استراتيجية النيل المصرية للتعامل مع إثيوبيا وسد النهضة

السبت 3 يوليو 2021 12:08 م

تقع مصر وإثيوبيا والسودان في مأزق خطير بشأن نهر النيل، وبالرغم مما يعتقده المجتمع الدولي، فإن خطر المواجهة العسكرية بين الدول الثلاث ليس مستبعدا على الإطلاق. وبدأت أديس أبابا المرحلة الثانية لملء الخزان خلف سد النهضة العملاق في أوائل مايو/أيار دون اتفاق مع الدول المشاطئة، مصر والسودان.

ومع ذلك، فقد تغير الكثير خلال العام الماضي ويتم إجراء الملء الثاني بشكل مختلف نوعا ما عن الأول في يوليو/تموز من العام الماضي. ففي الأشهر الماضية، عززت مصر من تواجدها الدبلوماسي وظهرت كلاعب مؤثر في حوض النيل والقرن الأفريقي وشرق ووسط أفريقيا.

ونجحت القاهرة في تشكيل تحالف استراتيجي مع الخرطوم لممارسة ضغوط دبلوماسية على أديس أبابا، وتشكيل شبكات من التحالفات مع قوى إقليمية مختلفة عبر شرق ووسط أفريقيا والقرن الأفريقي لإبراز القوة والنفوذ، وممارسة الضغط الجيوسياسي على إثيوبيا بالتوازي مع المسار الدبلوماسي لحل الخلاف حول سد النهضة.

10 أعوام من الجمود

وعلى مدى 10 أعوام، تتفاوض مصر وإثيوبيا والسودان على اتفاقية بشأن سد النهضة. وعند اكتماله، سيولد أكبر سد في أفريقيا 6.45 جيجاوات من الكهرباء التي ستساعد إثيوبيا على تعزيز تنميتها الاقتصادية. ولكن دولتي المصب، مصر والسودان، قلقتان من عدم وجود اتفاقية ملزمة بشأن السد من شأنه أن يغير مكانة النيل كممر مائي دولي، بالإضافة إلى مخاوف من حدوث جفاف.

وتشعر القاهرة على وجه التحديد بالقلق من خسارة حصة كبيرة من مياه نهر النيل، الذي يزود مصر بـ 90% من مياهها. وبالإضافة إلى الشكوك المحيطة بتدفق المياه، تشعر الخرطوم بالقلق من الضرر الذي يمكن أن يلحقه السد بالسدود السودانية وإدارة وتنظيم المياه.

دعوة للاستيقاظ في القاهرة

وفي عام 2015، وقعت القاهرة والخرطوم وأديس أبابا إعلان المبادئ، الذي التزمت بموجبه مصر والسودان بحق إثيوبيا في التنمية، واتفقت الدول الثلاث على الانتهاء من اتفاق ما قبل الملء الأول لسد النهضة في عام 2020.

ومع ذلك، بدأت إثيوبيا في ملء خزان السد في عام 2020 دون التوصل إلى اتفاق ملزم قانونا مع مصر والسودان. وبالتالي، فإن هذا الملء الأول لسد النهضة أكد حقيقة مظلمة لمصر، فإلى جانب الدبلوماسية والمفاوضات المباشرة، افتقرت القاهرة إلى التأثير في شرق ووسط أفريقيا والقرن الأفريقي للمساعدة في التوصل إلى اتفاق ملزم مع السودان وإثيوبيا.

ومنذ الملء الأول، طورت مصر "استراتيجية النيل"، التي تتمحور حول التوافق الاستراتيجي مع السودان، والاتفاقيات العسكرية والأمنية مع أوغندا وكينيا وبوروندي، وتنامي العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع جيبوتي وتنزانيا وزامبيا وجنوب السودان.

التوافق الاستراتيجي مع السودان

في عهد الرئيس السابق "عمر البشير"، أعاقت العلاقات الباردة بين مصر والسودان التنسيق بين البلدين بشأن العديد من  القضايا، بما في ذلك سد النهضة.

وبعد سقوط "البشير" في عام 2019، لم تتماش الحكومة الانتقالية الجديدة في الخرطوم مع موقف القاهرة من محادثات النيل. ومع ذلك، فإن حسابات الخرطوم بشأن نهر النيل مالت نحو مصر بعد ملء إثيوبيا لأول مرة لسد النهضة في عام 2020، والتوترات الحدودية بين إثيوبيا والسودان في "الفشقة"، ودعم مصر السياسي والاقتصادي للسودان، ما يمثل حقبة جديدة من التوافق الاستراتيجي بين القاهرة والخرطوم.

وأجرت مصر والسودان اثنين من التدريبات الجوية المشتركة هما "نسور النيل 1" في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 و"نسور النيل 2" في مارس/آذار 2021. وركز التدريبان الجويان على عمليات الاقتحام والإخفاء والتمويه وتوحيد المفاهيم العسكرية وإدارة العمليات الجوية المشتركة والقيام بعمليات خاصة واستخدام أوضاع إطلاق نار مختلفة.

وكثفت القاهرة والخرطوم كذلك تعاونهما العسكري مع مناورات "حماة النيل" العسكرية المشتركة التي أجريت في الفترة من 26 إلى 31 مايو/أيار الجاري، بمشاركة القوات البحرية والبرية والجوية للبلدين. وبحسب الجيش السوداني، فإن التدريبات المشتركة تهدف إلى "تبادل الخبرات العسكرية، وتعزيز التعاون، وتوحيد أساليب العمل لمواجهة التهديدات المتوقعة التي تتعرض لها البلدين".

وأكدت القاهرة، خلال التصعيد الحدودي الأخير بين إثيوبيا والسودان، دعمها لحق الخرطوم في طرد القوات الإثيوبية من منطقة "الفشقة" السودانية. كما زودت مصر الجيش السوداني بمعدات التجريف والهندسة.

ولم يقتصر التوافق الاستراتيجي بين السودان ومصر على التعاون العسكري ولكنه توسع بشكل كبير ليشمل التعاون الاقتصادي أيضا. واستخدمت مصر قوتها الجيواقتصادية لتوطيد علاقاتها مع السودان. واتفقت مصر والسودان على إنشاء خط سكة حديد عابر للحدود بين البلدين بقيمة 1.19 مليار دولار لنقل البضائع والركاب. بالإضافة إلى ذلك، وافقت مصر على إنشاء منطقة صناعية مشتركة في الخرطوم لتعزيز التكامل الصناعي والتجاري بين البلدين.

ولتأكيد التزامها ودعمها لعملية الانتقال السياسي في السودان، شارك الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" في المؤتمر الدولي حول السودان في باريس في منتصف مايو/أيار. وتعهدت مصر بالمساعدة في تخفيف ديون السودان من خلال "استخدام حصة مصر في صندوق النقد الدولي لمعالجة الديون المشكوك في تحصيلها".

وتجلى التوافق العسكري والاقتصادي الجديد بين القاهرة والخرطوم في رفضهما المتزامن لقرار إثيوبيا البدء في الملء الثاني للسد. واتخذ السودان موقفا أكثر صرامة بشأن نزاع النيل أكثر من أي وقت مضى.

وفي أبريل/نيسان، غيرت الخرطوم نبرتها بشكل جذري وأخبرت إثيوبيا مباشرة أن التنصل من اتفاقيات مياه النيل من شأنه أن يضر بسيادة إثيوبيا على منطقة "بني شنقول"، حيث يقع سد النهضة. وقال السودان إن "ادعاء إثيوبيا بأن اتفاقيات النيل إرث استعماري هو مغالطة تاريخية واضحة"، مشيرا إلى أن إثيوبيا كانت دولة مستقلة ذات سيادة وقت إبرام تلك الاتفاقيات، بينما كان السودان خاضعا للاستعمار.

وكان السودان يشير إلى المعاهدة الأنجلو إثيوبية الموقعة عام 1902 بين بريطانيا العظمى، التي تمثل مصر والسودان، وإثيوبيا ممثلة بالإمبراطور "منليك الثاني" ملك الحبشة آنذاك. ويحظر الاتفاق إنشاء إثيوبيا أي محطات مائية عبر النيل الأزرق من شأنها أن تؤثر على التدفق الطبيعي للنهر إلى الدول المشاطئة. وفي المقابل، منحت بريطانيا العظمى السيادة على منطقة "بني شنقول" السودانية آنذاك لإثيوبيا.

الحملة الدبلوماسية المصرية في شرق ووسط أفريقيا

ومن أجل إظهار القوة في شرق أفريقيا، شنت القاهرة حملة دبلوماسية في دول أفريقية رئيسية، مثل بوروندي وكينيا وجنوب السودان وتنزانيا وأوغندا، عبر التعاون العسكري والاستخباراتي والاقتصادي.

وفي مارس/آذار، قام رئيس بوروندي، "إيفاريست نداييشيمي"، بزيارة القاهرة لمناقشة العلاقات الثنائية ونزاع النيل. وعقب الزيارة، توجه رئيس أركان القوات المسلحة البوروندية ورئيس الوزراء "نيونجابو"، إلى القاهرة لإجراء أول اجتماع للجنة العسكرية المصرية البوروندية مع نظيره المصري الفريق "محمد فريد" لتعزيز التعاون العسكري الثنائي.

وأسفر اجتماع اللجنة عن اتفاق تعاون عسكري مع بوروندي. وفي أبريل/نيسان، وفي أعقاب انهيار مفاوضات سد النهضة التي توسطت فيها جمهورية الكونغو الديمقراطية، سافر وفد من المخابرات العسكرية المصرية إلى كمبالا لتوقيع اتفاقية تبادل معلومات عسكرية مع أوغندا.

وقال اللواء "سامح صابر الدجوي"، الذي ترأس وفد مصر إلى أوغندا، إن "أوغندا ومصر تشتركان في النيل لذلك فإن التعاون بينهما أمر لا مفر منه؛ لأن ما يؤثر على الأوغنديين سيؤثر على مصر بشكل أو بآخر".

ووقعت مصر كذلك اتفاقية تعاون عسكري مع جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال زيارة رئيس أركان الجيش المصري إلى كينشاسا في يونيو/حزيران. واتخذت القاهرة بعد ذلك خطوات لتعميق التعاون العسكري والأمني ​​المشترك مع كينشاسا، بالإضافة إلى تقديم المساعدة الفنية والعملياتية للجيش الكونغولي.

وكانت الجائزة الكبرى لمصر في شرق أفريقيا هي كينيا؛ بسبب ثقلها الجيوستراتيجي في المنطقة ونزاعها المائي مع إثيوبيا. وأمضت القاهرة أعواما في تطوير علاقاتها مع نيروبي. وفي عام 2019، بعد زيارة وزيرة الخارجية الكينية "مونيكا جمعة" لمصر، دعمت القاهرة عضوية كينيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وفي أواخر أبريل/نيسان، التقى وزير الخارجية المصري "سامح شكري" بالرئيس الكيني "أوهورو كينياتا" لمناقشة قضية سد النهضة والإشارة إلى دعم مصر لمشروعات التنمية في كينيا. وجاءت ذروة العلاقات المصرية الكينية في مايو/أيار مع توقيع اتفاق للتعاون الدفاعي.

وفي جنوب السودان، تتمتع القاهرة بعلاقات سياسية قوية مع جوبا. وفي عام 2020، قام "السيسي" بزيارة تاريخية إلى عاصمة جنوب السودان، حيث عرض رؤيته للشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وجوبا، وشدد على دعم مصر للتنمية الاقتصادية في جنوب السودان.

وفي 23 يونيو/حزيران، افتتح وزير الري والموارد المائية المصري "محمد عبد العاطي"، محطة لمعالجة المياه بنتها مصر في جبل الليمون بجنوب السودان. كما تجري مصر محادثات متقدمة مع السودان بشأن بناء سد "واو"، وهو سد متعدد الأغراض على نهر سيوى.

"السيسي" في جيبوتي

ويعد القرن الأفريقي جزءا لا يتجزأ من مصالح مصر في حوض النيل والبحر الأحمر. ومع ذلك، ظلت مصر بعيدة عن المنطقة في عهد الرئيس الأسبق "حسني مبارك" وطوال فترة عدم الاستقرار السياسي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ومن الطبيعي أن تجذب الأهمية الاستراتيجية للقرن الأفريقي العديد من القوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك تركيا وقطر والإمارات والسعودية. علاوة على ذلك، نظرا لأن إريتريا وإثيوبيا في تحالف استراتيجي، تتطلع القاهرة الآن إلى جيبوتي كشريك محتمل، في المقام الأول لأنها زودت إثيوبيا غير الساحلية بمينائها البحري الرئيسي للواردات والصادرات منذ التسعينات.

وفي أول زيارة رسمية لرئيس مصري إلى جيبوتي منذ استقلالها عام 1977، سافر "السيسي" إلى هناك في نهاية مايو/أيار والتقى الرئيس "عمر جيله" لمناقشة نزاع سد النهضة وأمن البحر الأحمر والعلاقات الثنائية.

بالإضافة إلى ذلك، يريد "السيسي" الاستفادة من القوة الجيواقتصادية لمصر لتعزيز العلاقات مع جيبوتي بعد أعوام من العلاقات الباردة في عهد "مبارك". ويهدف "السيسي" إلى زيادة الاستثمارات المصرية في البنية التحتية لجيبوتي، ويعتبر أول مشروع كبير لتحقيق هذه الغاية هو إنشاء منطقة لوجستية مصرية هناك.

التحرك للأمام

في عام 2021، برزت القاهرة كلاعب نشط ومؤثر للغاية في حوض النيل والقرن الأفريقي ووسط وشرق أفريقيا بعد أعوام من الغياب في عهد "مبارك" وطوال فترة عدم الاستقرار السياسي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ووسط التوترات المتزايدة بشأن سد النهضة، طورت القاهرة "استراتيجية النيل" التي تتمحور حول التوافق الكامل مع السودان وتطوير شبكة من التحالفات الاقتصادية والعسكرية في وسط وشرق أفريقيا والقرن الأفريقي.

وتزود هذه الاستراتيجية القاهرة بالقدرة على الحفاظ على الضغط الجيوسياسي الهجومي وإظهار القوة والنفوذ في حوض النيل بالتوازي مع سعيها عبر المسار الدبلوماسي للتوصل إلى اتفاق ملزم مع إثيوبيا بشأن سد النهضة.

المصدر | محمد سليمان/معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سد النهضة استراتيجية النيل العلاقات الدبلوماسية التدريبات العسكرية القرن الأفريقي شرق أفريقيا وسط أفريقيا سد واو

الجيش السوداني: مناورة حماة النيل تهدف لردع المتربصين والأعداء

الجامعة العربية: سد النهضة قد يتحول لقضية حقوق إنسان

الملء الثاني لخزان سد النهضة

من أوغندا إلى مصر.. هل بدأ نهر النيل يعاني سكرات الموت؟