التعاون الصهيوني النازي في ثلاثينات القرن العشرين

الجمعة 30 أكتوبر 2015 12:10 م

في مؤتمر يهودي عقد بالقدس المحتلة خلال الشهر الماضي اتهم نتنياهو، زوراً وبهتاناً، مفتي فلسطين الراحل الحاج أمين الحسيني بأنه من أوحى للزعيم النازي هتلر باقتراف جريمة التطهير العرقي بحق يهود ألمانيا ووسط أوروبا، فيما عرف بالمحرقة النازية «الهولوكوست». وبرغم أن اتهام المفتي غير موضوعي، وليس له سند تاريخي، رددت الاتهام الزائف كثير من أجهزة الإعلام في العالم أجمع.

وليس من شك في أن «الهولوكوست» جريمة تطهير عرقي عنصرية مدانة أخلاقياً وتاريخياً ليس بما اقترفه النازيون بحق ضحاياهم من اليهود وغير اليهود فقط، وإنما بحق البشرية جمعاء أيضاً، لأن من قتل نفساً بغير نفس أو إفساد في الأرض كمن قتل الناس جميعاً، كما يعّلمنا القرآن الكريم. 

واتهام نتنياهو غير التاريخي لمفتي فلسطين الراحل يستدعي تذكيره، ومن انطلى عليهم كذبه، خاصة العرب منهم، بأن أبرز من شاركوا النظام النازي وتعاونوا معه في اقترافه جريمة التطهير العرقي ضد اليهود إنما كانت القيادات الصهيونية، لاتفاقها مع النظام النازي في عدائه لوجود اليهود في ألمانيا وطن آبائهم وأجدادهم.

وللعمل على تهجيرهم إلى فلسطين جرى عقد اتفاقية «هعفرا» بين الوكالة اليهودية والنظام النازي في 29-3-1933، وتواصل العمل بها حتى 1939، وبموجبها هاجر إلى فلسطين 60 ألف شاب وفتاة، ما يقارب 10% من يهود ألمانيا و15% من المستوطنين الصهاينة في فلسطين سنة 1939. ولقاء أموال اليهود المهجرين استوردت الشركات اليهودية في فلسطين معدات وسلع ألمانية بنحو ثلاثين مليون دولار. 

وفي النمسا، اجتمع ممثل الموساد موشيه أوباخ، واسمه الحقيقي بار جيلاد، مع أدولف آيخمان، في منزل البارون روتشيلد، وعقد الاثنان اتفاقية مماثلة لتلك التي عقدت مع النظام النازي في ألمانيا. ولتنظيم الاتصال بين الأجهزة السرية الألمانية في فلسطين، وبين الهاغاناه تم ما بين 26-2 - 2-3-1937 عقد اجتماعات في برلين بين فيفول بوليكس أحد مسؤولي الهاغاناه، وآيخمان، باعتباره مكلفاً بقسم الصهيونية والنشاطات الصهيونية في جهاز الأمن النازي S.D. كما تكرر لقاؤهما في القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني 1937.

ويذكر فرانسيس د. نيقوسيا مستنداً إلى مصادر عدة، أن بضعة آلاف من المسدسات الألمانية ماركة «ماوزر» أرسلت من بلجيكا إلى فلسطين مع ذخيرتها لمصلحة الهاغاناه بين 1933 - 1935 بعلم الشرطة الألمانية، قبيل تفجر الثورة الفلسطينية. وقد التقى آيخمان مع تيدي كوليك - رئيس بلدية القدس المحتلة فيما بعد - في المنزل القديم لآل روتشيلد في فيينا - كما ذكر راتييه، مستشهداً بأرشيف الوثائق الألمانية في كتابه «إرهابيو إسرائيل». ص 106 - 123. 

لقد واصلت الصحف الصهيونية الصدور في برلين حتى 1939. وكانت أجهزة «الغستابو» - الشرطة السرية الألمانية - على علم بنشاط الموساد في مجال الهجرة اليهودية غير الشرعية من ألمانيا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا إلى فلسطين. وقد أسهم آيخمان في تنظيم وتمويل تلك الهجرة. كما شمل تنظيم تلك الهجرة الأقاليم التي ضُمت إلى ألمانيا بعد مؤتمر ميونيخ في سبتمبر/أيلول 1938.

وعندما أقيمت معسكرات اعتقال اليهود تحت حراسة «الغستابو» شاركت المنظمة الصهيونية الألمانية في الإشراف على تلك المعسكرات، كما أسهمت مع الأجهزة الألمانية في تمويلها. 

ولم ينظر هتلر والنظام النازي للصراع العربي - الصهيوني باعتباره صراعاً بين الشعب العربي في فلسطين، وبين الاستعمار البريطاني وأداته الصهيونية، وإنما نظر إليه على هدي أيديولوجيته العنصرية، وإيمانه بأن البقاء للأقوى.

فضلاً عن أنه كان يؤمن بالقرابة بين العنصر الجرماني والعنصر الانجلو سكسوني، وبأنهما ينتميان إلى العنصر الآري والإنسان الأبيض. وعليه، لم يكن هتلر، والنظام النازي بالتبعية، يعارضان الاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني في فلسطين. 

وعندما تفجرت ثورة فلسطين 1936 - 1939 فشلت كل محاولات الشخصيات العربية مع قناصل ألمانيا في القدس وبغداد وبيروت للحصول على السلاح الذي كان ثوار فلسطين في مسيس الحاجة إليه. وكانت تعليمات الخارجية الألمانية للسفير غروبا في بغداد تؤكد على ألا يتجاوز رده على المطالب العربية التعاطف الكلامي.

وفي يوليو/تموز 1937 استقبل هتلر وزير الداخلية الألمانية وأبلغه ضرورة مواصلة سياسة تشجيع هجرة اليهود، وأصدر قراراً نص على دعم الهجرة بالوسائل كافة، وتوجيهها إلى فلسطين بالدرجة الأولى - كما ورد في الأرشيف السياسي في بون بتاريخ 1-2-1938 نقلاً عن: عبدالرحمن عبدالغني، ألمانيا النازية وفلسطين 1933 - 1945 ص 165. 

وكان المفتي لجأ إلى ألمانيا في نوفمبر/تشرين الثاني 1941 بعد قرابة ست سنوات من صدور قوانين نورمبورغ العنصرية المعادية ليهود ألمانيا، وبعد أربع سنوات من إقامة معسكرات اعتقال اليهود سنة 1937 والبدء بعدها باقتراف جريمة التطهير العرقي بحقهم. وفي 7 مايو/أيار 1945 حملته وعدداً من اللاجئين السياسيين طائرة ألمانية لسويسرا، التي رفضت منحهم اللجوء السياسي.

لكنها سمحت لهم بالذهاب حيث شاءوا، فاختار المفتي فرنسا التي رفضت تسليمه لبريطانيا، برغم التأييد الأمريكي لذلك، محتجة بأن اسمه لم يرد في القائمة البريطانية لمجرمي الحرب، وبالتعاون مع وزير سوريا المفوض في باريس عدنان الأتاسي غادر فرنسا سراً إلى القاهرة. 

وكانت الدوائر الصهيونية اتهمته بالتعاون مع النازيين بإبادة اليهود، وقدمت لمحكمة نورمبرغ في 26-7-1946 شهادة بأنه كان للمفتي علاقة وطيدة بآيخمان. غير أن المحكمة لم تأخذ بأقوال الشاهد الذي قدمه الصهاينة. وعندما حوكم آيخمان في القدس سنة 1961 أنكر وجود أي علاقة له بالمفتي، وذكر أنه لم يره إلا مرة واحدة في حفل عام.

وفي تحقيقه لموضوع الاتهام يذكر عبدالرحمن عبدالغني - المصدر السابق ص 360 - 361 أنه لم يكن للمسألة اليهودية أي دور لعلاقة المفتي بأجهزة الحكم النازي.

ويقرر: «ونحن لم نعثر في وثائق وزارة الخارجية الألمانية، ولا في وثائق الدائرة التي كان آيخمان يرأسها، على أي إشارة إلى اتصالات رسمية أو أي تعامل بين المفتي ودائرة آيخمان» وتعقيباً على مزاعم نتنياهو صرحت مستشارة ألمانيا ميركل بأن النازيين وحدهم هم المسؤولون عن جريمة «الهولوكوست». 

وبرغم ذلك كله، لا يزال هناك من يرددون الاتهام غير التاريخي لمفتي فلسطين الراحل، فيما تواصل الصمت على التعاون التاريخي بين الوكالة اليهودية والنظام النازي.

  كلمات مفتاحية

الحركة الصهيونية الوكالة اليهودية النظام النازي أرجون شتيرن الهولوكوست التعاون الصهيوني النازي نتنياهو مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني هتلر التطهير العرقي يهود ألمانيا

«نتنياهو» .. «هتلر».. المفتي «الحسيني» والهولوكوست

بنيامين نتنياهو وأدولف هتلر