حرائق العالم ونيران السياسة!

الخميس 12 أغسطس 2021 09:33 ص

حرائق العالم ونيران السياسة!

إذا كان الطاغية مهموما بالحفاظ على كرسيّه ومصالح فئات تواليه ومستعدا لخوض حروب إبادة ضد شعبه.. فماذا يهمّه إن احترق العالم؟

تضم التغيرات المناخية المتوقعة أشكالا كبيرة من الفيضانات والعواصف البحرية والزلازل واشتعال البراكين والتصحّر وارتفاع مد المحيطات والبحار.

يتعرض التعاون العالمي الشامل لمواجهة التغيّرات المناخية لمصاعب كبيرة، ناتجة عن صراعات سياسية دولية وإقليمية خاصة ضمن النخب الحاكمة المستبدة.

مناخ الأرض يتغير ودرجات الحرارة ترتفع بكل مكان وتظهر دراسات أن حوض البحر المتوسط يشهد أكبر انخفاض متوقع بهطول الأمطار مقارنة بأي إقليم آخر!

*     *     *

لم تنته بعد الأزمة الكبرى التي خيّمت على العالم منذ انتشار وباء كوفيد-19، كما تتابع البشريّة، في مجمل قارات الأرض، موجة من تقلبات مناخية فظيعة، تتبدى، خلال فصل الصيف الحالي، في موجات من الحرائق الهائلة، تمتد من غابات سيبيريا، في قارة آسيا، التي التهمت حرائقها منذ بداية السنة 15 مليون هكتار، إلى بوليفيا في أمريكا اللاتينية التي خسرت 150 ألف هكتار.

أما في حوض البحر الأبيض المتوسط، التي شهدت حرائق لم تنطفئ بعد في اليونان وتركيا وإيطاليا، فشهدنا انتقالة إلى بلدان المشرق وشمال افريقيا العربية، كانت ذروتها في حرائق غابات مروّعة في الجزائر، بلغت 69 حريقا في 17 ولاية، وأعلنت وسائل إعلامها عن مقتل 65 شخصا بينهم 28 عسكريا، كما دعا رئيسها، عبد المجيد تبون، إلى حداد وطني وتعليق كل الأنشطة الحكومية والمحلية.

تؤكد المؤتمرات المناخية والدراسات العلمية أن مناخ الأرض يتغير وأن درجات الحرارة سترتفع في كل مكان، غير أن بعض الدراسات تشير إلى أن منطقة البحر المتوسط، تظهر أكبر انخفاض متوقع في هطول الأمطار مقارنة بأي كتلة أرضية أخرى.

وحسب دراسة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إن حوض المتوسط سيتعرض لمناخ أكثر حرارة وجفافا، لأن البحر محاط بثلاث كتل من اليابسة، وتوقعت الدراسة أن يصبح الطقس في جنوب تركيا واليونان وإيطاليا شبيها بطقس مصر والعراق مع نهاية القرن الجاري.

تضم التغيرات المناخية المتوقعة أشكالا كبيرة من الفيضانات والعواصف البحرية والزلازل واشتعال البراكين والتصحّر وارتفاع مد المحيطات والبحار، وإذا كانت هذه الظواهر الطبيعية الجبارة تهدد ملايين البشر خلال العقود المقبلة، فإن خطرها يشمل كل حضارات العالم التي نشأت قبل قرابة 10 آلاف عام نتيجة اعتدال المناخ الذي طرأ على هذا الكوكب، والمفارقة أن التقدّم التقني لتلك الحضارات بدأ يتسبب عمليّا في وصول احترار الأرض مستويات خطـيرة تـهدد الوجـود البشـري بأكـمله.

يتعرض التعاون العالمي الشامل لمواجهة هذه التغيّرات لمصاعب كبيرة، ناتجة عن الصراعات السياسية الدولية والمحلّية، وخصوصا ضمن النخب الحاكمة المستبدة، فإذا كان الطاغية مهموما بالحفاظ على كرسيّه ومصالح الفئات التي تواليه، ومستعدا للخوض في حروب إبادة ضد شعبه، فماذا يهمّه إن احترق العالم؟

تتميّز بعض النخب الحاكمة المستبدة، التي تفرغ أساليبها الدكتاتورية المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية من قدرتها على محاسبتها، بضيق أفق هائل، وهي تلجأ في ظروف الكوارث الطبيعية إلى إبعاد المسؤولية عنها، أولا، ثم اتهام أطراف محلية أو خارجية بالتسبب في تلك الكوارث الطبيعية، رغم أن طبيعتها العابرة للجغرافيا، وعلاقتها بقضايا المناخ، واضحة وضوحا شديدا.

تشتبك، في هذه المواضيع، قضايا السياسة والطبيعة، فيساهم الفساد، المشغول بنهب الثروات، في إضعاف قدرات بعض تلك البلدان على صد الجائحات، وكما وجدت بعض النظم العربية في جائحة كوفيد-19 مناسبة ذهبية لقمع المعارضين وإنهاء الحراكات الشعبية، فليس من المتوقع أن تغيّر هذه النظم عاداتها حين تواجه كوارث طبيعية جديدة.

وبدلا من تحمّل المسؤولية السياسية بشجاعة، والتعامل مع جذور أسباب تلك الكوارث، فإن نظرية المؤامرة سترتفع مجددا وسيغيّب دور الحكومات والمسؤولين في الفساد والإهمال والتقصير فيما يحمّل طرف ما مجهول، وغالبا ما يكون من خصوم الحكم، تلك المسؤولية.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

حرائق، غابات، النخب الحاكمة المستبدة، الكوارث الطبيعية، تقلبات مناخية، الفساد، كوفيد-19،