الأجانب سيواجهون صراع ثقافات استثمارية مع المضاربين في البورصة السعودية

الجمعة 15 أغسطس 2014 02:08 ص

الاقتصادية 

عندما خسر «محمد العتيبي» ذو الـ 70 عاما أكثر من ثلاثة ملايين ريال (800 ألف دولار) بعد انهيار سوق الأسهم السعودية في 2006م تلاشت أحلامه في المكسب السريع، لكن ولعه بالتداول لم يتأثر وتجددت آماله ثانية مع خطط فتح السوق أمام الأجانب للاستثمار المباشر.

يجلس «العتيبي» على أريكة في قاعة للتداول ببنك الاستثمار فالكم يتابع شاشة تعرض السباق المحموم لأسعار الأسهم في جلسة يوم شديد الحرارة وتبحث عيناه عن شيء واحد فقط: طلبات الشراء أو البيع القوية ليروي ظمأه لتحقيق مكاسب سريعة.

لكنه لا يجد ضالته في الأسهم القيادية في السوق كأسهم المصارف والبتروكيماويات كونها منخفضة التذبذب ولا توفر له الربح المأمول فيركز على أسهم أخرى رخيصة في قطاعات مثل الأسمنت والزراعة والعقارات.

يقول «العتيبي»: «أنا أشتغل فوريا... يومين .. ثلاثة.. أسبوعا أو 15 يوما. أراقب حركة السوق ولما أشوف طلبات كثيرة على السهم أدخل فيه ولو حقق معي شيئا أطلع، أنا آخذها كمهنة أو كعمل بدل ما أجلس في بيتي آجي هنا استثمر أكسب لي 200 ريال 400 أو 500 .. تجيب اللي تجيبه وامشي خاصة أن رأسمالي القديم راح من 2006م والعوض على الله».

وقالت وكالة «رويترز» في تقرير نشرته أمس: إن هذه النشاطات من آلاف المستثمرين السعوديين تعني أن على المستثمرين الأجانب التكيف مع ما يبدو صراعا بين الثقافات الاستثمارية عند دخول البورصة في النصف الأول من 2015م بموجب خطة أعلنتها هيئة السوق المالية الشهر الماضي.

ورغم أن ملكية الأفراد لا تتجاوز 35% من إجمالي الملكية في السوق فإنهم يسيطرون على أكثر من 90% من قيم التداول اليومية.

وفي الأسواق الناشئة الأخرى يسيطر الأفراد على نحو ثلثي أو نصف قيم التداول اليومية فيما تقل تلك النسبة كثيرا في الأسواق المتطورة وهو ما يعكس التطور البطيء لنشاط إدارة الصناديق في المملكة.

وبخلاف المؤسسات الاستثمارية يميل المستثمرون الأفراد من أمثال «العتيبي» إلى الاستثمار قصير الأجل بحثا عن المكسب السريع فيتخلون عن الأسهم عندما تظهر عليها بوادر الضعف ويتخذون قراراتهم الاستثمارية بناء على عناوين الأخبار والشائعات وحركة الأسعار وليس بناء على التقييم طويل الأجل الذي يفضله مديرو الصناديق.

وحتى الأفراد الذين يتبنون خطط الاستثمار طويل الأجل لا تخل محافظهم من أسهم المضاربة. ويقول «ناصر الخميسي» وهو موظف حكومي «أركز على الشركات اللي فيها نمو مثل التجزئة وشركات الرعاية الصحية والإنشاءات لكن لا بد من الاستثمار في البتروكيماويات لأنها شيء مهم للاستثمار طويل الأجل».

وخلال متابعته لقناة تلفزيونية تنقل أخبارا اقتصادية يصف «الخميسي» كيف يستثمر أمواله فيقول «في شيء أدخل وأطلع وفي شيء استثمار. يختلف (الأمر) من سهم لسهم. أُقسِّم المحفظة لثلاثة أقسام: استثمار طويل الأجل، ومضاربة سريعة ليوم واحد، ومضاربة 15-20 يوما».

مخاطر

قد تشكل أنماط الاستثمار تلك مخاطر أمام المستثمرين الأجانب أولها سعي بعض المستثمرين المحليين لرفع أسعار أسهم لمستويات غير قابلة للاستدامة خلال الأشهر القليلة المقبلة ترقبا لدخول المال الأجنبي وهو ما قد يحد من الربحية التي ترغب فيها الصناديق العالمية.

وهناك مخاطر أخرى تكمن في احتمال أن تختلف تقييمات الأسهم السعودية بشكل دائم عن المستويات التي يعتقد الأجانب أنها مناسبة. فابتعاد مستثمرين أفراد عن الأسهم القيادية التي يفضلها المستثمرون الأجانب قد يعني انخفاض تقييماتها.

يقول «علي الناصر» مدير صندوق «هورايزون» الشرق الأوشط وشمال إفريقيا التابع لمجموعة دويت جروب في دبي «الاستثمار في السوق قصير المدى والكثير من الناس يستثمرون على أساس أشياء ليس لها أي قيمة أساسية اقتصادية».

ويشير إلى أن 90% من المتعاملين بالسوق ربما لا ينظرون لمدى أبعد من عام ونصف العام فيما يتعلق بالأرباح المستقبلية للشركات بينما تهتم المؤسسات بمدى أطول يصل لخمس سنوات أو أكثر.

ويضيف «إذا خفضت شركة توزيعاتها النقدية لتوفير سيولة لاستثمارها في فرصة واعدة سيتخلص مستثمر الأجل القصير من السهم فيما قد نرى نحن ذلك علامة إيجابية».

ويرى «الناصر» أن الفجوة بين المفاهيم الاستثمارية للأفراد والشركات ربما تنحسر على المدى الطويل لكن الأمر قد يستغرق بضع سنوات.

أسعار مبالغ فيها

فرص الصفقات الجذابة قد تقل عند دخول الأجانب السوق فقد قفز المؤشر السعودي بالفعل أكثر من 8% منذ إعلان خطط فتح السوق في 22 يوليو/تموز.

وقبل رفع تصنيف أسواق الإمارات وقطر إلى مرتبة الأسواق الناشئة على مؤشر «إم إس سي آي» في مايو/أيار الماضي شهدت أسعار الأسهم ارتفاعا كبيرا هناك مع شراء قوي من المستثمرين المحليين لكن سرعان ما هبطت الأسعار بعد رفع التصنيف وامتناع الأجانب عن الشراء بأسعار مبالغ فيها.

ويقول «روبرت باركر» من «كريدي سويس» في لندن عن السوق السعودية «لديك سوق ذات أسعار مبالغ فيها بعض الشيء لأن كل اللاعبين المحليين قرروا الدخول قبل الأجانب. لم تعد سوقا رخيصة».

ويؤيده «مازن السديري» رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال بقوله «السعوديون رفعوا أسعار المصارف والبتروكيماويات بعد خطط فتح السوق للأجانب بناء على عوامل أساسية ولعلمهم أن أسعار تلك الأسهم كانت مقومة بأقل من قيمتها».

ويقول «أبو فيصل» الذي يستثمر في السوق السعودية منذ 2005 : «السوق مقبل على طفرة. أركز على البتروكيماويات والآن أجمع وأشتري والأسعار رخيصة. سأظل أجمع ولن أبيع».

ويرى «الحسن قصوص» خبير أسواق المال في الرياض أن السوق سيظل في اتجاهه الصاعد بدعم من خطط دخول الأجانب، إضافة إلى طروح أولية مرتقبة خلال أشهر لشركات كبرى منها البنك الأهلي التجاري أكبر مصرف سعودي من حيث قيمة الأصول.

من جانبه، يقول «هشام تفاحة» مدير المحافظ الاستثمارية في الرياض أن مضاعف ربحية السوق الآن يراوح بين 21 و22 مرة وإن هناك فرصا لأن يصل إلى 23 أو 24 مرة ويصعد المؤشر إلى 11 ألف نقطة خلال أشهر.

ويوضح سهم شركة «الحمادي للاستثمار» التي تمتلك مستشفيات في الرياض والتي أدرجت أسهمها في السوق في تموز (يوليو) كيف يمكن للمتعاملين الأفراد رفع سعر السهم لمستويات عالية. فقد بلغ سعر السهم هذا الأسبوع 101.25 ريال مقارنة بسعر الطرح البالغ 28 ريالا.

ومن المرجح أن تكون أسهم الرعاية الصحية جذابة للمستثمرين الأجانب بدعم من الإنفاق الحكومي لتلبية الطلب على الرعاية الصحية في ظل النمو السكاني المتسارع وارتفاع دخل الفرد.

من ناحية أخرى قد يجعل عزوف المتعاملين الأفراد عن الأسهم القيادية - كأسهم البتروكيماويات والمصارف - أسعارها جذابة للأجانب لكنه قد يؤدي إلى تراجع الأسعار على المدى الطويل.

ووفقا لبيانات «تومسون رويترز» قفز سهم «سابك» 4% منذ إعلان خطط فتح السوق للأجانب لكن لا يزال يجري تداوله عند مضاعف ربحية 13 مرة وهو ما يقل كثيرا عن مضاعف ربحية يبلغ 15 مرة للمنافس الأمريكي «داو كيميكال».

التكيف قد يكون صعبا

يقول محللون إن على المستثمرين الأجانب التكيف مع مصاعب قد يواجهونها في سوق يحذو فيها كثير من المتعاملين الأفراد حذو بعضهم في قراراتهم الاستثمارية وفق الموجة السائدة في السوق وهو ما يسبب تقلبات قوية لاسيما في الأسهم الصغيرة.

ويقول قصوص «تجد ذلك على نطاق واسع على الأغلب في أسهم المضاربة».

ومن بين الاختلافات الأخرى الاستثمار وفقا لآراء علماء الدين حيث يسعى متعاملون لاستشارة العلماء قبل قرار الاستثمار في الشركات التي تطرح أسهمها في السوق.

وعلى مدى السنوات الماضية أفتى علماء بارزون منهم الشيخ «محمد بن سعود العصيمي» والشيخ «عبدالعزيز الفوزان» بتحريم الاكتتاب في أسهم شركات كبرى مثل المملكة القابضة المملوكة للملياردير الأمير «الوليد بن طلال» وذلك بسبب أنشطتها في مجال الإعلام والسياحة، وشركة كيان للبتروكيماويات التابعة لـ«سابك» بسبب احتواء قوائمها المالية على «قروض ربوية».

ولفت «هشام تفاحة» إلى اختلاف الشفافية عن الأسواق الأخرى بقوله «أحيانا تكون الشفافية موجودة لكنها غير مكتملة فقد تعلن شركة ما عن توقيع عقد بملايين الريالات لتنفيذ خطط توسع لكنها لا تتطرق في الإعلان إلى كيفية تأثير ذلك على الأرباح والإيرادات بصورة دقيقة».

لكن رغم ذلك أكد كل من «تفاحة» و«السديري» أن السوق «تتمتع بانضباطية عالية مقارنة بأسواق المنطقة».

وعلى مدى العامين الماضيين فرضت هيئة السوق المالية غرامات بعشرات الملايين من الريالات على مستثمرين خالفوا قواعد التداول وعلى شركات بسبب إفصاحات غير ملائمة.

الاستثمار المؤسسي

تسعى السلطات السعودية من خلال خطط فتح السوق للأجانب إلى زيادة المستوى الإجمالي للاستثمار المؤسسي في سوق الأسهم لتقيم الشركات بطرق مشابهة لما يحدث في الأسواق المتطورة.

  كلمات مفتاحية

سوق العقار والأسهم إلى أين الاتجاه؟!

استمرار تراجع بورصات السعودية وعمان وأبوظبي واستقرار الأسواق الخليجية الأخرى

السعودية : خبراء يحللون ظاهرة التلاعب بالقوائم المالية ونشطاء يطالبون بتغليظ العقوبة

السعودية.. إحالة أعضاء في مجلس إدارة شركة مقاولات خاصة إلى التحقيق

السوق المالية السعودية قد تخفف قيود الاستثمار الأجنبي للانضمام للمؤشرات العالمية