استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

التعلم من دروس الآخرين

الخميس 8 يوليو 2021 06:16 م

التعلم من دروس الآخرين

نظامَان هيمنا على المساحتين العالميتين بالقرن الماضي: النظام الرأسمالي الليبرالي والنظام الاشتراكي بتلاوينه الماركسية المختلفة.

ما أفضل نظام سياسي اقتصادي يؤمن بمبادئ ومكونات العدالة الاجتماعية ويعمل لتفعيلها في الواقع الإنساني والدفاع عن ذلك التفعيل؟

هناك مطالب متعاظمة بمراجعة الإيديولوجيتين الراسمالية والاشتراكية فكلتاهما تعيش أزمة حقيقية ومن يحملهما من أحزاب وحكومات وأفراد.

شهد القرن الماضي جرائم حقوقية باسم الاشتراكية والفاشية ويشهد القرن الحالي ظلما وفقرا وأزمات باسم النيوليبرالية مع صعود الشعبوية والوطنية العنصرية.

*     *     *

عندما نبحث عن أفضل نظام سياسي اقتصادي يؤمن بمبادئ ومكونات العدالة الاجتماعية، ويعمل من أجل تفعيلها في الواقع الإنساني والدفاع عن ذلك التفعيل، ويساهم في تحسين فهم ومنطوق تلك المكونات والمبادئ وتحسين ظروف تطبيقها في الواقع لتكون مقبولة من أغلبية أفراد المجتمعات ورافعة لإنسانيتها.

فمن الضروري أن نعرف خلفية ولادة ومسيرة النظامَين السياسيين والاقتصاديين اللذين هيمنا على المساحتين العالميتين عبر القرون الثلاثة الماضية:

- الأول ما توافق الناس على تسميته بالنظام الرأسمالي الليبرالي،

- والثاني هو النظام الاشتراكي بتلاوينه الماركسية المختلفة.

  لقد ولد كلا النظامين من رحم أفكار الأنوار الأوروبية التي قادت إلى مطالب العصرنة والحداثة. وضمت تلك الأفكار والمطالب ما يلي:

- ضرورة إجراء تحولات جذرية في الاجتماع والسياسة، الأهمية الكبرى للحرية الفردية،

- الإيمان بأن التقدم ظاهرة حتمية، وأن أحد أهم وسائل مسيرة ذلك التقدم هو المساواة في المواطنة وانتشار وترسيخ العقلانية بدلاً من الخرافات والغيبيات (ما سيهيئ لتنمية رأي عام مستنير)،

- ممارسة المواطن لحقوق سياسية متعددة تقود إلى نظام حكم ديمقراطي تمثيلي ووجود مجتمع مدني نشط وفاعل في الحياة العامة مواز بندية لقوة سلطات الدولة،

وأخيراً، وكاستجابة لانتقال المجتمعات الأوروبية من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة، إعطاء أهمية كبرى لأن تكون المجتمعات منتجة اقتصادياً، على أن يخضع ذلك الإنتاج الاقتصادي لشروط التبادل التجاري الحر المستقل إلى حدود كبيرة عن تدخلات الدولة.

هناك تفاصيل وتجاذبات كثيرة حول كل فكرة ومطلب لسنا معنيين هنا بها. المهم أنه بمرور الزمن أنها جميعاً لم تتحقق في الواقع كما أراد أصحابها لها:

- إما لأن جهات مستفيدة شوهتها وحرفتها واستعملتها لمصلحتها،

- وإما لأن البشرية أعجز من أن تحمل مسؤولية تلك الأفكار والمطالب التغييرية الهائلة وتدافع عنها،

- أو لأن واقع الحياة وتطوراتها المتلاحقة جعلت بعضاً من تلك الأفكار والمطالب خارج الزمن وتحتاج إلى تعديلها أو استبدالها.

 والمهم أيضاً أن نعرف أن النظامين الرأسمالي والاشتراكي لم يعرفا كيف يستفيدان بصورة صحيحة وعادلة وشاملة مما كانت الأنوار والعصرنة قد طرحته.

الآن في هذه اللحظة، هناك في بلدان منشأ الأنوار والعصرنة شكوك كثيرة حول ما طرحا، وهناك مطالب متعاظمة بمراجعة الإيديولوجيتين الراسمالية والاشتراكية، إذ كلتاهما تعيش أزمة حقيقية، هما ومن يحملهما من أحزاب وحكومات وأفراد.

وخاصة في ضوء ما شهده القرن السابق من جرائم حقوقية باسم الاشتراكية والفاشية، وما يراه قرننا الحالي من ظلم وفقر وأزمات باسم النيوليبرالية، خصوصاً في ضوء الصعود الحالي للشعبوية وللوطنية العنصرية ولأنواع كثيرة من الصراعات الجندرية والدينية.

الحديث عن بديل ثالث يجمع أفضل ما في الاثنين كثير ومتعدد، لكن ما سيقود إليه غير معروف ومبهم. لكن ما يحز في النفس هو العودة إلى تأكيد البديهيات بعد قرون من ادعاء الأنوار والحداثة.

المهم أن فتح باب النقاش حول نظام سياسي اقتصادي صالح لبلاد العرب والضامن لقيام دولة العدالة الاجتماعية لا يستطيع أن يتجاهل تلك الخلفية التي فصّلنا بإيجاز، حتى ولو كانت لمجتمعاتنا العربية خصوصياتها وظروفها.

لكن يجب أن تبقى التجارب العربية المختلفة، عبر سنوات ما بعد الاستقلال الوطني، هي المحور الأساسي الذي يجب أن يقود ذلك النقاش وتلك المراجعة من أجل الوصول إلى نظام سياسي اقتصادي عربي حديث عادل وخادم لمطالب العدالة الاجتماعية، بحيث تتبناه الجماهير العربية وتناضل من أجله.

تلك المراجعة يجب أن ترفض الشطط في الفردية، حرية ومعيشة، وأن ترفض وجود فقر أو وجود غنى فاحش، أو هيمنة الأسواق دون ضوابط تضعها دولة الرعاية الاجتماعية، أو غياب ديمقراطية شرعية تمثيلية، أو هيمنة الخرافات على العقلانية، أو استعمال الدين بانتهازية وبتبريرات منحازة للظلم ولحكم فئة في الحياة السياسية، أو إضعاف وجود مجتمع مدني نشط وفاعل ومستقل عن سلطة الدولة، أو امتلاك وسائل الإنتاج الاقتصادي وخيراته من قبل أقلية، أو تخلّي الدولة عن التزاماتها في توفير الخدمات الاجتماعية من مثل التعليم والصحة والعمل والسكن، أو هيمنة قوى الحكم على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي واستغلالهما من دون تنظيم ذلك من خلال القوانين التشريعية والقضاء المستقل فقط.

نحن العرب، نحتاج إلى نظام كهذا، بمواصفات كهذه. أما التسميات فليست هي المشكلة.

* د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر بحريني

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

العدالة الاجتماعية، العرب، نظام سياسي اقتصادي، النظام الرأسمالي، النظام الاشتراكي، الماركسية، حكم ديمقراطي تمثيلي، النيوليبرالية،