دبلوماسية الطائرات بدون طيار تعزز النفوذ الجيوسياسي لتركيا

الجمعة 9 يوليو 2021 01:23 ص

استثمرت تركيا في صناعتها الدفاعية بشكل كبير على مدى العقود الماضية. وكان تحقيق درجة عالية من الاكتفاء الذاتي في مجال الأسلحة وتكنولوجيا الدفاع أحد أهم الأهداف الاستراتيجية للحكومة التركية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية والرئيس "رجب طيب أردوغان".

وكانت سكرتارية الصناعات الدفاعية هي الجهة الرسمية المنوطة بالتطوير التكتيكي للبنية التحتية الدفاعية التركية. وبالرغم من إنشاء هذه المؤسسة في عام 1985، فلم يتم تفعيلها حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما شكل حزب "العدالة والتنمية" حكومته الأولى في عام 2002 حيث بدأت في وضع رؤية استراتيجية، ولعبت دورًا حاسمًا في قطاعي الدفاع والاقتصاد.

وفي عام 2018 تم تغيير اسمها إلى رئاسة الصناعات الدفاعية وتم نقلها تحت المسؤولية المباشرة للرئيس التركي، مما يبرز أهميتها لدى "أردوغان".

الاكتفاء الذاتي والصادرات الدفاعية

وإلى حد ما، تم تحقيق درجة كبيرة من الاكتفاء الذاتي الدفاعي لدى الأفرع الثلاثة للقوات المسلحة التركية من خلال مجموعة واسعة من ناقلات الأفراد المدرعة "أوتوكار"، وأنظمة صواريخ "بورا/خان"، والمركبات المدرعة "بي إم سي كيبري" و​​هي بعض الأمثلة التي تشير إلى توسيع المكونات المحلية لدى القوات البرية.

ويسلط مشروع "ميلجم" الوطني لبناء السفن الضوء على الخطط الاستراتيجية للإنتاج المحلي للأنظمة الدفاعية لدى البحرية التركية، بينما تكشف مروحيات "أتاك 129" و"غوكاي" وكلاهما طورتهما شركة صناعات الفضاء التركية "توساس" عن كيفية استثمار أنقرة بكثافة في هذا الاتجاه. وتؤكد القدرات المتزايدة للطائرات التركية بدون طيار على آفاق صناعة الدفاع لديها.

وأثناء العمل على تحقيق هدف الإنتاج الدفاعي المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، كانت تركيا تهدف في الوقت نفسه إلى زيادة حجم صادراتها الدفاعية. وقد نما حجم الصادرات الدفاعية التركية بنحو 650%، بين عامي 2005 و 2019. ويُعزى الانخفاض في عام 2020 إلى أزمة "كورونا" ولكنها لم تؤثر بشكل كبير على الاتجاه العام.

ولم يتم توجيه الغالبية العظمى من هذه الصادرات - حتى وقت قريب - إلى دول الناتو أو الاتحاد الأوروبي. وكانت أذربيجان وقطر من بين العملاء التقليديين لأنظمة الأسلحة التركية. وتسعى أنقرة بقوة مؤخرًا إلى الحصول على حصة من مبيعات الدفاع إلى دول آسيوية وأفريقية أخرى، تمتد من تونس وكينيا إلى باكستان وماليزيا والفلبين.

مزايا تكنولوجيا الطائرات بدون طيار

ومن بين صناعات الدفاع المختلفة، برزت تقنيات الطائرات بدون طيار التركية والتي كان لها تأثير على نطاق دولي. ولعبت أنظمة الطائرات بدون طيار المحلية دورًا حاسمًا في جميع النزاعات العسكرية التي شاركت فيها تركيا مؤخرًا. وفي ليبيا وكاراباخ على وجه الخصوص، غيرت الطائرات التركية بدون طيار الوضع على الأرض لصالح الجانب الذي تدعمه تركيا.

وأشارت التطورات في تلك النزاعات الأخيرة إلى أن الطائرات بدون طيار التركية هي واحدة من أكثر الخيارات نجاحًا وفعالية. وتتصدر "بيرقدار تي بي 2" سمعة الطائرات بدون طيار التركية.

وتم تصنيع "بيرقدار تي بي 2" بواسطة شركة التركية "بايكار" التركية. وتجدر الإشارة إلى أن "سلجوق بيرقدار"، صهر الرئيس "أردوغان"، يعمل كرئيس تنفيذي للتكنولوجيا في الشركة وكان شخصية رئيسية في البحث والتطوير لبرامج الطائرات بدون طيار. وخلال عام 2020، حققت "بايكار" إيرادات تقارب 360 مليون دولار من صادرات أنظمة الطائرات بدون طيار المسلحة.

في أواخر مايو/أيار 2021، وقّع وزير الدفاع البولندي "ماريوز بوشاشتشاك"، خلال زيارته لأنقرة، صفقة مع نظيره التركي لشراء 24 طائرة "بيرقدار" . ويقال إن قيمة الصفقة 270 مليون دولار.

وبصرف النظر عن المكاسب المالية، هناك فوائد أكثر أهمية لتركيا. ويُنظر إلى هذه الصفقة باعتبارها أول صفقة كبيرة لصناعة الدفاع التركية مع إحدى دول الناتو والاتحاد الأوروبي. وبالرغم أن تركيا استثمرت بشكل كبير في صناعتها الدفاعية لتصبح مُصدرًا بارزًا لتقنيات الدفاع، إلا أن استراتيجية التصدير كانت تستند بشكل أساسي على بلدان في آسيا وأفريقيا.

وتكمن الطبيعة الفريدة لصفقة بولندا في أنها تشير إلى أن أنقرة مستعدة لتوسيع صادراتها إلى سوق جديدة تماما، مع تداعيات سياسية واستراتيجية مهمة. في هذا السياق، يمكن تفسير الزيارة الأخيرة التي قام بها نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع اللاتفي إلى تركيا، في أوائل يونيو/حزيران المنصرم، على أنها علامة إضافية تؤكد التوسع التركي المخطط له. وأعرب المسؤول اللاتفي علانية عن اهتمامه بأنظمة الطائرات بدون طيار التركية، مما يشير إلى صفقة محتملة مع وزارة الدفاع اللاتفية في المستقبل القريب.

ووفقًا لمصادر في "بايكار"، يمكن لدول مثل المجر وبيلاروسيا وبلغاريا وجمهورية التشيك أن تحذو حذوها وتشتري طائرات بدون طيار قريبًا. ومن شأن ذلك أن يمثل إضافة في قائمة العملاء الذي يتمتعون بثقل استراتيجي بسبب مكانتهم الدولية أوعضويتهم في منظمة ما أو موقعهم الجغرافي.

من بولندا إلى أوكرانيا: التداعيات الجيوسياسية لصادرات الدفاع

تعرضت تركيا لضغوط شديدة من الولايات المتحدة فيما يتعلق بشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400". لذلك يسعى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إلى ترسيخ موقف تركيا الإقليمي من خلال زيادة نفوذه تجاه حلفاء الناتو لتوسيع قدرة تركيا على اتخاذ قرارات مستقلة في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية.

ومع تراجع أولويات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل كبير في عهد "بايدن" وصعود روسيا في قائمة التهديدات التي تتصورها واشنطن، يتطلع "أردوغان" إلى تكييف الاستراتيجية التركية وفقًا لذلك. ويعتبر ظهور تركيا كلاعب إقليمي كبير يمكن أن يعمل كموازن لموسكو، فرصة استراتيجية لواشنطن أكثر من الدور الحالي لتركيا كقاعدة عسكرية ولوجيستية بسيطة.

وقبل الاتفاق مع بولندا والمحادثات مع لاتفيا، قامت أنقرة أيضًا ببيع عدد من الطائرات بدون طيار إلى أوكرانيا من خلال شراكة تأسست في عام 2019 واستمرت في النمو بشكل مطرد منذ ذلك الحين. وبينما تسعى كييف جاهدة للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي و"الناتو" (وهو إجراء يُنظر إليه على أنه أحد الأسباب الجذرية لـ "الثورة الأوكرانية 2014" والتدخل الروسي الذي أعقب ذلك في أوكرانيا) تتطلع تركيا إلى الاستفادة من الفرصة الحالية.

ومرة أخرى، من خلال الجمع بين القوة الخشنة والناعمة واستخدام الروابط السياسية والدينية والثقافية لتوسيع نفوذها، تصل أنقرة إلى مجالات جيوسياسية أخرى.

واهتمت أنقرة بتتار القرم، وهم أقلية مسلمة من أصل عرقي تركي تعرضت للقمع في ظل النظام الحالي الذي تسيطر عليه روسيا في شبه جزيرة القرم. ومن خلال تعزيز القدرات الدفاعية لأوكرانيا في كفاحها لاستعادة شبه جزيرة القرم، يمكن أن تظهر أنقرة كداعم لسكان محليين مضطهدين لهم جذور مشتركة معها.

ومن شأن تصدير تكنولوجيا الطائرات بدون طيار التركية إلى مناطق تشكل أهمية استراتيجية لموسكو - بولندا ودول البلطيق وأوكرانيا وربما بيلاروسيا - أن يمنح أنقرة ميزة كبيرة في أي مفاوضات مع الولايات المتحدة وأعضاء "الناتو" الآخرين.

التوقعات

ويمكن فهم إنشاء صناعة دفاعية تركية قوية متعددة الأغراض من خلال ثلاثة اتجاهات استراتيجية:

أولاً، الفوائد المالية التي يمكن جنيها . ولا يقتصر ذلك فقط على الأموال التي يتم تحصيلها من الصادرات الدفاعية بل يشمل أيضا توفير في الإنفاق على الاحتياجات الدفاعية، حيث أصبحت تركيا غير مضطرة إلى عقود الدفاع الأجنبية باهظة الثمن بفضل الإنتاج المحلي.

ثانيًا، يساهم البحث والتطوير في مجال التقنيات المتخصصة، في دعم هدف "أردوغان" الرئيسي المتمثل في التوسع الدولي وترسيخ تركيا كجهة فاعلة إقليمية رئيسية.

ثالثًا، والأهم من ذلك، من خلال صناعة دفاع محلية مستقلة، لن تعتمد أنقرة بالكامل بعد الآن على اللاعبين العالميين الرئيسيين، مثل روسيا أو الولايات المتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي الرائدة. لذلك، ستكون تركيا قادرة على تطوير سياسة خارجية مستقلة تمامًا، مدعومة بقدراتها الدفاعية الوطنية. وبالتالي، فإن أي تحركات استراتيجية تركية على الساحة الدولية لا يمكن أن تمليها أو تعرقلها أطراف أخرى.

في هذا الصدد، فإن الهدف طويل المدى لتحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة القدرة التصديرية لتكنولوجيا الدفاع التركية يشكل معيارًا حاسمًا لتحقيق أهداف تركيا الاستراتيجية للتوسع الإقليمي والجيوسياسي. وقد حدد "أردوغان" هذه الأهداف منذ السنوات الأولى لحكم حزب "العدالة والتنمية"، وتجلت بوضوح من خلال المناورات التركية منذ ذلك الحين.

المصدر | أليكس كاسدياريس/ إنسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

طائرات بدون طيار بايكار العلاقات التركية الأوكرانية إس400 الاستراتيجية التركية الصناعات الدفاعية التركية

برعاية الرئاسة التركية.. انطلاق فعاليات مهرجان طائرات الدرون

إيران وإسرائيل.. كيف غيرت المسيرات وجه الحرب في الشرق الأوسط؟