استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عودة قضية فلسطين في سياق التاريخ

الأربعاء 12 مايو 2021 06:45 ص

عودة قضية فلسطين في سياق التاريخ

التاريخ مرهون بالعنصر البشري دون غيره مهما افتقد من الدروع والحداثة ليست لعبة غير عادلة تحوِّل التاريخ لآلة سيطرة حتمية فيزيائية.

ننظر إلى القدس لنعرف أن التاريخ لا يسير وفقًا لإرادة السفلة لكنه يضطر لذلك فقط إن تقاعس الفاعلون الآخرون في المشهد عن امتلاك إرادتهم الخاصة.

تعود قضية فلسطين بعد أن تغيَّرنا فلم نعد مكتوفي الأيدي كما كُنا رغم أن القيود عادت أشد مما كانت بعد فترة وجيزة من تنفُّس الصعداء مطلع العقد الماضي.

سيعاود التاريخ سريانه مجددًا بعد أن نلتقط أنفاسنا ولعله يفعل في أشد لحظات تبجُّح أعدائنا وشعورنا بالإنهاك تمامًا كما فعل مع الفلسطينيين مؤخرا.

من كان يصدِّق أن تصبح أطروحة نهاية التاريخ أضحوكة في وقت قصير وأن يستدرك صاحبها نفسه تسرُّعه ويعيد الاعتبار لحركة التاريخ الدائرة صعودًا وهبوطًا.

شهدنا صلة عضوية وثيقة بين قضية فلسطين ونسيج السياسة العربية فالقضية ترسم بشكل شبه حصري بدايات ونهايات الحقب المختلفة في التاريخ العربي.

*     *     *

تعود قضية فلسطين لبؤرة الضوء لأول مرة بعد عقد كامل من الانشغال بملفات سوريا وليبيا واليمن التي بدأت بعد الثورات العربية وعلى مدار عقد كامل.. كأننا عُدنا فجأة إلى وقت الانتفاضة الأولى مطلع الألفية.

العالم يتغيَّر تغيُّرًا سريعًا لكنه بنفس الوقت يعود كالماء للجريان في مجاريه المعتادة ليؤكِّد على قضايا جوهرية لا يمكن إغفالها وإن أغفلناها! وكأنها حُفَرٌ غائرة في نسيج التاريخ لا يسع أحداثه الجارية أن تتجاوزها. وكأنها تلك القواعد الرياضية والعلمية التي رأيناها تتكرر بمناهج دراسية كل عام لما تحويه من مركزية في تطبيقات ونظريات العلوم.

تعود قضية فلسطين أيضًا بعد أن تغيَّرنا. لم نعد مكتوفي الأيدي كما كُنا. ليس بالضبط. صحيح أن القيود عادت أشد مما كانت بعد فترة وجيزة من تنفُّس الصعداء مطلع العقد الماضي.

لكنها عادت بعد أن تسرَّبت حقيقة لم يعد بالإمكان حبسها من جديد.. أن العمل الجماعي والتعبئة الشعبية من أجل قضية ما، الذي هو ناموس التاريخ البشري، والتاريخ الحديث تحديدًا؛ ليست أشياء مستحيلة.

وأن ما نظنَّه أمرًا منتهيًا، ليس منتهيًا حين نقرر أن نعيد فتح صفحاته من جديد، وأن القضية المنسية التي "لها الله"، نحن لها أيضًا إن أردنا وعملنا من أجلها بدأب وبوسائل حديثة باتت تيسِّر لنا، أكثر من أي جيل سبقنا؛ إمكانيات التوعية والتحرُّك والتحرُّر.

وأن القضايا التي أنهكتنا مُعلَّقة فقط حالما نلتقط أنفاسنا، وحالما تدور عجلة الأحداث فتعيدنا إلى بؤرة الضوء دون ترتيب مُسبَق بالضرورة، فتنفجر بداخلنا ينابيع طاقة وكأنها مدد من السماء. أمنهكون نحن حقًا من عقد واحد فحسب؟ وماذا عمَّن أنهكهم عدوٌ على مدار سبعة عقود ونيف؟

تعود قضية فلسطين إلى بؤرة الضوء بعد ما بدا العام الماضي أنه إسدال ستار قبيح عليها ممن اعتُبِروا أشقاءها. وبعد ما رأينا تبجُّحًا وسفالة غير مسبوقين من الأطراف نفسها التي أذاقتنا المرَّ لأننا فعلنا فحسب ما يفعله الفلسطينيون منذ سبعة عقود!

حاولنا رسم مصيرنا بأنفسنا. قبل عشرة أعوام رأينا الحقيقة. ولم يعد العالم يبدو لنا مؤامرة ومسرحية منصوبة للسخرية منا والالتفاف علينا كما كان سابقًا.

وباتت تلك العدسة القومية التي تشبَّعنا بها من المنابر الرسمية تارة، ومن منابر إسلامية استلمت زمام تلك المسحة القومية في خطابها تارة أخرى؛ منتهية الصلاحية.

لقد بدا لنا هذا العالم الحديث شديد الصلابة طوال الوقت، عصيًا على التزحزح، لكنه أثبت في العقدين الأخيرين أنه هشًا ومرنًا أيضًا، وأن الأساطير التي صنعناها عن الحداثة والغرب أخفت جوانب كثيرة شديدة التركيب فيهم، وكأننا نحن دون غيرنا من نصبناهم آلهة، فسلبنا أنفسنا إمكانية التغيير دون أن ندري.

أما العالم فلا يُدار من واشنطن أو نيويورك أو موسكو كما تقول أساطير قومية الصُنع. العالم يدور ولا يُدار، ويدور بواسطة كل من أراد أن يكون فاعلًا فيه.

من كان يصدِّق أن الولايات المتحدة، التي وصلت لذروة سلطانها في التسعينيات ومطلع الألفينات، وتخطَّت المقبول وغير المقبول جيوسياسيًا في البلقان وفلسطين والقرن الأفريقي والعراق وأفغانستان، تقف اليوم حائرة بأوراق محدودة بين موازنة صعود الصين، وعودة موسكو إلى المغامرات العسكرية، وتجلس على طاولة واحدة مع طالبان.

من كان يصدِّق أن يصبح ألمانيا، عُقدة العُقَد قبل مئة سنة، ومعقل الاستبداد والفاشية، إحدى أكثر الدول تمدُّنًا ورفاهًا. من كان يصدِّق أن تصبح أطروحة "نهاية التاريخ" أضحوكة في ذلك الوقت القصير، وأن يستدرك صاحبها نفسه تسرُّعه ويعيد الاعتبار لدوائر التاريخ الدائرة صعودًا وهبوطًا.

من كان يصدِّق أن تستطيع أذربيجان، تلك الدولة الهشة الضعيفة التي لم تملك سوى نفطها وغازها للتصدير؛ استعادة ما فقدته لصالح أرمينيا في وقت وجيز نسبيًا رغم ما حازته الأخيرة من دعم روسي.. من كان يصدِّق أن تصبح الصين، بلد المجاعات؛ الاقتصاد الأول عالميًا.

العالم الذي نظرنا له بوصفه آلة نيوتنية غير عضوية وغير متصلة بنا) يديرها صُنَّاعُها، وعبثًا حاولنا الفكاك منه.. يثبت اليوم أنه كائن دارويني تدُب فيه الحياة وفق قواعدها الخاصة، وأننا متشابكون معه ولإرادتنا نصيب لا بأس به في تطوره ذاك. كل شيء قابل للتغيير، كل شيء بمعنى كل شيء فقط إن سعينا وبدأب..

السهولة التي سقطت بها الأنظمة العربية بعد أيام وأسابيع معدودات من التواصل بدأب تقول الحكاية كلها.. وكأننا أطلقنا العنان لجنيِّ لم تعلم الأجيال السابقة بأنها حازته بين أيديها. وفعلناها بنفس وسائل الحداثة التي لعنَّاها قبلًا. صرنا جزءًا من العالم الحديث، وصناعًا لمساراته، لا ضحايا له فحسب.

لكن لعلنا افتقدنا الدأب والتنظيم الكافيَّين لشق مسار طويل الأمد.. لكن قضايانا، مثلها مثل قضية فلسطين؛ أحدثت شقًا غائرًا هي الأخرى لن يسع التاريخ تجاوزها مهما بدا من تبجُّح وسفالة من يحاولون إسدال الستار علينا.

وسيعاود التاريخ سريانه مجددًا بعد أن نلتقط أنفاسنا، ولعله يفعل في أشد لحظات تبجُّح أعدائنا وشعورنا بالإنهاك، تمامًا كما فعل مع الفلسطينيين على مدار الأيام الماضية.

ثمَّة صلة عضوية وثيقة شهدناها مرارًا بين قضية فلسطين ونسيج السياسة العربية، كأنها زر "إعادة التعيين" أو Reset. فتلك القضية بشكل شبه حصري ترسم بدايات ونهايات الحقب المختلفة في التاريخ العربي.

ولعل هذا العقْد الذي تبدو معه أشياءٌ عدة وقد رسخت، على موعد مع إعادة تعيين، لا سيما والعالم بأسرة في حالة شبيهة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية بسبب الوباء.

سيكون مهمًا باستمرار أن ننظر إلى القدس لنعرف أن التاريخ لا يسير أبدًا وفقًا لإرادة السفلة، لكنه يضطر لفعل ذلك فقط إن تقاعس الفاعلون الآخرون في المشهد عن أن يمتلكوا إرادتهم الخاصة.

وأن التاريخ مرهون بالعنصر البشري دون غيره، مهما افتقد من الدروع، وأن الحداثة، على عكس ما تقول أساطيرنا وأساطير بعض الفلاسفة المُعادين لها؛ ليست لعبة غير عادلة تحوِّل التاريخ لآلة سيطرة حتمية فيزيائية.

بل الأحرى أنها تمنح وسائل وتفتح مسارات لتمكين الفرد كفيلة بإحداث التوازن المطلوب، فقط إذا كان هنالك دأب والتزام وتنظيم حقيقي من أصحاب القضية بقضيتهم.

نظرة عابرة على ما تبدَّل في مصائر الأمريكيين والبريطانيين والصينيين والروس والهنود؛ كفيلة بأن تشي لنا بأن التاريخ يسري، كما كان دومًا، وفقًا لقواعده "الخلدونية" الدائرية المعتادة!

وأن تلك الدوائر تدور وفقًا لما يستثمره العنصر البشري من جهد، ومثلما إنه ما من إرادة خفية تحرِّكه كالآلة خلف الستار، فإنه ما من عناية إلهية مباشرة تنتشلنا دونما مبادرة منا في نهاية المطاف. والله أعلم.

* نهى خالد باحثة في الاجتماع السياسي

المصدر | facebook.com/insan1411

  كلمات مفتاحية

فلسطين، القدس، التارريخ، الأنظمة العربية، الثورات العربية، أمريكا، إرادة السفلة،

10 ملايين مشاهدة لفيديو ناشطة مصرية يحكي قصة احتلال فلسطين