أسرار من الأرض

الأحد 8 نوفمبر 2015 03:11 ص

لقد ملّ عالم الأثار «مئير بن دوف». إنه يستمع طول الوقت الى السياسيين والاعلاميين وهم يتحدثون عن الحرم والمسجد الاقصى، ويشد شعره المتبقي على رأسه. «الكثير من الكلام الفارغ سمعته في الأشهر الأخيرة. ولا أعرف إذا كان كلامهم ينبع من عدم المعرفة أو من محاولة تشويش الوضع، لكنني أشعر أن موضوع الحرم يأتي من مكان سطحي وضعيف».

لا يوجد شخص يعرف الحرم من جميع جوانبه اكثر من بن دوف. حيث عينه في 1968 معلمه البروفيسور «بنيامين مزار» نائبا لمدير الحفريات في حارة اليهود، واستمر في متابعة الأماكن المقدسة في القدس حتى التسعينيات.

حدث تاريخي

بعد احتلال البلدة القديمة في حرب الأيام الستة، في حين أن معظم علماء الآثار لم يستوعبوا بعد نتائج الحرب. استدعى عالم الآثار القديم «بنيامين مزار»، بن دوف إلى مكتبه. «كنت احاول استيضاح ما حدث مع خبراء الآثار الذين تعلموا معي في الجامعة، لكن البروفيسور مزار قال لي إنه يريد الحفر في منطقة حائط البراق وسألني إذا كنت أوافق على ادارة الحفريات. فوافقت فورا». تذكر «بن دوف».

أراد «مزار» أن يبدأ الحفر فورا، لكنه استسلم للضغط السياسي والديني. «خلال عشرة أشهر علق القرار حول بداية الحفر. كانت هذه فترة رفض فيها رئيس الحكومة ليفي أشكول والحاخامية الرئيسة الموافقة على الحفر في المنطقة المقدسة. وأنا اعتقد أن هناك ضغط دولي ساهم في قرار أشكول».

نجح «بن دوف» في إيجاد الحل. «في أحد الأيام وصلت إلى الحاخامية في البلدة القديمة، التي كانت مدرسة عربية قبل حرب الأيام الستة وطلبت من الحاخام عداس الذي كان مدير لدى الحاخام الرئيس إسحق نسيم، أن يرتب لنا غرفة في المؤسسة. عداس قال إنه يأمل أن لا يسمحوا لنا بالحفر، وقال إننا سنحصل على غرفة عندما ينمو الشعر على يده». وضحك.

 عاد «بن دوف» إلى مزار وقال له إنه وجد الحل. «قلت له إن الحاخامية لن تخرج في حربين، من الافضل أن نخرج في حرب من اجل الحصول على غرفة في الحاخامية كي ينسى الجميع حرب الحفر». وضحك. «هذا ما فعلناه، توجهنا الى رئيس البلدية تيدي كوليك الذي كان متحمسا للحفر والى مساعده ميرون بنفنستي وطلبنا منهما غرفة داخل المكان الذي بملكية البلدية، ووعد أن يفعل ذلك ويمنحنا تمويل بمبلغ 10 آلاف دولار».

التمويل لم يصل لكن المفاتيح اعطيت لنا في اليوم التالي. «جندنا 10 عمال وجلسنا في المكتب قبل وصول الحاخامات، وعندما شاهدونا حاول الحاخام نسيم أن يستخدم كل الوسائل لنترك، إلا أننا رفضنا. حصلنا على طلبنا. الجميع تحدث عن المفاتيح لكن أحدا لم يتحدث عن الحفر. في اليوم التالي احضرنا 20 شخصا للحفر في الحرم».

فقط بعد مفاوضات مكثفة استمرت سنة ونصف حيث اصبحت الحفريات حقيقة واقعة، أعاد مزار وبن دوف المفاتيح. «في هذه اللحظة لم يتحدث احد عن الحفر ومراسيم اعادة المفاتيح تمت تغطيتها في كل وسائل الاعلام وبدأت عمليا الحفريات في الاماكن المقدسة في القدس».

هدم القصر

في 1975 جاء التبرير الاول للحفر. طاقم الحفر لبن دوف وجد اقواس تؤكد وجود قصور من الفترة الاسلامية الاموية. «استلقى بنيامين مزار حينها على سرير المرض، لذلك لم اكن متأكدا من المعطيات التي رأيتها، فقد تعلمنا جميعا أن المسلمين لم يبنوا أي شيء خلال سيطرتهم في القدس، وفجأة وجدت اقواس لا يمكن الخطأ تجاهها».

من اجل حل المشكلة توجه بن دوف الى عالم الاثار المعروف يغئال يدين وطلب استشارته. «قال لي إنه يبدو أنه مسجد من العصر الاموي لكن العباسيين لم يعطوا امتيازات للامويين لذلك لم يوضحوا افعالهم. وبدون الانفعال اقترح علي اخذ الجرافة وهدم المبنى».

سمع بن دوف اقوال يدين عالم الاثار ورجل الجيش الاقدم منه ولم يصدق ما يسمعه فقرر الاستمرار بالحفر حتى تأكد من فرضيته الاولى. «سربت للراديو في ذلك المساء أننا وجدنا في الحفريات اشياء من الفترة الاسلامية، وتأكدت في تلك اللحظة انني انقذت ما تم اكتشافه».

اثبتت خطوة بن دوف نفسها في الساحة الدولية. «مع مرور الوقت وصل الى اسرائيل ممثل الامم المتحدة الذي اراد فحص الادعاء بأننا نحفر فقط من اجل الاشياء اليهودية في المكان. واظهرت له الاشياء الاسلامية واقنعته. في اليوم التالي جاء الي يدين وشكرني لأننا لم نهدم القصر».

نقاشات مع الأوقاف

كان مهما بالنسبة لبن دوف كمن يعرف العقلية الاسلامية أن تشارك الاوقاف في كل الحفريات في الاماكن المقدسة. «كنت آخذ المفتي الذي كان من الخليل وجذوره من عائلة اعتنقت الاسلام. وفي احد الايام رأيت ايضا انور نسيبة من سكان القدس الذي كان في حينه وزيرا في الحكومة الاردنية وطلبت منه مرافقتي حيث كان منجذبا للمكتشفات».

في اعقاب الحديث نشأت صداقة بين الاثنين. «قلت لانور نسيبة إنني اعتقد انه من الخطأ ان يتعلم العرب مهن مثل الحقوق أو الاقتصاد أو الطب، واعترف أن ابنه ايضا يتعلم الاقتصاد في اكسفورد، ووعدني انه عندما يعود ابنه في العطلة سيأتي للعمل معنا، وهذا ما حدث، عمل مدة يومين لان العمل كان صعبا لكنه أخذ انطباعا كافيا عن ما اكتشفناه».

الطالب الذي اصبح بروفيسورا هو سري نسيبة، رئيس جامعة القدس. اثارت الاكتشافات انطباعه لدرجة انه كتب عن اللقاء مع بن دوف في كتابه «لقد كانت بلاد». ونشر في 2009 مقال قال فيه «انه لا يمكن انكار الهيكل. عند رؤية الامور من الصعب نفيها بعد ذلك».

«الطيبي» اقتنع

لم يكن لدى جميع الممثلين العرب استقامة ثقافية مثل سري نسيبة. حيث وصل ممثلو الاوقاف طول الوقت الى مواقع الحفر، لكن عندما كانوا يعودون الى مكاتبهم كانوا يرددون أن الحفر يهدف الى تدمير الاقصى.

«في احد الايام مللت من هذه اللعبة فقمت باستدعاء مراسلة من صوت اسرائيل لتوثق زيارة احد ممثلي الاوقاف في الحفر»، وفي لحظة خروج هذا الممثل من المكان سارع بن دوف في الصعود على الهواء وتحدث عن دهشة الزائر من الوقائع. المراسلة اكدت الامر. «بعد فترة التقيت مع ذلك الممثل وسألني لماذا فعلت ذلك. فاقترحت عليه عقد اتفاق – أن لا يهاجم الحفر وأنا لن اتحدث مع الصحفيين عن دهشته».

ادعاءات المسلمين أنه لم يكن هناك هيكل تجعل بن دوف يسخر. «اتصل معي احمد طيبي في احد الايام لسؤالي اذا كان هناك هيكل. اجبته باختصار انه مدعو الى النظر في اقوال النبي محمد الذي تحدث عن دولة بيت المقدس وان الهيكل قد دمر لان اليهود قد اخطأوا، فيفهم من ذلك انه كان هناك هيكل. واقول في صالح الطيبي انه فهم الرسالة سريعا».

حسب ادعاء بن دوف، بعد احتلال الحائط الغربي فورا توجه الحاخام الرئيس للجيش، شلومو غورين الى الجنرال عوزي نركيس الذي كان في حينه قائد المنطقة الوسطى والمسؤول عن الجيش في الضفة الغربية واشتكى لهما عن خطأين في احتلال البلدة القديمة. الاول، انهم لم يستخدموا المتفجرات لهدم المسجد الاقصى، والثاني انهم لم يستخدموا المتفجرات لتدمير قبة الصخرة. نركيس قال للحاخام غورين إنه اذا سمعه يتحدث هكذا مرة اخرى فسيضعه في السجن العسكري.

الحاخام غورين الذي حافظ على علاقة جيدة مع بن دوف كان في تلك الفترة من اكبر المناضلين من اجل التواجد اليهودي في الحرم. غورين هو احد ابطال قضية بوابة فورن – المكان الذي تواجد فيه حسب المصادر تابوت العهد – هذه القضية التي اشعلت الدولة في 1981. «كنت المسؤول من قبل الوزير يوسف بورغ ورئيس الحكومة مناحيم بيغن عن الحفريات، وحذروني من عدم الوصول الى الحائط الغربي. في احد الايام استدعاني حاخام الحائط يهودا مئير وأراني 10 عمال يعملون لفتح البوابة. قلت له ان هذا سيتسبب بالحرب، لكني لم اتحدث مع احد في ذلك».

بعد بضعة ايام سمع بن دوف الحاخام غورين يقول في الراديو انه يعرف أين هو تابوت العهد، لكن لا احد يسمح له بالوصول الى هناك. ظهر بن دوف على الهواء ووافق على انهم يعرفون أين كان التابوت واضاف انه موجود في منطقة بوابة فورن. عندما سمعت الاوقاف ذلك اثارت ضجة واغلقت الفتحة بالاسمنت. «بعد ذلك كنت عضو في لجنة التحقيق التي فحصت الامر. وقبل كتابة الاستنتاجات طلب مني بورغ أن اكتب أن سبب عمل العمال هناك كان بسبب دلف في المنطقة. منذ ذلك الحين لم اعد اؤمن بلجان التحقيق».

لم يتحدث بن دوف عن استخلاصات اللجنة لكن عندما حانت الفرصة قام بتصفية الحساب مع غورين. «ذكر امامي الحاخام غورين مرة اخرى موضوع التابوت وحقيقة ان علماء الاثار يمنعونه من الوصول الى هناك. قلت له ان آخر من حاول الوصول الى التابوت مات هناك. ومنذ ذلك الحين لم يطرح الموضوع».

مسجد أم كنيس

كان بن دوف في المنطقة ايضا اثناء احداث النف حيث كان مسؤولا عن الحفر. الامر الذي اعطاه بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة وبتشجيع من رئيس البلدية اهود اولمرت كان فتح النفق في ايلول 1996 الامر الذي اشعل موجة من المظاهرات والصدامات استمرت ثلاثة ايام قتل فيها 17 جنديا اسرائيليا و100 فلسطيني واصيب العشرات.

قضية اخرى تحزن بن دوف هي موضوع المصلى المرواني الذي كان جزء من الهيكل الثاني وتحول الى مسجد في 1996. الاعمال في المكان التي تمت في اعقاب ضيق المكان في المسجد الاقصى حولت المكان التحت ارضي الى مسجد كبير تبلغ مساحته 4 آلاف متر مربع حيث بادرت الحركة الاسلامية الى هذا المشروع وجندت العمال للعمل سريعا، وفي اطار العمل 400 شاحنة قامت بالقاء التراب في منطقة قدرون، وبقايا فخار من فترة الهيكل الثاني ودمرت اشياء من بقايا فترات تاريخية يهودية.

المكان المشتعل

يعرف بن دوف الى أي حد تبلغ حساسية الحرم، ورؤساء الحكومات اليمينية يعرفون ذلك. ويرى بن دوف كيف ان نشطاء اليمين المتطرف ينجحون في السنوات الاخيرة في ايقاظ المعرفة والاهتمام لدى اليهود تجاه الصلاة في الحرم. «من الصعب علي رؤية هذا»، قال، «هذا الشهر فقط اطلعت على ما كتبه الحاخام كوك الذي تمنى أن تسامح السماء الوزير موشيه منتغيوري لانه ذهب الى الحرم. الرمبام ايضا الذي يقتبسه نشطاء اليمين رأى الحرم من الفتحة وقال فقط عندما يأتي المسيح سيكون من الممكن الدخول اليه».

  كلمات مفتاحية

اليهود الأقصى المسجد الأقصى فلسطين (إسرائيل) الاحتلال التهويد القدس