جيوبوليتكال: الأردن في صراع مصيري من أجل البقاء

الأحد 25 يوليو 2021 05:51 ص

وصف المسؤولون الأمريكيون اتفاقية التعاون الدفاعي الموقعة بين الولايات المتحدة والأردن في وقت سابق من هذا العام بأنها تعكس الأهمية الاستراتيجية للأردن في الشرق الأوسط. وينص الاتفاق على بناء قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة في البلاد لاستيعاب نقل الأصول العسكرية من قطر والكويت وتركيا.

ويقول مسؤولون أردنيون إن "الاتفاقية تعد تتويجا لعقود من التعاون بين البلدين ووسيلة لتحقيق المزيد من الاستقرار في المنطقة". ولطالما كان الأردن قلقا بشأن موقعه الاستراتيجي الضعيف (مقارنة بإسرائيل المجاورة) وإمكانية وصول موجة أخرى من اللاجئين الفلسطينيين عبر حدوده. لكن يبدو أن الملك "عبدالله الثاني" يتجاهل حقيقة أن الوجود العسكري الأمريكي في الأردن لن يحل مشاكل البلاد التي لا تعد ولا تحصى.

بداية مضطربة

وكان البريطانيون قد أسسوا إمارة شرق الأردن عام 1921 بعد فصلها عن فلسطين. وأراد الهاشميون (أحفاد الأمويين الذين قادوا الخلافة الإسلامية من دمشق بين عامي 661 و750) إعادة مجدهم. وكان هدف بريطانيا هو منع الأمير "عبدالله"، الابن الأكبر لملك الحجاز الشريف "حسين بن علي" من الاستيلاء على دمشق والمطالبة بها مقرا لمملكته العربية. وكان استيلاء الأمير على دمشق يناقض شروط اتفاقية "سايكس بيكو" لعام 1916 والتي أعطت فرنسا حق السيطرة على سوريا ولبنان.

وفي عام 1923، أنشأ البريطانيون "الفيلق العربي" والذي كان من أدواره مراقبة الحدود مع سوريا لمنع القبائل من اقتحام المنطقة التي تديرها فرنسا. ومنحت بريطانيا شرق الأردن الاستقلال عام 1946 بتوقيع لندن، وهو معاهدة تشبه اتفاقية التعاون الدفاعي الأخيرة مع الولايات المتحدة. وفي عام 1949، أعاد الملك "عبدالله الأول" تسمية البلاد بالمملكة الأردنية الهاشمية بعد ضم الضفة الغربية.

وفي عام 1956، طرد الملك "حسين" ضباط الجيش البريطاني من البلاد وقام بتعريب الجيش الأردني لإرضاء الأغلبية الفلسطينية العربية.

علاقة الحب والكراهية مع إسرائيل

وخلال العقود الماضية، كانت علاقة الأردن مع إسرائيل مضطربة. وبدأ الملك "عبدالله الأول" اتصالات مباشرة ولكن سرية مع قادة الحركة الصهيونية في فلسطين في منتصف الثلاثينيات. وفي عام 1948، خاض الفيلق العربي حربا مع إسرائيل للاستيلاء على جزء من فلسطين كان "عبدالله" قد وافق على ضمه إلى شرق الأردن خلال اجتماع في عمّان مع "جولدا مائير"، التي كانت آنذاك رئيسة الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية.

وكان الملك "حسين"، الذي تولى العرش عام 1953 بعد اغتيال "عبدالله" عام 1951، على اتصال محدود مع القادة الإسرائيليين حتى عام 1963 عندما أطلقت المخابرات الإسرائيلية حملة لدعم العلاقات بين الجانبين لكن "حسين" والقيادة الإسرائيلية فشلوا في التوصل إلى اتفاق سلام. ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "مناحيم بيجن" بشكل قاطع مبدأ الدولة الفلسطينية واقترح أن يصبح الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين.

وفي عام 1997، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "خالد مشعل" في عمّان، وأجبر ذلك الملك "حسين" على التهديد بإلغاء اتفاق "وادي عربة" للسلام، ما أجبر الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" على التدخل والإصرار على أن يقدم "نتنياهو" الترياق الذي أنقذ حياة "مشعل". لكن بالرغم من علاقة "حسين" المتوترة مع "بيجن" و"نتنياهو"، تعاون البلدان في بعض النقاط الرئيسية.

وحذر الموساد الملك "حسين" عدة مرات من تهديدات لحياته من قبل عملاء للمخابرات المصرية. وعشية حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، أبلغ "حسين" رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك "جولدا مائير" أن مصر وسوريا تخططان لهجوم متزامن على القوات الإسرائيلية في سيناء ومرتفعات الجولان.

واليوم، لا تزال العلاقات بين إسرائيل والأردن متوترة. فقد رفض الملك "عبدالله الثاني" خطة "ترامب" للسلام في الشرق الأوسط، معتبرا إياها تهديدا وجوديا لبقاء الأردن كمملكة هاشمية.

وأعرب الملك "عبدالله" عن اعتقاده أن الخطة ستقوض وصاية الأردن على الأراضي المقدسة في القدس وتطلق موجة جديدة من اللاجئين الفلسطينيين من شأنها أن تغير التركيبة السكانية غير المستقرة في الأردن. وأدت مقاومته للصفقة إلى عزلته خلال رئاسة "ترامب".

وأعطى انتخاب "جو بايدن" رئيسا للولايات المتحدة "عبدالله" أملا جديدا في إمكانية إنهاء عزلة الأردن. ولكن "عبدالله" لا يثق في قدرة الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة "نفتالي بينيت" على حل القضية الفلسطينية ولا يعتقد أنها ستستمر.

نزاع العائلة المالكة

ومن بين التحديات التي يواجهها الأردن حاليا الخلاف داخل العائلة المالكة نفسها. وقالت الحكومة في أبريل/نيسان الماضي إنها كشفت مؤامرة يقودها الأمير "حمزة"، الأخ غير الشقيق للملك "عبدالله الثاني". وكشفت السلطات عن تفاصيل قليلة حول المؤامرة، واكتفت بالقول إنها ترقى إلى مستوى "الفتنة".

كما يُزعم أن المؤامرة تورط فيها أيضا أحد أفراد العائلة المالكة (لم يتم ذكر اسمه) ووزير سابق في مجلس الوزراء، وعشرات من القبائل التابعة. ولم يُحاكم أمام المحكمة سوى فرد من العائلة المالكة ووزير مجلس الوزراء، بينما نجا "حمزة" وشركاؤه من القبائل.

وربطت وسائل الإعلام خارج الأردن المؤامرة المزعومة بولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، الذي يُزعم أنه سعى للإطاحة بـ"عبدالله" وتنصيب "حمزة" ملكا على الأردن. ويُعتقد أن ولي العهد فضل "حمزة" لأنه، على عكس "عبدالله"، كان منفتحا على توقيع "اتفاقيات إبراهام" التي كانت ستمهد الطريق أمام الرياض لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل.

وكانت مثل هذه المعاهدة مهمة لأن نجاح مشروع "نيوم" السعودي العملاق بالقرب من الحدود الأردنية يعتمد على التعاون الإسرائيلي، الأمر الذي يتطلب تطبيع العلاقات بين السعوديين والإسرائيليين.

ويشير الحادث إلى صراع غير مسبوق بين الملك الهاشمي وبدو شرق الأردن الذين يشكلون العمود الفقري لدعم النظام الملكي. وخلقت الأزمة الاقتصادية العميقة في الأردن، التي تفاقمت بسبب جائحة "كوفيد-19"، انقساما بين العائلة المالكة وشريحة من بدو شرق الأردن، وشعرت الأخيرة أن الحكومة لم تعالج مظالمها الاقتصادية. وقدم الأمير "حمزة" نفسه كمدافع عن الامتيازات التي فقدها البدو. 

تحالفات مراوغة وإصلاحات جوفاء

ويميل الحكام العرب إلى عدم أخذ الإصلاح السياسي على محمل الجد، ولا يعتبر الملك "عبدالله الثاني" استثناء من هذه القاعدة. ويدرك "عبدالله" أن إدارة "بايدن" تريد منه إطلاق إصلاحات سياسية شاملة، لذلك قام بتشكيل لجنة ملكية الشهر الماضي للنظر في التغييرات السياسية والبيروقراطية والاقتصادية.

وفي كلمته أمام اللجنة، تفاخر الملك بما أسماه عملية إصلاح مستمرة بدأت منذ وقت تأسيس الأردن قبل قرن من الزمان. وبالنظر إلى ما حققته اللجان السابقة خلال حكم "عبدالله" المستمر منذ 22 عاما، هناك أمل ضئيل في أن تحرز اللجنة الجديدة أي تقدم.

ويبدو أن خطة النشر الدائم لوحدة كبيرة من القوات الأمريكية للسيطرة على حدود الأردن مع سوريا والعراق والسعودية قد أوحت لـ"عبدالله" أن نظامه آمن. وأعطى ترحيب "بايدن" بـ"عبدالله" وولي عهده الشاب في البيت الأبيض انطباعا للملك الأردني بأن الولايات المتحدة ملتزمة بدمج ابنه في شراكة استراتيجية بعيدة المدى ودائمة.

لكن تركيز السياسة الخارجية لـ"بايدن" ليس على الشرق الأوسط. ولم تحدد إدارته كيف سيكون شكل التعاون مع الأردن بخلاف إرسال القوات وتخزين المعدات العسكرية. وتهتم واشنطن حاليا بمجموعة محدودة من الأهداف في المنطقة، بما في ذلك إعطاء إسرائيل ضمانات أمنية كافية، من ضمنها عزل الأردن عن دائرة نفوذ إيران على سبيل المثال.

ويعد إعادة انتشار الولايات المتحدة في الأردن جزءا من هذه الأجندة. ويرى الملك في اتفاقية التعاون الدفاعي مع واشنطن وسيلة لتأمين نظامه ومستقبل ولي العهد، لكن الوجود العسكري الأمريكي الكبير والواضح لن يؤدي إلا إلى تشجيع المجتمع المدني الأردني الوليد على تعزيز حراكه وتأثيره على سياسة البلاد.

المصدر | هلال خاشان - جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

انقلاب الأردن الملك عبد الله الثاني الأمير حمزة بدو شرق الأردن اتفاقية دفاعية العلاقات الأردنية الأمريكية العلاقات الأردنية الإسرائيلية عبدالله الثاني

العلاقات الإسرائيلية الأردنية.. هل تتحسن في عهد نفتالي بينيت؟

التنافس داخل المملكة يهدد الاستقرار.. إيكونوميست: الأردن وملكه ليسا سعيدين