استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

النيل العملاق والخيال الكسيح

الأحد 25 يوليو 2021 08:03 م

النيل العملاق والخيال الكسيح

يتوجب اقتران الدفاع عن المياه بتشديد أنساق معارضة النظام وفضح خيارات السيسي التفاوضية التي أوصلت أثيوبيا إلى هذا الصلف.

كان السيسي منشغلاً بالتورّط العسكري في ليبيا ورسم الخطوط الحمراء هناك وتغافل عن مراحل بناء سدّ النهضة وعمليات الملء الأوّل.

الآمال الكبار ليست اليوم معقودة على اغتنام فرصة النيل فليست مياه النهر العبقري بل غالبية المعارضات المصرية هي التي زادها… الخيال الكسيح!

الأكثر فضائحية ومدعاة لارتقاء معارضة النظام اتكال السيسي على أمريكا لإسناد موقف مصر وحصاد الخذلان والخيبة ثمّ اللجوء لاحقاً لمجلس أمن دولي مشلول.

لا يصحّ أخلاقيا وسياسيا وإنسانيا لأي تضامن أن يتجاهل مباذل النظام المتعاقبة ضد مصر الشعب والدولة أو يستبعد تفريطا بمياه النيل ضمن نهج متواصل من تنكيل وقمع واستهانة.

*     *     *

في أحد وجوهها المتعددة، وعلى صعيد وطني مصري في المقام الأوّل، تبدو معالجات عبد الفتاح السيسي لمشكلة سدّ النهضة وانخفاض منسوب النيل والأخطار الزراعية والبيئية والإروائية التي سوف تقترن بهذا التطوّر الخطير.

وكأنها ترجيع صدى لقراره الخطير بدوره في التنازل عن جزيرتَي تيران وصنافير؛ مع سلسلة فوارق جوهرية بالطبع، تخصّ مكانة النيل في الوجدان الجَمْعي المصري، ولأنه ليس مجرّد نهر عملاق عابر للحضارات والشعوب والثقافات.

وإذْ يتضامن المرء، على نحو مطلق صريح لا لبس فيه ولا تأتأة، مع حقوق الأشقاء المصريين في نهر اعتبر المؤرّخ اليوناني هيرودوت أنه «هبة مصر» إلى العالم؛ فإنّ أيّ طراز من التضامن لا يصحّ، أخلاقياً وسياسياً وإنسانياً في آن معاً، أن يتجاهل مباذل النظام المتعاقبة ضدّ مصر الشعب والدولة، وأن يستبعد التفريط في مياه النيل ضمن نهج طويل عريض من التنكيل والقمع والانتهاك والاستهانة.

لا يستقيم، كذلك، أن ترتدّ فئات ما تبقى من معارضة مصرية، في أوساط اليسار والقوى التقدمية والناصرية، إلى حال العطالة ذاتها التي طبعت مواقفها من انقلاب السيسي: كانت معه «على العمياني» كما يُقال، ذعراً من الإخوان المسلمين وعجزاً عن مقارعتهم عبر وسائل سياسية سلمية؛ ثمّ أخذت تدفع الأثمان الباهظة جراء موقفها حين تفرّد السيسي واستبدّ وعربد.

وهكذا، لا يصحّ اليوم أن تكتفي تلك القوى بالانضواء في «تجييش» إرادي ذاتي خلف النظام، بذريعة النيل وحقوق مصر فيه، إذْ يتوجب اقتران الدفاع عن المياه بتشديد أنساق معارضة النظام وفضح خيارات السيسي التفاوضية التي أوصلت أثيوبيا إلى هذا الصلف، وكيف كان منشغلاً بالتورّط العسكري في ليبيا ورسم الخطوط الحمراء هناك وتغافل عن مراحل بناء سدّ النهضة وعمليات الملء الأوّل.

ولعلّ الأكثر فضائحية، ومدعاة ارتقاء أعلى بمضامين معارضة النظام، هو اتكال السيسي على الولايات المتحدة لإسناد موقف مصر، وحصاد الخذلان وخيبة الأمل؛ ثمّ اللجوء لاحقاً إلى مجلس أمن دولي مشلول عادة إزاء مشكلات معقدة أقرب إلى اشتباكات جيوسياسية إقليمية ودولية.

وقد يساجل البعض، ضمن القوى ذاتها التي تزعم معارضة النظام، أنّ المطلوب اليوم هو الالتفاف حول القضية الوطنية الملحّة وليس إشغال الرأي العام المصري بملفات المعارضة؛ ومساجلة كهذه لن تكون خطأ سياسياً وتكتيكياً فقط!

بل ستشكل ضربة موجعة جديدة لمصداقية المعارضة في نظر فئات الشعب المصري المختلفة، بعد ضربات أخرى سابقة ابتدأت من التهليل للانقلاب تحت مسميات مضللة وخادعة، ومرّت بابتلاع قسري لتعديلات السيسي على الدستور بما يتيح له الحكم حتى سنة 2030 على الأقل، ولا يلوح أنها سوف تنتهي عند أيّ حدود.

بعض المعارضين، وفي عدادهم نُخُب سياسية وثقافية وفكرية وإعلامية، اعتبرت أنّ تأييدها السيسي يوم 3 تموز/ يوليو (وبالتالي تجميل تحركه بعيداً عن مصطلح الانقلاب) كان بدافع أنّ هذه هي إرادة الشعب المصري المتطلع إلى التخلص من حكم الإخوان!

ثمّ اتضحت، تباعاً، أشكال التزييف التي ابتدعها الانقلاب لتزوير الرأي العام الشعبي، حتى أنّ المخرج الشهير الذي لفّق أفلام «المليونيات» سرعان ما صار هو نفسه طريد أجهزة السيسي، ومثله هذا أو ذاك من مشاهير الإعلاميين والكتّاب والنشطاء.

وبالطبع، لم يكن الذهن المعارض الأصيل بحاجة إلى كبير تمحيص وتفكير وتحليل كي يتخذ الموقف الأبسط والأصحّ: السير في مظاهرة تهتف ضدّ إجراءات الإخوان المسلمين، والعمل على تأهيل الصفوف وتأهيب الفئات الشعبية من أجل حُسن ملاقاة الجماعة وهزيمتها في صندوق الاقتراع المقبل؛ والسير، في الآن ذاته، ضمن مظاهرة تناهض الانقلاب، وترفع رايات التغيير الديمقراطي السلمي.

تلك فُرص ثمينة ضائعة ومضيَّعة، ومن أسف أنّ الآمال الكبار ليست اليوم معقودة على اغتنام فرصة النيل؛ فليست مياه النهر العبقري، بل غالبية المعارضات المصرية، هي التي زادها… الخيال الكسيح!

* صبحي حديدي كاتب سوري مقيم بباريس.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

مصر، النيل، سد النهضة، أثيوبيا، المعارضة، السيسي، اليسار،