جيوبوليتكال: هذا ما تخبرنا به التجارب عن جدوى التدخل الأجنبي في اليمن

الأربعاء 19 مايو 2021 10:25 م

تعرض اليمن لحملات عسكرية مختلفة على مدى قرون، وربما أدرك كل هؤلاء اللاعبين الخارجيين أن التدخل العسكري في اليمن لا طائل من ورائه فجباله منيعة وشعبه متمرس، ولكن ذلك لم يمنع آخرين من المحاولة لاحقا، وكان آخرهم السعودية التي أطلقت عملية "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين في عام 2015.

ومع ذلك تعد السعودية أكثر معرفة بالشؤون الداخلية لليمن، مقارنة بجميع اللاعبين الأجانب الذين تدخلوا هناك. فأثناء إنشاء السعودية في أوائل القرن العشرين، أدرك "ابن سعود" أنه بحاجة لتأمين حدود المملكة الجديدة مع اليمن. وكان هذا على وجه الخصوص بعد أن حصل السعوديون على جازان ونجران من خلال توقيع معاهدة الطائف التي أنهت الحرب السعودية اليمنية عام 1934.

وبعد الانقلاب الجمهوري في اليمن عام 1962، والذي بدأ الحرب الأهلية في شمال اليمن، تركز الاهتمام السعودي على احتواء الجنوب الشيوعي والسيطرة على الشمال، وبفضل الدعم المالي السخي، تمكن السعوديون من تأمين دعم القبائل الشمالية، مما أبقى الحكومة المركزية في صنعاء ضعيفة سياسياً.

ولكن السعوديين فشلوا في منع مجموعة ماركسية شبه عسكرية تسمى "جبهة التحرير الوطنية" من الاستيلاء على السلطة في الجنوب بعد انسحاب البريطانيين في عام 1967، مما أدى إلى إنشاء الدولة الماركسية الوحيدة في العالم العربي "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" والمعروفة أيضًا باسم جنوب اليمن. وحاول رئيس اليمن الشمالي "ابراهيم الحمدي" توحيد الشمال مع الجنوب وكبح النفوذ السعودي لكنه اغتيل عام 1977. وبقيت ملابسات وفاته غامضة حتى يومنا هذا.

وبعد 4 عقود، يحاول السعوديون مرة أخرى فرض إرادتهم عبر استعادة العاصمة اليمنية، صنعاء، من قبضة الحوثيين وإعادة حكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي" المعترف بها دوليًا. وكان "هادي" نائب الرئيس خلال ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس "علي عبدالله صالح". وقد اختطفت مبادرة مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية مكتسبات الثورة، وعينت "هادي"، أحد الشخصيات البارزة في النظام السابق، خلفًا لـ"صالح".

لكن هذه الخطوة جاءت بنتائج عكسية، حيث استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، وردوا على الحملة العسكرية التي تقودها السعودية بشن هجمات داخل المملكة باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار. وقد زادت وتيرة هذه الهجمات خلال السنوات الأخيرة.

وبعد 6 سنوات من الصراع، أصبح الحوثيون أقوى من أي وقت مضى. ولم تنجح محاولات إنهاء الحرب. وقد أرسلت الأمم المتحدة 3 مبعوثين إلى اليمن وأشركت المتمردين في محادثات في جنيف والكويت، لكن دون جدوى. كما نظمت الأمم المتحدة اجتماعات في ستوكهولم لتجنب هجوم واسع النطاق على الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون في عام 2018، لكن الحوثيين اختاروا مواصلة القتال، بعد أن اكتسبوا زخماً أكبر.

ومع ذلك، فإن تصميم الحوثيين ليس هو الشيء الوحيد الذي يعرقل إنهاء الحرب حيث تعتبر المصالح الإيرانية حاضرة. وتعد رغبة الحوثيين في السيطرة على الساحل الغربي لليمن، وخاصة ميناء الحديدة، مدفوعة جزئيًا برغبة إيران في السيطرة على الممرات الملاحية في البحر الأحمر للوصول إلى البوابة الجنوبية للمنطقة العربية. ومن أجل ذلك، تسعى إيران لمساعدة الحوثيين على استعادة جزر حنيش التي استولت عليها القوات التي تقودها السعودية. وفضلا عن ذلك، فإن إيران تعتبر اليمن جسرًا مثاليًا إلى شرق أفريقيا، وهي منطقة تأمل طهران في اختراقها بمجرد تحررها من العقوبات الأمريكية.

وقد دمرت الحرب البنية التحتية للبلاد وأجهزتها العسكرية والأمنية. وستكلف إعادة الإعمار مئات المليارات من الدولارات، وهي أموال لا يمتلكها اليمن وغير قادر على جمعها. وكانت البلاد تعاني من الفقر المدقع وعدم المساواة على نطاق واسع قبل وقت طويل من بدء الحرب التي فاقمت هذه الأزمات، كما تعمقت الانقسامات الطبقية والقبلية والإقليمية والطائفية بسبب التدخل الأجنبي، مما زاد من تعقيد طريق البلاد نحو السلام.

وأصبح اليمن حاليا عبارة عن غابة من الأسلحة والميليشيات الجامحة التي لها مصلحة في استمرار الصراع. وأصبح اقتصاد الحرب عميق الجذور لدرجة أن تفكيكه قد يكون أكثر صعوبة من التوصل إلى اتفاق سياسي بين الفصائل المتحاربة. كما أن الجيش الوطني اليمني مسيس للغاية ومنقسم إلى عدة فصائل بعضها يدعم حزب "الإصلاح" المرتبط بـ"الإخوان المسلمون" أو "المؤتمر الشعبي العام" التابع للرئيس الراحل "علي عبدالله صالح".

وفي غضون ذلك، فقد تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" الكثير من قوته بسبب الاستهداف الأمريكي المتكرر. ولم يكتسب تنظيم "الدولة الإسلامية" الكثير من الزخم في البلاد، بعد أن نفرت القبائل منه لوحشيته، ومن غير المرجح أن يشكل تهديدًا كبيرًا لليمن في المستقبل.

ومع هذا؛ فإن الحوثيين يائسون من إمكانية خلق حقائق جديدة على الأرض قبل محادثات السلام. لقد تحول هجومهم الذي لا هوادة فيه للاستيلاء على مأرب الغنية بالنفط، آخر معقل للحكومة في شمال اليمن، إلى مستنقع تسبب في خسائر بشرية هائلة على الجانبين. (يتطلع الحوثيون إلى الاستيلاء على منشآت إنتاج النفط الأكثر أمانًا في مأرب للمساعدة في تمويل جهودهم الحربية).

وقد يمهد هذا المأزق الطريق لمحادثات مطولة، ومن المحتمل أن تؤدي إلى اتفاق سلام هش وترتيبات حكومية فضفاضة مماثلة لتلك الموجودة في عدد من الدول العربية الأخرى، ولكن علاقات الفصائل المتحاربة بالقوى الإقليمية تحول دون التوصل إلى قرار أكثر واقعية.

التزم الحوثيون بالقتال في معركة مأرب أكثر من أي معركة أخرى في الحرب المستمرة منذ 6 سنوات. لقد روجوا لها في أوساط المؤيدين لهم على أنها معركة ضد "المنافقين والمرتدين والمحتلين السعوديين". وأمام الدول المعادية للإسلام السياسي، يصف الحوثيون المعركة بأنها قتال ضد جماعة "الإخوان المسلمون" وفرعها اليمني "الإصلاح"، الذي يسيطر على مأرب. وأمام المجتمع الدولي، يصف الحوثيون المعركة بأنها قتال ضد "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"، بالرغم من أن هذه التنظيمات تعمل في أقصى جنوب اليمن، بعيدًا عن المناطق التي يقاتل الحوثيون فيها الآن.

وقد أدى ارتفاع حصيلة القتلى في المعركة إلى تنفير القاعدة الأساسية للتجنيد العسكري في محافظة ذمار، وقد يؤدي فشلهم في الاستيلاء على مأرب إلى تقويض خططهم للسيطرة على الساحل الغربي ومضيق باب المندب. ويمكن لنتيجة هذه المعركة، مهما كانت غير حاسمة أن تحدد المسار المستقبلي للحرب نفسها وكذلك نفوذ إيران في البلاد.

في جنوب شرق اليمن، يعارض مجلس الإنقاذ الوطني الجنوبي، الذي ظهر عام 2019، المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي. ويسعى إلى العمل مع الجماعات اليمنية الأخرى لإطلاق نظام سياسي جديد لا مركزي يعترف بالتعددية. كما يجرى العمل على إنشاء جبهة الإنقاذ الوطني المتمركزة في الشمال وستضم الحراك الجنوبي الذي هو حاليًا على خلاف مع المجلس الانتقالي الجنوبي والإصلاح والمؤتمر الشعبي.

وتدعم السعودية الآن "طارق عبدالله صالح"، الذي انشق عن معسكر الحوثيين بعد أن قتلوا عمه الرئيس السابق "علي عبدالله صالح". وقام "طارق صالح" بطرد لواء "العمالقة" السلفي الانفصالي المدعوم من الإمارات. ومن المرجح أن تنضم قوات "صالح" إلى الجيش اليمني في مرحلة ما بعد الصراع مع ظهور تشكيلات سياسية جديدة استعدادًا لمزيد من محادثات السلام.

ومع ذلك، فإن الفصائل راسخة على مواقفها. يسيطر الحوثيون على معظم الشمال بينما يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي معارضة شديدة في الجنوب. وقد أنشأ "الإصلاح" حكومته المنفصلة عن حكومة "هادي" كما أنشأ المجلس الانتقالي الجنوبي إدارة ذاتية في عدن والمناطق المحيطة بها. وفي الوقت نفسه، فإن الرعاة الأجانب لديهم أهداف جانبية، فالإمارات تريد تقسيم اليمن، فيما تتنافس عُمان والسعودية على النفوذ في محافظة المهرة، وتستخدم إيران الحوثيين كورقة مساومة في محادثاتها النووية مع الولايات المتحدة.

ومن غير المرجح أن يتوقف هؤلاء اللاعبون الأجانب عن التدخل في شؤون اليمن في أي وقت قريب حيث تكمن مشكلة اليمن في هيكله الاجتماعي الذي جعله في حاجة مستمرة للمساعدات الخارجية مما يسهل على جيرانه اجتذاب المجموعات اليائسة لتجنيدها لصالحهم.

المصدر | هلال خاشان - جيبوليتكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التدخل الخارجي في اليمن الحوثيون طارق عبدالله صالح التدخل الإيراني في اليمن القات الإصلاح المجلس الانتقالي الجنوبي الحراك الجنوبي حرب اليمن السعودية

هجوم مأرب.. الحوثيون يحاصرون مليوني يمني من 3 جبهات