توحد المعارضة.. لحظة فارقة في مسار الحياة السياسية الكويتية

الأربعاء 2 يونيو 2021 01:13 ص

يدرك المراقبون مدى التحديات التي تواجه الديموقراطية في المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة، وفي حين أن بعض هذه التحديات صنعتها عوامل خارج نطاق سيطرة الحكومات، إلا أن هناك عوامل أخرى أنشأتها مصالح النخبة التي تستفيد من الاستبداد والمحسوبية والفساد في العالم العربي.

وفي دول مجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال، يتركز الخطاب عادة على دور الثروة النفطية التي ساعدت بالتأكيد في حل العديد من المشاكل المالية والتنموية لدول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن استخدام السلطات للثروة النفطية لتمويل شبكات المحسوبية، ساهم بشكل كبير في تغييب الديمقراطية وإرساء اللامبالاة تجاه المشاركة السياسية.

ويمكن استثناء الكويت من هذا التصنيف، لكن الوضع هناك هو الأكثر إثارة للاهتمام؛ فبعد أكثر من 50 عاما من تشكيل أول برلمان في الكويت، تواجه الأمة تراجعًا في الممارسات الديمقراطية.

تراجع الديموقراطية في الكويت

جرى الحديث باستفاضة عن الأزمة السياسية الحالية في الكويت، لكن تم إغفال موضوع مهم وهو التراجع الديمقراطي الذي رافقها.

يمكن ملاحظة هذا التراجع بطريقتين؛ أولهما أن المعارضة الكويتية، التي تمكنت من تحقيق انتصار استثنائي في بداية الموجة الحالية من الاضطرابات، لم تتمكن من استخدام أغلبيتها في البرلمان لفرض التغيير بسبب التعارض مع مصالح النخبة القوية.

وثانيا، فإن إطلاق مقاطعة ضد رموز الفساد في الكويت، أدى للكشف عن النوايا الحقيقية للأحزاب الاستبدادية. فمن خلال مزيج من القوة وشبكات المحسوبية النفطية، اتمكن هؤلاء من الاحتفاظ بسيطرة شبه كاملة على الكويت بالرغم من السخط الشعبي الساحق.

سقوط سياسة "فرّق تسُد"

وبالرغم أن هذه الشبكة الفاسدة التي تسيطر عليها النخبة الكويتية لها حصتها من النجاحات، فقد أظهرت الأحداث الأخيرة أنها غير قادرة على المنافسة مع حركة مؤيدة للديمقراطية ذات شعبية حقيقية.

وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، كانت طريقة النخبة الكويتية للحفاظ على السلطة هي تقسيم جماعات المعارضة إلى فصائل أصغر عبر اللعب على الانقسامات الطائفية والدينية والقبلية، مع تحريض تلك الفصائل ضد بعضها البعض لتغطية فساد النخبة.

ولا شك أن هذه الطريقة للتقسيم كانت فعالة للغاية في السيطرة على المجتمع الكويتي وتجاوز التحديات التي تواجه الطبقة الحاكمة.

ومن خلال الاستخدام الماهر لهذه التكتيكات، تمكنت الطبقة الحاكمة الكويتية من الاستمرار في إجراء انتخابات حرة ظاهريًا مع ضمان الفوز في نفس الوقت، لكن هذه التكتيكات لم تعد تعمل.

فقد تزايد الوعي الشعبي مع تصاعد الفساد، وهكذا فإن الطبقة الحاكمة لم تعد قادرة على الفوز في انتخابات حرة. و بدلا من تسليم السلطة إلى فئة ديمقراطية حقيقية، حاولت النخبة كسب الوقت من خلال التسبب في أكبر قدر ممكن من الاضطراب، مما أطال الجمود ووسع الفجوة بين الشعب وحكامه.

وبعد فوز المعارضة الحاسم في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2020، اكتسبت الأغلبية الشعبية 30 مقعدا من 50 في مجلس الأمة الكويتي.

وبالنظر إلى هذه الأفضلية الواضحة، كان من المفترض أن تحصل المعارضة على حق تشكيل الحكومة وأن تختار مرشحها الخاص لمنصب رئيس البرلمان.

ومع ذلك، استخدمت القوى الاستبدادية وسائل غير شريفة لتقسيم المعارضة والحفاظ على الوضع الراهن، والتحايل على الإرادة الشعبية.

وكانت النتيجة النهائية، بقاء نفس الوجوه الفاسدة التي كانت مرفوضة بأغلبية شعبية ساحقة في ديسمبر/كانون الأول.

وفي هذا الصدد، أدى عمل الحكومة سرا على إبطال عضوية أحد الأعضاء المؤثرين من ذوي الشعبية إلى غضب المعارضة.

وعندما أجريت الانتخابات على هذا المقعد الذي أصبح شاغرًا، ترشح المعارض وأستاذ القانون "عبيد الوسمي"، ليحتل مكان النائب المطرود.

وتحول هذا الحدث إلى محطة فارقة للمعارضة الكويتية؛ وللمرة الأولى اجتمعت الفصائل المختلفة بشدة (بما في ذلك السلفيون، وجماعة الإخوان المسلمين الكويتية، والجماعات الشيعية، والنسويات، والليبراليون التقليديون والحركات اليسارية) ليضعوا خلافاتهم جانبا من أجل دعم "الوسمي".

وبالرغم من الفروق السياسية والدينية الواضحة بين هذه المجموعات، فإنهم اتحدوا وراء مرشح واحد يمكنه أن يتحدي النخب الحاكمة وخططها لتفتيت أصوات هذه المجموعات.

وبالفعل، فاز "الوسمي" بـ 93% من الأصوات، وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها مرشح في الشرق الأوسط بهذه النسبة الهائلة في انتخابات نزيهة.

أما بالنسبة للدروس التي يمكن تعلمها من الانتصار المذهل لـ"الوسمي"، فيأتي على رأسها أهمية المرونة التي أبدتها المجموعات الكويتية المختلفة أيديولوجيًا وكذلك قدرتها على استيعاب الاختلافات بينها سعيا إلى هدف مشترك.

ويظهر هذا الحدث رفضا مطلقًا للنخبة السياسية في الكويت، وعدم الاستعداد للتجاوب مع محاولتها لزرع الصراعات بين المجموعات المختلفة، ودفعهم للتنازل عن الديمقراطية من أجل المكاسب الإيديولوجية.

وإذا تمكنت المعارضة الكويتية من أن تظل موحدة، فليس هناك شك في أنها ستخلق واقعا سياسيا جديدا ليس له مثيل سابق في الخليج.

وبالرغم أن ذلك سيستغرق زمنًا، إلا إن ما حدث بالفعل غير مسبوق تماما، وحتى المرشحون القبليون، الذين دافعوا بضراوة عن مصالحهم الخاصة، كانوا على استعداد لوضع هذه المصالح جانبا ودعم "الوسمي".

ويعتبر ذلك حدثا فريدا في الكويت من المؤكد أنه سيثير مخاوف المسؤولين الفاسدين.

ولا شك أن هذا الإنجاز تحقق بفضل الحرية الفكرية النسبية في الكويت، والتي استمرت على الرغم من الجهود المتواصلة لتقويضها.

تشكيل مستقبل الكويت

في حين أن الاضطرابات الحالية في الكويت كانت فوضوية وصعبة، فقد أظهرت أن الاختلافات داخل المجتمعات العربية، سواء كانت طائفية أو فكرية أو اجتماعية، يمكن تسويتها عندما تكون هناك أهداف أكبر على المحك، مثل مكافحة الفساد وضمان التقدم الديمقراطي.

وعندما يدرك الجميع أهمية هذه الأهداف، يمكن بناء الجسور بين القوى الاجتماعية المختلفة، سواء في الكويت أو في دول الشرق الأوسط الأخرى التي تكافح الاستبداد.

وخلاصة القول أن ما حدث في الكويت لم يسبق له مثيل، وإذا استمرت التوجهات الحالية، فيمكن أن تكون الخطوة الأولى في تغييرات كاسحة في المستقبل.

المصدر | عبد الهادي ناصر العجمي/ منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الكويت الخليج الديموقراطية مجلس الأمة الكويتي عبيد الوسمي مجلس التعاون الخليجي المعارضة الكويتية

بسبب منعه تظاهرات لفلسطين.. استجوابات قاسية لوزير الداخلية الكويتي بمجلس الأمة

المعارضة الكويتية تعلن عن مشروع وطني للإصلاح السياسي