هل حان الوقت لتغيير السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل؟

الثلاثاء 25 مايو 2021 12:08 ص

أعلن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" انتصار إرادته بالوصول لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس بعد 6 مكالمات هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"؛ على مدار 11 يوما.

وفي بداية الحرب، تجنبت إدارة "بايدن" ذكر مصطلح "وقف إطلاق النار"، وبدلا من ذلك، تحدث وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" عن "الهدوء الدائم"، وكأنه يتجنب مصطلح قد يؤثر على هجوم "نتنياهو" العسكري الذي "سيستغرق بعض الوقت". لكن يبدو أن دعم الرئيس الأمريكي للحملة الإسرائيلية قد تلاشى مع إصرار إسرائيل على مواصلة سياسة العقاب الجماعي ضد القطاع الساحلي المحاصر، كما فعلت في مناسبات عديدة من قبل.

وخلال أيام الحرب، لم يفوت "بايدن" وإدارته أي فرصة لتأكيد دعمه لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" ضد الهجمات الصاروخية من غزة. وأدى هذا الحق في الدفاع عن النفس، حتى كتابة هذه السطور، إلى مقتل نحو 227 فلسطينيا، من بينهم 64 طفلا، وإصابة أكثر من 1700، فيما أدت الهجمات الصاروخية من غزة إلى مقتل 12 إسرائيليا، وإصابة نحو 300 آخرين. وقُتل نحو 20 فلسطينيا آخر في الضفة الغربية في اشتباكات مع قوات الاحتلال. وبحسب الأمم المتحدة، تم تهجير 58 ألفا من فلسطيني غزة من منازلهم بسبب القصف الإسرائيلي العشوائي لأحياء القطاع.

ومن الصعب تفسير اعتراض إدارة "بايدن" على وقف فوري لإطلاق النار بعيدا عن الرغبة في منح الآلة العسكرية الإسرائيلية مزيدا من الوقت لإلحاق المزيد من الضرر بقطاع غزة الفقير وشعبه المحاصر بالفعل.

ومن المؤكد أن إسرائيل نجحت مرة أخرى في جعل الولايات المتحدة، والآن إدارة "بايدن"، في أن تكون متواطئة في سياساتها وممارساتها. وبالنظر إلى الاحتجاج المحلي والدولي ضد الاعتداء الإسرائيلي الأخير على الفلسطينيين في غزة والقدس، فإن موقف "بايدن" الأولي كان سيتسبب في تدهور خطير في مصداقية الولايات المتحدة وفي جهده المزعوم باستعادة مكانة الولايات المتحدة بصفتها المدافع الأول عن حقوق الإنسان والقانون الدولي حول العالم.

أين تقف الإدارة الأمريكية؟

وفي مراحل مختلفة من الاتصالات مع إسرائيل وقادتها منذ اندلاع الاحتجاجات في حي الشيخ جراح في القدس خلال شهر رمضان، أظهر "بايدن" ومسؤولو الإدارة تفضيلا واضحا للرواية الإسرائيلية للأحداث. وربما يكون وعد "بلينكن" خلال الحملة الرئاسية، باحتواء الخلافات بين إدارة "بايدن" وإسرائيل، هو السبب. ومن المحتمل أيضا أن يكون السبب هو إحجام الرئيس عن تكريس الكثير من الوقت للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الوقت الذي يركز فيه على معالجة برنامج إيران النووي والمخاوف الداخلية المتعلقة بـ"كوفيد-19" والاقتصاد وتغير المناخ، من بين أمور أخرى.

وربما يكون مزيجا محتملا بين السببين مع سجل "بايدن" الحافل بالدفاع الكامل عن إسرائيل. لكن ما هو مؤكد هو أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت استجابة فاترة للأسف من إدارة شابة مكلفة بتدشين سياسة خارجية جديدة تستعيد البوصلة الأخلاقية المفقودة خلال 4 أعوام من إدارة "ترامب". وتتطلب استعادة هذه الأرضية الأخلاقية بعض الالتزام بمتطلباتها، مثل تكريس الوقت والطاقة بطريقة هادفة.

ومع استمرار الصراع، كرر وزير الدفاع "لويد أوستن" التزام البنتاجون "الصارم" بأمن إسرائيل، وهو الموقف الذي أعلنه في أبريل/نيسان الماضي. وأرسلت الإدارة نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون إسرائيل والفلسطينيين "هادي عمرو" لمحاولة تهدئة الموقف بين إسرائيل وحماس. وأثناء قيامه بمهمته، واجه "عمرو" بلا شك تحديا من تردد الإدارة الواضح في التشكيك في السياسات والممارسات الإسرائيلية. كما لم يجد آذانا صاغية لدى المسؤولين الإسرائيليين الذين كانوا يرغبون في مزيد من الوقت لتقويض قدرات حماس العسكرية.

ومع تزايد الخسائر في غزة وتزايد المشاعر السيئة مع مرور كل يوم، وجد "عمرو" على الأرجح أن التفاوض مع الفلسطينيين لن يكون مفيدا، خاصة بسبب الموقف الأمريكي. وبالرغم من خبرته، وجد "عمرو" أن مهمته هي مجرد "سد خانة" بينما تتردد الإدارة في موقفها من إسرائيل. وبينما كان "عمرو" يلتقي مسؤولين من الشرق الأوسط، كانت الولايات المتحدة تحبط محاولات دولية في الأمم المتحدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وفي 16 مايو/أيار، وللمرة الثالثة خلال أسبوع، منعت الولايات المتحدة إصدار بيان في مجلس الأمن يدعو إلى وقف الأعمال العدائية.

وبررت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة "ليندا توماس جرينفيلد" هذا الإجراء بالقول إن "إدارة "بايدن تعمل بلا كلل من خلال القنوات الدبلوماسية لإنهاء القتال، بمجرد أن يقرر طرفا الصراع القيام بذلك".

وكان هذا ادعاء مثيرا للاهتمام؛ لأن الأخبار أظهرت أن الإدارة قدمت في 5 مايو/أيار طلبا إلى الكونجرس لتزويد إسرائيل بقنابل ذكية وذخائر بقيمة 735 مليون دولار، في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تستهدف المراكز الإعلامية والمرافق الصحية والمباني السكنية في سعيها الدؤوب لارتكاب جرائم حرب في غزة.

وربما كان الإعلان الأكثر أهمية من قبل الولايات المتحدة منذ بداية العملية العسكرية هو تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية بأن الإدارة قلقة بشأن إخلاء الفلسطينيين من حي الشيخ جراح في القدس، حيث عاشوا "لأجيال". وجاء ذلك في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الإسرائيلية تصف الطرد والتهجير بأنه نزاع "عقاري" تستغله السلطة الفلسطينية و"الجماعات الإرهابية" على حد وصفها.

ولكن في الوقت نفسه، لم تبذل الإدارة أي جهد لإلغاء إعلان الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" القدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان المحتلة. كما لم تتخذ الإدارة الأمريكية خطوات في سبيل إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس والتي تتعامل مع الفلسطينيين.

ويشار إلى أن "بايدن" لم يعين بعد سفيرا أمريكيا لدى إسرائيل يمكنه محاولة عكس الانحياز المطلق الذي مارسه السفير السابق لدى إسرائيل، "ديفيد فريدمان".

الخسارة التدريجية للقاعدة السياسية

ويعد إحجام إدارة "بايدن" عن انتقاد تصرفات إسرائيل أو إحداث بعض التغيير في مسار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية استمرارا لموقف دام عقودا لا يمكن الافتراض أنه سيتغير بين عشية وضحاها. لكن التغيير يحدث، وإن كان ببطء وبشكل تدريجي، بين القاعدة السياسيةالداعمة لإسرائيل في الولايات المتحدة.

ويحدث مثل هذا التغيير أيضا في الرأي العام الدولي تجاه إسرائيل والفلسطينيين، كما ظهر في احتجاجات لا تعد ولا تحصى في العديد من العواصم ضد العدوان الإسرائيلي على غزة.

وما تزال إسرائيل تحظى بتأييد كبير بين عموم الجمهور الأمريكي، بنسبة تصل إلى 75% وفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة "جالوب" مؤخرا. لكن استطلاعا آخر أجرته المنظمة قدر الدعم التراكمي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة بنسبة 55%. وكانت هناك زيادات في هذا الدعم بين عامي 2019 و2020 عبر الطيف السياسي للمستقلين بزيادة 3% إلى 57%، والديمقراطيين بزيادة 8% إلى 70%، والجمهوريين بزيادة 11% إلى 44%.

وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، تم تنظيم العديد من الاحتجاجات في المدن الأمريكية ضد السياسات الإسرائيلية ودعما لحقوق الفلسطينيين وقد شارك مئات الآلاف من الأمريكيين في هذه التظاهرات. ومن المؤكد أن تدفق المشاعر كان غير مسبوق في المجتمع الأمريكي، ونتج بعضها عن وعي أعمق بالقضية الفلسطينية، لكن ربما يكون السبب الرئيسي هو الزيادة الملموسة في المبادئ التقدمية داخل الطيف السياسي الأمريكي.

وقد أصبح الكونجرس الأمريكي ساحة معركة جادة بين داعمي الموقف الأمريكي التقليدي بشأن إسرائيل وأصحاب الآراء التقدمية الواعية. ومع استمرار النواب الجمهوريين في الدفاع علنا عن السياسات الإسرائيلية، في حين ينتقدون "بايدن" لما سموه بدعمه الضعيف لإسرائيل، يشهد الديموقراطيون تحولات دراماتيكية. ومن السيناتور "بيرني ساندرز" إلى أعضاء مجلس النواب التقدميين، إلى مجموعة كبيرة نسبيا من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، تتعرض الإدارة لضغوط كبيرة ليس فقط لتكون أكثر إنصافا ولكن أيضا للتنديد بسياسات إسرائيل وممارساتها.

ووقعت أكثر من 140 منظمة تقدمية أمريكية بالإضافة إلى مشاهير الناشطين على بيانات تطالب بتغيير جذري في موقف الولايات المتحدة. وكان الأمر اللافت والذي لم يح'ى بتغطية مناسبة هو دعوة نصف الأعضاء اليهود الديمقراطيين في مجلس النواب لمزيد من المشاركة من قبل الإدارة في وقف إراقة الدماء في غزة؛ في الوقت الذي كان "بايدن" لا يزال مترددا بشأن الدعوة إلى وقف إطلاق النار.

وأصدر أكثر مؤيدي إسرائيل حماسة في مجلس الشيوخ، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ "روبرت مينينديز"، وهو ديمقراطي من نيو جيرسي، بيانا لاذعا بعد تدمير إسرائيل لمبنى يضم مؤسسات إعلامية في غزة.

ولم يتردد زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ "تشاك شومر"، وهو ديمقراطي من نيويورك مؤيد لإسرائيل، في التوقيع على بيان من الحزبين يطالب بوقف إطلاق النار في غزة بالرغم من رفض إسرائيل لذلك. ورفض زعيم الأقلية "ميتش مكونيل" البيان، حتى لا يشكك أحد في ولائه لإسرائيل.

استعادة المصداقية الأمريكية

وسيكون من قبيل التمني أن تخسر إسرائيل، في أي وقت قريب، الدعم الواسع من الحزبين والذي تحظى به منذ عقود. علاوة على ذلك، سيكون من الحماقة تجاهل النفوذ الذي يمارسه أنصارها والمدافعون عنها، ليس فقط في العاصمة الأمريكية ولكن أيضا في جميع أنحاء البلاد.

وقد سمح الدعم الشعبي لإسرائيل، خاصة بين المسيحيين الإنجيليين اليمينيين، بتمرير إجراءات تشريعية وإدارية تجرم عمليا انتقاد إسرائيل وربط ذلك بشكل أو بآخر بمعاداة السامية.

ولكن التغيير الذي يحدث حاليا في التيار السائد في الولايات المتحدة يعد أمرا لافتا. ولا يستطيع "بايدن" وإدارته تجاهل الأمر والاستمرار في التظاهر بأن إسرائيل لا ترتكب أي خطأ والدفاع عنها محليا ودوليا طوال الوقت.

وينبغي أن تهتم الإدارة الأمريكية بمصداقياتها وتتجنب المواقف التي تظهرها بمظهر النفاق الواضح في ادعائها السعي لاستعادة البعد الأخلاقي في سياستها الخارجية واحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي بينما تدافع عن الأفعال الإسرائيلية.

ومن المؤكد أن "بايدن" لن يكون قادرا على الضغط على روسيا للانسحاب من الأراضي الأوكرانية المحتلة أو على الصين لاحترام "الإيجور" إذا استمر في التستر على جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة ومحاولاتها المستمرة لطرد المزيد من الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم.

المصدر | عماد حرب - المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سيف القدس غزة تحت القصف المقاومة الفلسطينية الشيخ جراح اقتحام المسجد الأقصى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية الكونجرس القضية الفلسطينية معركة غزة جو بايدن

مجلس النواب الأمريكي.. تحركات ديمقراطية لوقف صفقة أسلحة أقرها بايدن لإسرائيل