هكذا أصبحت الطائرات بدون طيار ركيزة رئيسية لاستراتيجية إيران في المنطقة

الخميس 24 يونيو 2021 11:55 ص

حذرت القيادة المركزية الأمريكية في الأسابيع الأخيرة من تهديد متزايد للقوات الأمريكية في العراق من خلال هجمات المسيّرات التي تطلقها الميليشيات المدعومة من إيران. وتأتي التحذيرات مع تصاعد المخاوف بشأن التعقيد والتنسيق المتزايد لهجمات المسيّرات.

وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، تم توزيع المسيّرات الإيرانية على حلفاء طهران في جميع أنحاء الشرق الأوسط بما في ذلك اليمن وسوريا ولبنان والعراق والأراضي الفلسطينية. وهكذا، أصبحت المسيّرات جزءًا أساسيًا من استراتيجية إيران لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة وإضعاف أكبر منافسيها أي السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة.

نوع جديد من الحروب

تغير المسيّرات شكل الحرب التي نعرفها. فمن خلال الاعتماد على التكنولوجيا بدلاً من المشاة، يمكن للدول والميليشيات على حد سواء مهاجمة الأهداف باستخدام عدد أقل من القوات على الأرض وبمستوى من الدقة لم يكن ممكنًا من خلال القتال التقليدي. لذلك ليس من المستغرب أن تعتمد الجيوش في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إيران، على هذه التكنولوجيا الناشئة بشكل متزايد.

كانت استراتيجية المسيّرات الإيرانية قيد الإعداد منذ عقود. وقد بدأ البرنامج خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، لكنه اكتسب زخماً جدياً في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي عام 2018، أعلنت طهران أن برنامج المسيّرات الخاص بها مستقل تمامًا، مما يعني أنه بإمكانها تصنيع جميع الأجزاء الضرورية محليا.

بالنسبة لطهران، تتمثل إحدى الميزات الرئيسية للمسيّرات في قدرتها على مساعدة إيران في التغلب على بعض الحواجز التي قد تمنعها من توسيع نفوذها الإقليمي. ولطالما فرضت التضاريس الجبلية والمسافة والقوى العاملة المحدودة سقفاً على وصول إيران إلى ما وراء حدودها، لكن المسيّرات قدمت حلال لهذه التحديات لذلك أصبحت جزءًا مهمًا من استراتيجية إيران الكبرى في الشرق الأوسط. (استخدمت إيران أيضًا المسيّرات للسيطرة على الاضطرابات داخل حدودها لا سيما بين مجموعات الأقليات العرقية مثل الأكراد والبلوش.) 

وهناك 4 أهداف رئيسية لبرنامج المسيّرات الإيراني. أولاً: المساهمة في قمع الجماعات الانفصالية الكردية في العراق وسوريا وتركيا وكذلك في الداخل. ثانيًا: تقويض موقف الولايات المتحدة في شمال العراق وكذلك تقويض جهود حلفاء واشنطن في جميع أنحاء المنطقة. ثالثًا: التأثير على الصراع طويل الأمد في الأراضي الفلسطينية. (خلال المعركة الأخيرة في غزة، اتهمت إسرائيل إيران مرارًا بتقديم المساعدة العسكرية لحماس، بما في ذلك تزويدها بمسيّرات انتحارية). وأخيراً: زعزعة استقرار السعودية التي تعد خصم إيران الإقليمي الرئيسي.

وهناك 4 أنواع رئيسية من المسيّرات الإيرانية. النوع الأكثر شيوعًا هي "شاهد 129"، وهي مسيّرة قتالية مسلحة بذخيرة دقيقة التوجيه، ومسيّرة "فطرس" التي تم تقديمها في عام 2013 بقدرات مماثلة بالرغم من عدم معرفة الكثير عنها، ومسيّرة "الصاعقة 1" و "الصاعقة 2"، التي تم الإعلان عنها للمرة الأولى في عام 2016 ولها خصائص مماثلة للمسيّرة الأمريكية "RQ-170" وقد ورد في عام 2018 أنه جرى استخدامها في سوريا ضد المتمردين المناهضين لـ"الأسد" وضد الأهداف الإسرائيلية.

أما النوع الأخير فهي سلسلة " قدس مهاجر" وهي مسيّرات تكتيكية. وبحسب ما ورد فقد حصل عليها "حزب الله" وفنزويلا. وتعتبر أحدث إضافة هي "مهاجر 6" ويبلغ مداها حوالي 200 كيلومتر (125 ميلاً) وهي قادرة على حمل 40 كيلوجراماً من الذخيرة.

استهداف الأكراد

كان الأكراد أحد الأهداف الرئيسية لاستراتيجية المسيّرات الإيرانية. وتثير علاقة الأكراد الوثيقة مع الولايات المتحدة في سوريا والعراق غضب طهران التي تتعاون مع أنقرة منذ 2018 في عمليات عسكرية مشتركة ضدهم. وتستهدف إيران الأكراد من خلال إمداد وكلائها بطائرات بدون طيار كما تقوم بنفسها بشن ضربات باستخدام المسيّرات.

وفي عام 2015، تم استخدام طائرات انتحارية إيرانية في هجوم حاسم على مقر حركة "أحرار الشام" في محافظة إدلب السورية. وفي عام 2018، ورد أن إيران نفذت غارة بطائرة مسيّرة في كردستان العراق استهدفت معسكر تدريب للمسلحين الأكراد هناك.

وفي أبريل/نيسان الماضي، أطلقت الميليشيات المدعومة من إيران طائرة مسيرة محملة بالمتفجرات على قاعدة عسكرية أمريكية بالقرب من مطار أربيل الدولي. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها مسيّرات في هجوم على أربيل، في رسالة على الأرجح إلى الأمريكيين والأكراد مفادها أن إيران يمكنها ضرب أي مكان في البلاد من خلال وكلائها. وأفيد لاحقًا أن المسيّرة استهدفت مكانا سريا تابعا لوكالة المخابرات المركزية يحتوي على معدات مضادة للمسيّرات، مما يدل على مستوى مهم من التطور في تخطيط إيران للهجوم وتنفيذه.

وفي نفس الشهر الذي حدثت فيه تلك الضربة، نشر الحرس الثوري الإيراني لقطات تم تصويرها بواسطة مسيّرة لحاملة طائرات أمريكية في الخليج لإظهار القدرات التكنولوجية لإيران ونقاط الضعف الأمريكية. في الواقع، تعد المسيّرات صغيرة بما يكفي لتحميلها على متن سفينة وإطلاقها باتجاه أي عدد من الأهداف في الخليج العربي.

وتسببت هذه التطورات في قلق عميق لواشنطن. ووفقًا لشهادة قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال "كينيث ماكينزي" أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، فإن هذه هي المرة الأولى منذ الحرب الكورية التي تعمل فيها القوات الأمريكية دون تفوق جوي كامل. وفي إشارة إلى صعوبة مواجهة المسيّرات الصغيرة التي خضعت للتعديل، قال "ماكينزي" إن الأمر سيستغرق وقتًا لتطوير وإيجاد طريقة لاكتشاف وتدمير مثل هذه المسيّرات.

ولا تعتبر المسيّرات الصغيرة التي تحلق على ارتفاع منخفض هدفا سهلا لأنظمة الدفاع الجوي، وبالتالي يمكنها التسلل دون أن يتم اكتشافها. وهذا بالضبط ما حدث في أواخر عام 2019 عندما تجاوزت مسيّرات أطلقها الحوثيون أنظمة الدفاع الصاروخي "باتريوت" عند مهاجمة منشآت النفط السعودية.

هناك 3 أشياء واضحة في تصريحات "ماكنزي": أولاً، تقوم طهران بنشر هائل للمسيّرات في جميع أنحاء المنطقة. ثانيًا، تفضّل إيران وجود المسيّرات في أيدي وكلائها لتجنب الصراع المباشر مع دولة وأخرى. وثالثاً، تنسق طهران مع الوكلاء الموالين لها في العراق واليمن ولبنان وسوريا لاستخدام المسيّرات بفعالية في الهجمات.

في المستقبل القريب، سيزداد دور المسيّرات الإيرانية في شمال العراق. وبالرغم أن واشنطن ما تزال ملتزمة بأمن الأكراد، فإن تكثيف هجمات الطائرات بدون طيار سوف يدق إسفينًا في هذه العلاقة.

وكلاء إيران في بلاد الشام

ومنذ سنوات، تشعر إسرائيل بالتهديد من المسيّرات المنطلقة من المناطق التي تسيطر عليها حماس وحزب الله. وفي عام 2010، اقترب بالون آلي، يعتقد أن حزب الله أرسله، من منشأة ديمونة النووية الإسرائيلية قبل إسقاطه. وفي عام 2012، ورد أن مسيّرة إيرانية توقفت في المجال الجوي الإسرائيلي لمدة 30 دقيقة قبل إسقاطها. ويتزايد الخطر تدريجيا، حيث أصبحت المسيّرات المتوفرة لدى حماس وحزب الله أكثر تطوراً.

وبالرغم أن منظومة القبة الحديدية أسقطت أكثر من 5 مسيّرات محملة بالمتفجرات انطلقت من غزة خلال صراع مايو/أيار القصير، سيكون من السابق لأوانه إعلان أنها لا تشكل أي تهديد. وتتمتع مسيّرات "شهاب" الفلسطينية بمدى أطول من صواريخ "القسام"، وهي دقيقة للغاية ويمكنها الطيران في مسارات غير متوقعة لا يغطيها الرادار، كما تستطيع حماية نفسها بين المباني المدنية في طريقها إلى وجهتها. وبالرغم أن الصواريخ قادرة على حمل أوزان أكبر من المواد المتفجرة، لكن المسيّرات تقدم ما تفتقر إليه الفصائل الفلسطينية منذ فترة طويلة وهو الدقة.

ومن السابق لأوانه توقع اعتماد الفصائل الفلسطينية على المسيّرات بدلا من الصواريخ والقذائف. ولكن خلال القتال الذي دار الشهر الماضي، أثبتت حماس قدرتها على تكديس ترسانة ضخمة من الصواريخ وأنه يمكنها التنسيق لإطلاقها في رشقات ضخمة. لذلك من الممكن التنبؤ بأن حماس يمكن أن تجمع بين وابل الصواريخ وهجمات المسيّرات لتشتت دفاعات إسرائيل.

وقد شهد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تحولات مهمة سابقا حيث اعتمدت حماس وجماعات أخرى قبل عام 2000 على "التفجيرات الانتحارية" لمهاجمة إسرائيل، ولكن هذه الاستراتيجية تلاشت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي عام 2001 انتقلت حماس إلى استخدام الصواريخ. وظهرت مؤشرات على تغيير آخر في عام 2014 عندما بدأ الفلسطينيون في الجمع بين الصواريخ والمسيّرات الانتحارية. في غضون ذلك، طورت إسرائيل مسيّراتها القتالية المتطورة للغاية، سواء التكتيكية أو الاستراتيجية.

وتحاول إسرائيل تطوير مسيّرة مثالية تستطيع تنفيذ عمليات تكتيكية خاصة في منطقة حضرية مع تقليل الخسائر في صفوف المدنيين. ويعني ذلك أننا سنرى تكثيفا لعمليات تطوير ونشر مسيّرات متقدمة من كلا الجانبين. وهنا يظهر دور إيران.

يقدم الحرس الثوري الأسلحة والمشورة لوكلاء إيران. ويعد تصنيع المسيّرات في مناطق التمرد أسهل من شحن الأسلحة الثقيلة إلى الجيوب المحاصرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويعتمد نفوذ إيران على قدرتها على دعم  شبكة وكلائها خاصة في الأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا. ولا يمكن لهؤلاء أن يضاهوا التفوق التكنولوجي للجيوش النظامية، ولكن من خلال تزويدهم بالمسيّرات، يمكن لطهران على الأقل تقليص هذه الفجوة.

في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، غيرت الصواريخ طبيعة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وفي العقد الثاني، فعلت المسيّرات الشيء نفسه. ولن تؤدي هجمات المسيّرات ضد إسرائيل إلى تغيير الوضع الراهن بالطريقة نفسها التي حدثت في اليمن، لكنها تمثل تهديدًا جديدًا، ويمكنها تصعيد صراع إسرائيل مع حماس وحزب الله.

المصدر | رضوان باري أوركوستا - جيوبوليتكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المسيرات الإيرانية طائرات بدون طيار حماس الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وكلاء إيران الاستراتيجية الإيرانية

طائرات إيران المسيرة تثير قلق أمريكا من العراق إلى اليمن

اجتماعات أمريكية إسرائيلية لمواجهة طائرات إيران المسيرة بالمنطقة

واشنطن: استهدفنا أنظمة تحكم ومخازن طائرات مسيرة تابعة لميليشيات إيران بالعراق

اللعبة تغيرت.. مسيرات إيران تهدد السعودية وإسرائيل تسوق نفسها كبطل للحل

أواخر مارس.. أول مناورة أمريكية سعودية لمكافحة الطائرات بدون طيار