تقارب يخصم من رصيد الإمارات.. الوساطة النزيهة مفتاح عودة الثقة بين القاهرة والدوحة

الأحد 30 مايو 2021 04:52 م

"السيسي يمثل الشرعية المنتخبة في مصر".. هكذا صرح وزير الخارجية القطري الشيخ "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني" لدى زيارته القاهرة، الأسبوع الماضي، واستقباله من قبل الرئيس المصري (عبدالفتاح السيسي)، ما اعتبره مراقبون تتويجا لطي صفحة الخلاف بين الدوحة والقاهرة.

حرص الوزير القطري على تأكيد أن بلاده ترى أن مصر من الدول الكبرى في المنطقة وتلعب دورا قياديا في الملفات الإقليمية، وأشار إلى أن اللقاء مع "السيسي" كان إيجابيا جدا، قائلاً: "نقدر استقباله لنا، ووجدنا روحا أخوية من ناحيته، وكانت هناك اتصالات هاتفية بين أمير قطر والرئيس المصري سواء في شهر رمضان أو عيد الفطر، وهذه خطوات إيجابية".

وجاء الحد الأدنى من المصالح الاقتصادية والإنسانية بمثابة "المفتاح" لإعادة العلاقات بين القاهرة والدوحة إلى وضعها السابق للأزمة الخليجية، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية القطري في مقابلة تلفزيونية، قائلا: "علاقتنا مع مصر مرت بمراحل فيها توترات كثيرة ولكن كان هناك حفاظ على الحد الأدنى للعلاقة حتى في مرحلة الأزمة، سواء من ناحية عدم مس الاستثمارات القطرية أو تسهيل بقاء الطلاب القطريين في مصر وهذا كان مقدر من جانب قطر".

وبدا واضحا من استقبال "السيسي" وتصريحات الوزير القطري أن تطورا نوعيا تمر به العلاقة بين الجانبين، إلى حد توجيه أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، دعوة إلى "السيسي" لزيارة الدوحة، بحسب ما أفادت الرئاسة المصرية، في بيان رسمي.

دور الإمارات

وفي ظل تصاعد حدة الخلافات بين مصر والسودان من جانب، وبين إثيوبيا من جانب آخر حول ملف سد النهضة، بدأت قطر تحركاتها للتدخل كوسيط لتقريب وجهات النظر وحل الأزمة بشكل دبلوماسي.

وفي هذا الإطار، أفادت وكالة الأنباء الإثيوبية، يوم الخميس، بأن وفدا برئاسة وزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية "رضوان حسين" أجرى زيارة عمل إلى دولة قطر، وأجرى محادثات مع وزير الخارجية القطري، تناولت "الوضع الحالي لسد النهضة والتعليقات التي أثيرت بشأنه" والعلاقات بين إثيوبيا وقطر، فضلا عن القضايا الإقليمية".

"نزاهة الوساطة" هي العنوان الرئيس لقبول القاهرة بالتدخل الدبلوماسي القطري، الأمر الذي يخصم من رصيد الإمارات الإقليمي، خاصة أنها عرضت وساطة موازية لم يقبلها السودان.

وتعود "سمعة" نزاهة الوساطة القطرية، إلى عديد المناسبات التي أفضت إلى حل نزاعات إقليمية ودولية، ومنها المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، في مايو/أيار 2019، من أجل مناقشة انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف من أفغانستان، وصولاً إلى "اتفاق الدوحة"، أواخر فبراير/شباط 2020.

ولذا حظي انفتاح الدوحة مؤخرا على القارة الأفريقية، بتقدير دول القارة السمراء؛ وفي هذا الإطار نجحت الدبلوماسية القطرية في وقف العنف والقتال بدارفور جنوب السودان، إذ احتفلت الدوحة، في مايو/أيار 2011، باتفاقية سلام دارفور التي أرست دعائم الأمن والاستقرار هناك.

وآخر تلك الوساطات تمثلت في التدخل القطري لإنهاء الخصومة بين الصومال وكينيا، لتعلن الدولتان، في 6 مايو/أيار 2021، عودة العلاقات بينهما، بعد انقطاعها منذ نحو 5 أشهر، إثر اتهام مقديشو لنيروبي بالتدخل في شؤونها الداخلية.

وعزز من مصداقية نزاهة وساطة الدوحة لدى القاهرة أن الموقف القطري من أزمة سد النهضة ظل ثابتا حتى قبل إنهاء الأزمة بين الدوحة والقاهرة؛ ففي مارس/آذار 2020، أكدت قطر خلال بيان الجامعة العربية الرافض لأي إجراءات إثيوبية أحادية تتعلق بسد النهضة، "دعمها القاهرة وتأييدها في أي إجراءات تتخذها في الظرف الصعب الذي تمر به".

ويرى المحلل السياسي المصري "ياسر عبدالعزيز" أن النظام المصري "أيقن أن الدور الإماراتي لم يكن إيجابياً، حيث وعدت أبوظبي أكثر من مرة بالتدخل في ملف السد، كما أنها شريكة فيه"، وفقا لما أورده موقع "الخليج أون لاين".

وجاء تطور التعاون الاقتصادي بين قطر ومصر ليدعم تحول بوصلة السياسة الخارجية المصرية، خاصة بعدما كشف تقرير حديث لجهاز الإحصاء المصري عن ارتفاع قيمة الاستثمارات القطرية في مصر خلال عام 2020 بتسجيلها 679.4 ملايين دولار، مقابل 382.2 مليون في 2019، بنمو 77.8%.

وتتجاوز الاستثمارات القطرية بمصر 5 مليارات دولار في مختلف المجالات، وكان آخرها افتتاح شركة "الديار"، التابعة لجهاز قطر للاستثمار، فندقاً بالقاهرة، في يناير/كانون الثاني الماضي.

وفي السياق، اعتبر المحلل القطري "عبدالله خاطر" أن تمتع قطر بسمعة "الوساطة النزيهة"، وبعلاقات قوية مع مختلف دول القرن الأفريقي وإثيوبيا، يمكن أن يمكنها من إيجاد حلول في ملف سد النهضة، وفقا لما أوردته وكالة "سبوتنيك" الروسية.

وأوضح أن قطر تملك الكثير من الأوراق لدفع التفاوض إيجابا، منها القدرة على الاستثمار، مضيفا: "لذلك قد تفاجئنا قطر على قدرتها على حل المعضلات على المستوى الإقليمي والعالمي".

خصم إقليمي

وهنا يشير "خاطر" إلى خصم آخر من الرصيد الإقليمي للإمارات في السنوات القليلة الماضية، حيث قدمت نفسها كعراب للتطبيع العربي مع إسرائيل، وأقرب الدول العربية لدولة الاحتلال بزعم أن ذلك يمكنها من النفوذ اللازم لتحقيق تسوية القضية الفلسطينية، وهو ما أثبتت حرب غزة الأخيرة والتوترات في عموم الأراضي الفلسطينية أنه خارج قدرة أبوظبي بالمطلق.

فجهود وقف إطلاق النار اشتركت فيها القاهرة والدوحة، وهو ما أقره رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الفلسطينية "إسماعيل هنية" موجها شكره لكلا البلدين.

هذا يعني أن تعزيز دور الوساطة القطرية من شأنه استعادة مصر لدورها الإقليمي الذي ظل مفقودا منذ الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد (محمد مرسي) في 3 يوليو/تموز 2013، ولذا بدا واضحا أن القاهرة ترحب بالتنسيق مع الدوحة على أكثر من صعيد.

لكن استعادة هذا الدور تتهدده مخاطر، منها سعي الإمارات لإنشاء قاعدة عسكرية بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر بجزيرة "بريم" اليمنية، ما يضر بمصر ويفتح الباب لسيطرة إسرائيلية كاملة على البحر الأحمر بعدما أصبح "تيران" مضيقا دوليا عقب تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، حسبما نقل موقع "عربي 21" عن السياسي المصري "مجدي حمدان".

ويرى "حمدان" أن "الإمارات لم تكن طرفا نزيها بملف السد الإثيوبي، ولها استثمارات كبيرة بإثيوبيا وبمنطقة السد"، متوقعا أن "يكون تأثير قطر بالأزمة مباشرا".

وفي هذا الإطار يمكن قراءة ما نقله موقع "مدى مصر" عن مصدرين حكوميين بشأن استياء القاهرة من تحركات إماراتية ضد المصلحة المصرية، سواء في ملف سد النهضة، أو عبر التنسيق المباشر مع إسرائيل وقبرص واليونان بشأن منتدى غاز شرق المتوسط، دون العودة إلى مصر في هذا الشأن.

وهنا يشير المحلل القطري "علي الهيل" إلى إمكانية "نشوء تحالف رباعي بين قطر والسعودية وتركيا ومصر، سيمثل تجاوزاً حقيقياً لدور الإمارات الإقليمي"، لافتا إلى أن السر وراء هذا "التحالف" هو أن أبوظبي تجاوزت مبادرة السلام العربية و"طبّعت بشكل مجاني مع إسرائيل بحثاً عن مصالحها الخاصة"، وفقا لما أورده موقع إذاعة صوت ألمانيا (DW).

وفي ضوء هذه التطورات، يرى الباحث في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي بحسب "إتش أيه هيلير" أن زيارة وزير الخارجية القطري الأخيرة للقاهرة ودعوة السيسي لزيارة قطر يعني أن المصالحة بين القاهرة والدوحة ليست مجرد إجراءا شكليا، وفقا لما أوردته وكالة "أسوشيتد برس".

وأشار إلى أن التطور السريع للعلاقات الثنائية للدولتين "يلقي بظلاله بالتأكيد على الترتيبات الجيوسياسية القائمة في المنطقة"، ويمكن أن يكون المحرك الأول لإعادة تنظيم الولاءات الإقليمية.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

قطر مصر القاهرة الدوحة عبدالفتاح السيسي محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الإمارات غزة إسرائيل تميم بن حمد آل ثاني سد النهضة إثيوبيا السعودية تركيا

مشيدا بدور مصر وقطر.. الاتحاد الأوروبي يرحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة