان التي شكلت محوريّ الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي؛ أيّ محور السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل من ناحية وتركيا وقطر من ناحية أخرى، إذن، كيف يمكن تفسير هذا التحول؟

الديناميات الدولية والإقليمية

يبدو أن الأمر يُعزى جزئيًا للتطورات العالمية والإقليمية، سواء الفعلية أو المتوقعة، وكان أحد العوامل المهمة هو قدوم إدارة "بايدن" في الولايات المتحدة.

فبالرغم أنها لم تطور سياسة شاملة مكتملة تجاه الشرق الأوسط بعد، إلا إنه كانت هناك بعض العناصر التي قادت القوى الإقليمية للتكيف مع التطورات الجديدة.

فقد أوضحت الولايات المتحدة أنها لن تدعم التدخل السعودي في اليمن بعد الآن، وأعربت عن رغبتها في إحياء الاتفاق النووي مع إيران، كما شجعت إيران والسعودية للوصول إلى تفاهم في اليمن كإجراء لبناء الثقة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن التوقعات باختلاف السياسات الأمريكية في عهد "بايدن"، أدت لإنهاء حصار قطر.

في غضون ذلك، تزيد روسيا والصين من وجودهما وأدوارهما في المنطقة، كما يشجعان الدول الإقليمية على تهدئة المنافسات بينهم، بالإضافة إلى مواقفهما التي تترجم رغبة كامنة للعب دور الوسيط.

ومن المتوقع أن تخرج إيران من التطورات الأخيرة بمكاسب استراتيجية في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط.

وتشير التوقعات إلى أننا ندخل مرحلة جديدة في المناطق المأزومة ما بعد الربيع العربي، أيّ في ليبيا وسوريا واليمن، ما يجبر القوى الإقليمية على الحفاظ على قنوات مختلفة مفتوحة مع بعضها البعض.

وهكذا، تريد الكتلة التي تقودها السعودية تطبيع علاقاتها مع تركيا مرة أخرى لتكون قادرة على تحقيق التوازن أمام إيران.

من جانبها، فإن تركيا التي وجدت نفسها في موقف تشكل فيه الدول الأخرى تحالفات مضادة لتحقيق التوازن معها، تريد الآن التواصل مع هذه البلدان ليكون في يدها أوراق أكثر في خضمّ التطورات الجديدة.

وتدرك تركيا أن تكلفة استمرار التوترات عالية، خاصة في شرق المتوسط، لهذا يبدو أن تركيا مستعدة للتحدث مع اليونان وتوقيع صفقات مع مصر وإسرائيل في شرق البحر المتوسط ​​وتسعى لتضمينها في المنتديات الإقليمية.

وهكذا، يبدو أن هناك فهمًا مشتركًا لدى جميع الجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك تركيا، بأن الوقت قد حان لضبط سياساتهم.

العوامل المحلية

لا يقتصر الأمر على التطورات العالمية والإقليمية، بل إن هناك أسبابًا محلية أيضا لدى القوى الإقليمية، تدفعها لتهدئة حدة المنافسات والصراعات الصفرية.

فالسياسات التي تعتمد على القوة الخشنة والحروب بالوكالة والمواجهات، مكلفة ويصعب الحفاظ على استمراريتها على المدى الطويل، خاصة بالنظر إلى التأثير الاجتماعي والاقتصادي السلبي لـ"كورونا"، وتراجع أسعار النفط، مما أدى إلى تفاقم المشاكل القائمة بالفعل.

وتنطبق هذه التأثيرات الاجتماعية الاقتصادية السلبية بشكل خاص على تركيا، التي تتعامل مع أزمة اقتصادية بدأت في عام 2018 وتفاقمت مؤخرا.

وبالرغم من العوامل التي تدفع القوى الإقليمية نحو تطبيع علاقاتها مع بعضها، فقد لا تكون العملية سهلة. فبادئ ذي بدء؛ لا تعد أي من العمليات الإقليمية الجارية يقينية، حيث تواجه المحادثات النووية الإيرانية صعوبات، كما أن هناك هشاشة في الاستقرار النسبي والمفاوضات في المناطق المأزومة بعد الربيع العربي.

وبالتالي، يمكن للسياسات الإقليمية أن تعود بسرعة إلى وضع أكثر تنافسية وصراعا.

مخاطر كثيرة محتملة

يبدو حتى الآن في حالة العلاقات بين تركيا ومصر، أن البلدين مستعدين لاتخاذ الخطوات اللازمة للتطبيع، فقد طلبت تركيا بالفعل من قنوات المعارضة المصرية الموجودة على أراضيها، أن تهدئ انتقاداتها للحكومة المصرية.

كما يقال إن القاهرة قبِلت أيضا طلب أنقرة بأن تخفف وسائل الإعلام المصرية من لهجة انتقادها لتركيا والرئيس "أردوغان".

لكن التطبيع في العلاقات الثنائية محفوف بالألغام.

فبالنسبة لمصر، التي ترى جماعة "الإخوان المسلمين" قضية أمنية للنظام، فإن تخفيف النقد لن يكون بحد ذاته كافيا.

ويبدو أن حكومة حزب "العدالة والتنمية" تتصرف بشكل براجماتي في هذه المسألة، وقد تتوقف في نهاية المطاف عن دعم هذه المنافذ الإعلامية تماما، اعتمادا على كيفية سير عملية التطبيع.

ومع ذلك، يمكن اعتبار هذه القضية واحدة فقط من التحديات المتعلقة بالعلاقات الثنائية.

فهناك قضية أخرى قد تخلق مشاكل بين البلدين وهي ليبيا، حيث دعمت تركيا ومصر أطرافًا مختلفة في الصراع.

ومع إن دعم مصر وتركيا الآن للعملية الانتقالية في ليبيا يعد تطورات إيجابية، إلا إن العملية نفسها هشة وقد تستمر في خلق مشاكل للعلاقات الثنائية بين تركيا ومصر.

وبالمثل، تتسم آفاق التطبيع بين تركيا وإسرائيل بالحساسية والهشاشة، فالدعم التركي المستمر للفلسطينيين وعلاقة حزب "العدالة والتنمية" مع "حماس"، إلى جانب الصعود المستمر لليمين الإسرائيلي، يجعل التطبيع عملية معقدة وليس سهلة.

كما أن التطبيع بين تركيا من ناحية ومصر وإسرائيل من ناحية أخرى معرض بشكل خاص للتحديات الإيديولوجية، فبالرغم من التحول الواقعي في السياسة الخارجية التركية منذ عام 2016، استمر نهج حكومة حزب "العدالة والتنمية" تجاه مصر وإسرائيل باتخاذ صبغة أيديولوجية.

باختصار، تحاول تركيا ضبط سياستها الخارجية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفق التغييرات الفعلية والمتوقعة في السياسات الإقليمية والدولية وكذلك الضرورات المحلية.

ولكن، كما هو الحال في القوى الإقليمية الأخرى، فإن هذا لا يشير إلى تغييرات جذرية، وإنما إلى تعديلات تكتيكية إلى حد ما.

ومن أجل تحقق سلام حقيقي واستقرار في المنطقة، يجب أن تتحول جميع دول المنطقة، بما في ذلك تركيا، إلى تعاون يفيد كافة الأطراف.

وبالرغم أن جهود اليوم لا تشير إلى مثل هذا التحول الجذري، إلا إنها لا تزال إيجابية كتدابير لبناء الثقة.

المصدر | ميليها بن لي ألتونسيك/ معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا الخليج مصر تطبيع السياسة الخارجية التركية