استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أثيوبيا .. الحرب في "التيغراي" والمنعطف الأخير

السبت 17 يوليو 2021 04:49 م

أثيوبيا .. الحرب في "التيغراي" والمنعطف الأخير

استعجل آبي أحمد الاحتفال بالانتصار هوسا بالسلطة وليظهر قائدا كاريزميا قويا.

وحشية حرب أبي أحمد ضد إقليم تيغراي لعبت دورا في رسم منعطف جديد للصراع.

لا يستبعد أن يواجه أبي أحمد انقلاباً من الجبهة الداخلية خاصة من حلفائه الأمهرا والأورومو.

على أبي أحمد إيجاد طريقة للتعامل مع الإقليم غير سياسة العقاب الجماعي والنهج القائم على الانتقام الثأري.

تحدث أبي أحمد عن أن والدته الأمهرية أخبرته وهو في السابعة ِمن العمر أنه سيصبح الملك السابع لإثيوبيا.

مصالحة أبي أحمد "التاريخية" مع إريتريا عام 2018 كانت جزءًا من استراتيجيته لإقصاء نخبة التيغراي من المشهد السياسي الإثيوبي.

استنجد نظام أحمد بحليفه الإريتري الذي خاض حربا سابقة مع التيغراي (1988-2000) خلّفت أزيد من مئة ألف قتيل وثمّة عداوات وثارات قديمة!

ماذا ينتظر إثيوبيا بعد استيلاء جبهة التيغراي من جديد على عاصمة الإقليم وشروع الجيش الفيدرالي بالانسحاب منه وإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد؟

*     *     *

كان من الواضح أن أسباب الحرب الشاملة التي شنّتها حكومة أبي أحمد في إثيوبيا على إقليم التيغراي في نوفمبر الماضي، في العملية التي سمتها "إنفاذ القانون"، كانت منافيةً تمامًا للرواية التي ساقتها الحكومة المركزية في حينه، عندما برّرت الحرب "بهجوم الجبهة على قاعدة عسكرية تابعة للجيش الفيدرالي".

بل اتضح بمرور الوقت أن خطة الحرب كانت معدّة سلفًا باعتبارها أبعد مدى وصل إليه الصدام المحتوم بين إدارة أبي أحمد وجبهة تحرير شعب التيغراي، التي حكمت البلاد طوال العقود الثلاثة الأخيرة.

وقد أعلن أبي أحمد، بعد أقل من شهر من بدء العملية العسكرية، طيّ صفحة الحرب، وهزيمة الحركة في الإقليم وسيطرة القوات الفيدرالية على العاصمة مقلي.

كما أعلن عن القبض على شخصيات رئيسية ومؤسسة في الجبهة كان لها صيت سيئ في الوضع الحقوقي والإنساني في إثيوبيا، خاصة أن لدى الجبهة سجلا حافلا بالتجاوزات الإنسانية في أثناء حكمها.

يبدو أن أبي أحمد استعجل الاحتفال بالانتصار؛ وهو المهووس بالسلطة والظهور قائدا كاريزماتيا وقويا، ومقلدا بوسام جائزة نوبل للسلام، وأوسمة إماراتية وسعودية بوصفه رجلا للسلام في المنطقة، نالها على خلفية مصالحته "التاريخية" مع إريتريا عام 2018، وهي خطوةٌ كانت جزءًا من استراتيجيته لإقصاء نخبة التيغراي من المشهد السياسي الإثيوبي.

إلا أن الأخبار عادت بنا باستعادة الجبهة العاصمة مقلي، وأنها أسرت آلافا من أفراد الجيش الفيدرالي بعدما حاصرتهم، ونظمت مسيرة عرض لاستسلامهم سميت بـ"مسيرة العار".

وقد تكون أكبر عمليةٍ استسلام لجيش نظامي منذ الحرب العالمية الثانية، حيث سار ما يقارب عشرة آلاف جندي في بعض التقديرات في الميادين وسط هتاف الجموع "أبي لص"!

يفسّر المتابعون في الصراع بأن رد الجبهة كان متوقعا، حيث موسم الأمطار في دول حوض النيل يتسبّب في صعوبة الحركة وقطع خطوط الإمداد، والحكومة نفسها استخدمت الحيلة نفسها بالقول إنها سحبت جيشها لدواع إنسانية، وتودّ إتاحة الفرصة لشعب تيغراي لزراعة أراضيه في موسم الزراعة، وهي التي قصفتهم بشتى أنواع الطائرات والأسلحة شهورا.

والمؤكّد أن وحشية الحرب التي قام بها أبي أحمد ضد الإقليم لعبت دورا في رسم المنعطف الجديد الذي دخله الصراع. لقد استنجد نظام أحمد بحليفه أسياس أفورقي، وهو الذي خاض حربا سابقة مع التيغراي (1988 - 2000)، خلّفت أزيد من مئة ألف قتيل، وثمّة عداوات وثارات قديمة!

وارتكب الجيش الإريتري مجازر مهولة حين اجتاح الإقليم، وثقتها تقارير حقوقية أممية، لكن الأخبار ظلت منقطعة عن الإقليم شهورا، باستثناء ما بثه ناشطون على "فيسبوك"، إلى أن توالت الضغوط الخارجية، خصوصا مع رحيل دونالد ترامب عن الرئاسة في الولايات المتحدة، واضطرت الحكومة المركزية، أخيرا، إلى السماح للصحافيين والمنظمات الإنسانية بالدخول إلى الإقليم.

وكانت القصص الواردة من الإقليم صادمة إلى أبعد حد؛ فقد انتهج نظام أبي أحمد ومعه نظام أسياس أفورقي، سياسة تدمير شامل للبنى التحتية والمستشفيات والمصانع والأسواق بطريقة ممنهجة ونظامية، بما فيها قصف أحياء سكنية وإعدامات مباشرة واغتصاب وبتر أعضاء.

ماذا ينتظر إثيوبيا الآن، وقد استولت جبهة التغراي من جديد على عاصمة الإقليم، ومع شروع الجيش الفيدرالي بالانسحاب من الإقليم وإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد؟

يرغب أبي بتوحيد جبهته الداخلية وتأكيد شرعيته عبر الانتخابات البرلمانية العامة التي أعلنت نتيجتها بتحقيق حزبه، الازدهار (الحاكم)، فوزا كبيرا، رغم أنها صُمّمت لفوز أبي أحمد سلفا، وتحدّثت البعثات الدولية بأنها أبعد ما تكون عن النزاهة، وقاطعتها أحزاب سياسية معتبرة.

إلا أن الانسحاب من الإقليم يعد خيارا تكتيكيا بالنسبة إلى أبي أحمد، بالإضافة إلى أنه يتعرّض لضغوط أميركية وأوروبية وجهات حقوقية عديدة لإيقاف الحرب، وقد تعرّض مسؤولون في حكومته لعقوبات أميركية في أوائل شهر يونيو الماضي.

قد يصح القول إنه ربما لهذه الأسباب يفضّل أبي أحمد وقف إطلاق النار مؤقتا، وقد رحبت واشنطن وجهات خارجية أخرى بذلك، لكن المؤكد أن جبهة التيغراي لن تتوقف دون السيطرة على كامل أراضيها، والتي توسّعت بمناطقها الحدودية مليشيات عرقية تنتمي لإقليم أمهرا المجاور، ويشهد الإقليمان توترات حدودية تاريخية.

من الناحية الإقليمية، ومع تصاعد خلافات ملف سد النهضة وأزمة الحدود السودانية الإثيوبية، تبدو الصورة الإقليمية مقلقةً أكثر بالنسبة إلى أبي أحمد، ففي الثمانينيات، وعندما كانت جبهة تحرير شعب التيغراي تقاتل نظام الديرغ، كانت تتلقى الدعم والتأييد من نظام جعفر نميري في السودان.

الآن مصر وبدرجة أقل السودان تبدوان ناقمتين على الحكومة المركزية، وعلى كيفية إدارة أبي أحمد ملف سد النهضة والحصص المائية للأطراف الثلاثة، بسعيه إلى فرض الأمر الواقع، وهو ما تعدّه مصر تهديدا حقيقيا لها. يعني ذلك كله أن أي حرب طويلة الأمد مع الجبهة لن تكون لصالح استقرار نظام أبي أحمد إقليميا.

في السياق الإقليمي نفسه، أجرى أبي أحمد اتصالا مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، فور سقوط إقليم التيغراي بيد الجبهة، ويعتقد بأن طائرات الدرونز الإماراتية لعبت دورا في سقوط الإقليم بيد الجيش الفيدرالي في نوفمبر الماضي، كما صرح بذلك رئيس الإقليم في مقابلة حديثة مع صحيفة نيويورك تايمز (3 يوليو الجاري).

ويفسر بعضهم بأن أبي أحمد بدأ يستنجد بطائرات درونز المسيّرة من الإمارات، والتي منعت إدارة بايدن استخدامها في اليمن والتيغراي.

لكن، وأيا يكن، يواجه أبي أحمد في الميدان صقور الشخصيات العسكرية التي أسقطت نظام الديرغ العسكري في الثمانينيات والتسعينيات، ومن غير المرجّح أن يتمكّن من هزيمتهم، مثل تسادكان جبريتنساي ودبرسيون ميكائيل (تعني جبل صهيون بلغة التيغراي)، ويقودان المعارك حاليا من الميدان.

بصورة عامة، إثيوبيا بلد ذو تاريخ سياسي معقّد، وجبهة تحرير شعب التيغراي، ورغم أنها غزت الصومال 2006، وحكمت إثيوبيا في حالة الاستثناء الأغامبينية منذ 1991، حيث تقوم فيها السيادة على خرق القانون، وحيث قانون الطوارئ هو قاعدة الحكم والمعيار.

إلا أنها حاليا خرجت تمامًا من المشهد السياسي في المركز، وربما بشكل نهائي، وعلى أبي أحمد إيجاد طريقة للتعامل مع الإقليم غير سياسة العقاب الجماعي والنهج القائم على الانتقام الثأري.

لكن يبدو أن هذا لا يتوافق مع مزاج أبي أحمد، المهووس بالسلطة والحكم، حيث يود تأكيد نفسه رئيسا مستقبليا لإثيوبيا، وربما قد يذهب إلى أبعد من هذا، حيث شاعت تصريحات مسجلة يتحدث فيها عن أن والدته الأمهرية أخبرته، وهو في السابعة ِمن العمر، بأنه سيصبح الملك السابع لإثيوبيا.

في وسع أبي أحمد أن يجري انتخابات صورية لترسيخ شرعيته في الحكم، لكن ثمّة أسئلة وتعقيدات غير محسومة سيواجهها، وسينجرف معها مصير الدولة الإثيوبية برمتها، أهمها الأوجه التي ستأخذها الحرب في الفترة المقبلة: بدءا بمصير إقليم التيغراي، الذي يواجَه بأحد خيارين:

- أن تترك الحكومة المركزية أمر الإقليم وشأنه وبذلك يشكّل خاصرة رخوة على مستقبل نظام أبي أحمد السياسي، خاصة أن الجبهة حكمت البلاد نحو ثلاثة عقود، ولن تتوانى عن زعزعة حكم أبي أحمد (أو حتى نظام أفورقي المجاور أيضا).

تتزايد خطورة هذا السيناريو إذا نظرنا إلى وضع الإثنية الفيدرالية الهشّ القائم في البلاد والتوترات الحدودية المنتشرة في طول البلاد وعرضها.

- الخيار/ السيناريو الآخر بانفصال الإقليم عن باقي إثيوبيا، وهو مدار الحديث لدى نخب التيغراي، وهو بند منصوص عليه في دستور البلاد عام 1994، (تحدث عنه رئيس الإقليم في مقابلته أخيرا مع "نيويورك تايمز").

غير أنه يحمل، هو الآخر، غير قليل من الفوضى والبلقنة لوضع المنطقة برمتها، وليس وضع إثيوبيا المنقسم إثنيا فقط، لكن المؤكد كذلك أنه سيرتدّ سلبًا على حساب الإقليم نفسه.

فمن المرجّح أن انفصال الجبهة سيصوّر أبي أحمد بطلا قوميا موحدا للحس القومي الإثيوبي، مثل ما حدث في السبعينيات في أثناء حرب منغستو هيلا مريام مع الصومال، عام 1977، وهو الأمر الذي سيعزّز من شرعيه أبي أحمد الداخلية.

في الخلاصة، يهدف أبي أحمد، في هذه المرحلة، إلى تأكيد خيار شرعيته الداخلية عبر الانتخابات. وفي ظل الوضع غير المستقر والمشحون داخليا، ليس مستبعدا أن يواجه انقلابا من الجبهة الداخلية، خصوصا من حلفائه الأمهرا والأورومو!

لكن ما المؤكد أن التيغراي خرجوا من المشهد السياسي العام، ولم يعودوا يشكلون تهديدًا سياسيًا، مع استعصاء هزيمتهم عسكريا في المدى المنظور، رغم التدخل الواسع من حليفي أبي أحمد في المنطقة: الإمارات وإريتريا (أسياس أفورقي). وسترسم الفترة المقبلة الاتجاهات المستقبلية للصراع، والتي بدورها ستحدّد شكل الدولة الإثيوبية المقبل.

* صهيب محمود كاتب وباحث صومالي، مهتم بالقرن الأفريقي.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

أثيوبيا، أبي أحمد، التيغراي، أسياس أفورقي، سد النهضة، جبهة تحرير شعب التيغراي، مصر، السودان، الأمهرا، الأورومو، الإمارات،