تغير سياسة تركيا في الشرق الأوسط يظهر حاجتها لتكوين حلفاء

الثلاثاء 1 يونيو 2021 02:56 ص

تدهورت العلاقات التركية المصرية في فترة ما بعد 2013 بشكل غير مسبوق، فقد كانت تركيا أشد المعارضين للانقلاب المصري عام 2013 الذي أطاح بـ"محمد مرسي"، أول رئيس إسلامي منتخب ديمقراطياً في البلاد، في حين أصبحت إسطنبول إحدى الوجهات الرئيسية للمعارضين المصريين الفارين من حملة القمع التي أعقبت الانقلاب.

ونتيجة لذلك، تراجعت علاقات أنقرة مع نظام "عبدالفتاح السيسي" والمعسكر المناهض للربيع العربي الذي شمل السعودية والإمارات، وتفاقم الشقاق بالصراع الليبي وأزمة شرق البحر المتوسط​.

ما بعد الربيع العربي

لكن تركيا الآن تعيد ضبط سياستها في الشرق الأوسط، حيث تستخدم لغة أكثر تصالحية، والأهم من ذلك، أنها تتخذ خطوات لإصلاح العلاقات مع مصر عبر وفد تركي يزور القاهرة برئاسة نائب وزير الخارجية "سادات أونال"، كما يُتوقع أن يجتمع وزيرا خارجية البلدين في نهاية مايو/أيار.

وبالنسبة لأنقرة، فإن اتفاقية ترسيم حدود مع مصر في شرق البحر المتوسط ​​تفوق كل الاعتبارات الأخرى لأن مثل هذه الاتفاقية تمنع بشكل أكبر ظهور نظام إقليمي للطاقة والأمن في شرق البحر المتوسط ​​يستبعد تركيا، لكن أولوية مصر هي الصراع الليبي ووجود المعارضين المصريين ووسائل الإعلام في إسطنبول.

وبالنظر إلى المخاوف الأمنية والحدودية المشتركة بين البلدين (مسألة ليبيا بالنسبة لمصر تشبه مسألة سوريا بالنسبة لتركيا) فإن السياق الأوسع لجهود التواصل التركي تجاه مصر يأتي في إطار شعور سائد في أنقرة بأن الشرق الأوسط يمر بمرحلة ما بعد الربيع العربي، مع تراجع أهمية الإسلام السياسي -وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين- في السياسة الإقليمية بشكل كبير.

التوصل لأرض وسط

لن يحدث تطبيع كامل للعلاقات، وإنما غالبًا ما ستلتقي تركيا ومصر في أرض وسط في أحسن الأحوال، ومن غير المرجح أن توقع مصر اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع تركيا في شرق البحر المتوسط ​​في أي وقت قريب، لكنها ستضع في اعتبارها الحدود البحرية التي تطالب بها تركيا ومعايير الاتفاقية البحرية التركية الليبية عند توقيع اتفاقيات مع دول ثالثة أو شركات طاقة دولية.

ورداً على ذلك، من المرجح أن تتبنى تركيا موقفًا أكثر استيعابًا تجاه مصر في ليبيا، لتستجيب أكثر للمطالب المصرية بسحب المقاتلين السوريين الموالين لتركيا من هناك.

لكن هذا الانسحاب سيكون مشروطًا بانسحاب المقاتلين الأجانب الآخرين من ليبيا، بمن فيهم مقاتلو "فاجنر" الروس، وتواصل أنقرة مقاومة مطلب مغادرة القوات التركية، بحجة أن وجودهم هناك نتيجة لاتفاق مع حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة.

ولاسترضاء مصر، تضغط تركيا على وسائل الإعلام المصرية المعارضة التي تتخذ من إسطنبول مقراً لها لتخفيف حدة الانتقادات الموجهة للنظام، لكن من غير المرجح أن تطلب من شخصيات المعارضة المصرية مغادرة تركيا لأن العديد منهم حصلوا على الجنسية التركية أو الإقامة القانونية.

وبالتالي، من المتوقع على هذه الوتيرة أن تتبادل القاهرة وأنقرة السفراء وتعقدان المزيد من الاجتماعات على المستوى الوزاري، لكن الاجتماع على المستوى الرئاسي ليس في الأفق.

تأزم العلاقات مع السعودية

على الصعيد التركي السعودي، أصبحت العلاقات في أزمة عميقة بسبب ثأر شخصي بين ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" والرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، والذي تطور بعد مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول.

وهذا يعني أنه من الصعب تحقيق ذوبان لجليد العلاقات السعودية التركية، في وقت يرجح فيه أن تضطرب العلاقات بين أنقرة وطهران أكثر مع زيادة الخلافات بينهما.

لكن الرغبة التركية في إصلاح العلاقات مع السعودية قوية، كما يتضح من زيارة وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" للرياض على الرغم من الإعلان عن إغلاق 8 مدارس تركية في المملكة وفرض مقاطعة غير رسمية على البضائع التركية.

أما فيما يتعلق بالصراع اليمني، فمن المرجح أن تتبنى أنقرة موقفًا أكثر تأييدًا للسعودية وتستمر في التواصل مع السعودية من أجل تحقيق تقارب.

دوافع تغيير السياسات

الدافع وراء هذه الرغبة في إصلاح العلاقات مع الدول العربية هو حقيقة أن أي اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وإيران من المرجح أن يؤثر على الكتل الإقليمية.

يأتي هذا في وقت تنخرط فيه طهران وأنقرة بشكل متزايد في خلافات حادة، مما يجعل علاقاتهما حاليًا متوترة إلى حد ما، وهذه التوترات المتزايدة في العلاقات التركية الإيرانية تعزز الرغبة التركية في إصلاح العلاقات مع الدول العربية.

ويبدو أننا نشهد الآن أفول السياسة الإقليمية التركية القائمة على العمليات العسكرية، بعد أن كانت رائجة بشكل كبير من 2016 حتى 2020 وخلت نسبيًا من المخاطر بفضل رئاسة "دونالد ترامب" للولايات المتحدة، إلا إن العمليات في العراق من المرجح أن تستمر.

وبالتالي، فإن هناك 3 عوامل رئيسية تشكل النهج التركي الجديد الآن، وتتمثل في الإدارة الأمريكية الجديدة، والاتفاق المحتمل بين الولايات المتحدة وإيران وتأثيره على الكتل الإقليمية في الشرق الأوسط، وإعادة الاصطفاف الجيوسياسي المناهض لتركيا في شرق المتوسط.

ومن منظور السياسة الخارجية الأوسع، من الواضح أن تركيا تعمل جاهدة لإنهاء كل من عزلتها الدولية ووحدتها في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.

المصدر | غالب دالاي - تشاتام هاوس - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا مصر السعودية إيران الولايات المتحدة

مجموعة الأزمات الدولية: تحولات لافتة تغير خريطة الصراعات في الشرق الأوسط