استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

اللحظة العربية التي حلّت ورحلت

الجمعة 13 أغسطس 2021 10:38 ص

اللحظة العربية التي حلّت ورحلت

لا إعادة في التاريخ ولا رأفة في ساحة العلاقات الدولية لدولة فرطت أو بددت!

قدرت أمريكا أن اللحظة العربية أي قدرة العرب على التأثير المهم في السياسة الدولية اقتربت من نهايتها أو لعلها انتهت.

الخلافات العربية اتسعت في الآونة الأخيرة وتعقدت بشكل قطعي فرص أن يكون للجامعة العربية دور في تسوية النزاعات.

فاتتنا لحظة تاريخية لم نحسن قيادها وفاتتنا فكرة لم نخلص في تبنيها لكنني ما زلت رغم كل ما عانيت أتمسك بأمل نهوض جديد.

يتوقع كثيرون تصاعد الانفجارات الاجتماعية في الإقليم الذي تعوزه بوصلة ويفتقر إلى فكرة ويعيش خارج لحظة تخلى بنفسه عنها.

كان خروج الاستعمار شهادة عملية على ما يمكن أن يحققه التنسيق العربي والعمل العربي المشترك ثم بدأت الفكرة العربية طريق الانحسار البغيضة.

لم يمانع المنتصرون بالحرب العالمية الأولى في إعلان العرب تمسكهم بهويات وطنية وقومية بشرط الاحتفاظ في الوقت نفسه بحماية كل من فرنسا وانكلترا.

تكالب جديد من دول كبرى وإقليمية على سيادة عدد غير مسبوق من الدول العربية ويحدث التكالب في جو الوفاق والتشاور أحيانا خاصة بين روسيا وأمريكا والغرب.

بانحسار اللحظة العربية وخفوت صوت العروبة جدّت ممارسات ضد دول عربية وتدخلات فظة وضغوط لا تحتملها ظروف دول عربية لم تعد تربطها الفكرة الواحدة.

*     *     *

في التاريخ العربي قرون عديدة، شهدت إسهاماً كريماً من جانب الطبقات العربية الحاكمة في نهضة البشرية. تخللت هذه القرون عقود تخلف رهيب وفساد فظيع ووقائع تمرد وعدم استقرار وهزائم عسكرية وانفراطات في كافة المجالات.

لكنها عقود أو فترات سجل التاريخ العربي بعضها أو أكثرها تحت عناوين النكسات، أي انقطاعات في تيار كان الظن في الخيال العربي، أنه تيار متدفق إلى ما لا نهاية.

...

تحت رماد الحرب العالمية الأولى وأطماع المنتصرين والحبر الغزير الذي كتبت به مواد اتفاقات مؤتمر فرساي تحرك عرب، أفراد وجمعيات ونواد ومؤتمرات وصحف، بهدف واحد لأول مرة، وليس لآخر مرة.

كان هدفهم نشر نداء بكلمات واضحة لا تقبل التشكيك، تنادوا بأن الأرض التي يعيشون عليها، أو ينوون العودة إليها، أرض عربية.

نحن عرب والأرض عربية، لسنا عثمانيين ولن نكون انكليزاً أو فرنسيين. لم يكن المنتصرون الأوروبيون طامعين في البشر، طمعهم اقتصر على الأرض وما في جوفها. لم يمانعوا في أن يعلن العرب تمسكهم بهويات وطنية وقومية في آن بشرط الاحتفاظ في الوقت نفسه بحماية كل من فرنسا وإنكلترا.

هكذا ظهر جيل لمرحلة جديدة في حياة العرب. جيل يحمل هويات أولية وتداعب خياله وعواطفه ومصالحه هوية وطنية ويحلم بهوية عربية جامعة.

اشتركت في تشجيع انتشار فكرة الدولة العربية الواحدة أدوار كثيرة. رأينا في مراحل مبكرة تحمس قادة التيارات القومية في بلاد المشرق للعمل على استدراج مصر حكومة وشعباً للمشاركة في مسيرة الوحدة العربية.

هناك أيضاً دور لكثير من الشعوب التي وجدت في الفكرة القومية خلاصاً محتملاً من أخطار الطائفية وصراعات قادتها، وجدت فيها أيضاً، الأمل في تجديد الحلم العربي الذي عمقته ممارسات القهر التي مارسها الاستعمار الغربي.

هكذا وبفضل جهود قيادات بعض أحزاب وحركات في دول المشرق العربي وأشخاص في مواقع حكومية وإعلامية وفي النخب الأكاديمية المصرية وقع الضغط الشعبي والرسمي في مواقع عربية متعددة على قوى الاحتلال الغربية وأعوانها من القيادات المحلية فكان خروج الاستعمار شهادة عملية على ما يمكن أن يحققه التنسيق العربي والعمل العربي المشترك.

ثم بدأت الفكرة العربية طريق الانحسار. من العلامات الفاضحة لمسيرة الانحسار البغيضة:

أولاً: التكالب الجديد من بعض الدول الكبرى ودول أخرى على سيادة عدد غير مسبوق من الدول العربية. المثير في هذه الظاهرة أن التكالب يحدث في جو من الوفاق والتشاور أحيانا وبخاصة بين روسيا وأمريكا من جهة أو بين روسيا وبقية دول الغرب. تظل ليبيا وسوريا الراهنتين من النماذج اللافتة للنظر.

ثانياً: تؤكد أمريكا بانسحاباتها المتتالية والمتنوعة أن الإقليم العربي لم يعد موقعاً استراتيجياً له أهمية في خطط مستقبل الإمبراطورية الأمريكية خلال انحدارها وفي مقدمتها خطة الوجود المركز والكثيف في الشرق الأقصى لمواجهة الصين.

ثالثاً: قدرت أمريكا أن اللحظة العربية، بمعنى قدرة العرب على التأثير المهم في السياسة الدولية، هذه اللحظة اقتربت من نهايتها أو لعلها انتهت.

رابعاً: الخلافات العربية اتسعت في الآونة الأخيرة وتعقدت بشكل قطعي فرص أن يكون للجامعة العربية دور في تسوية النزاعات.

خامساً: تصادف، مع انحسار اللحظة العربية وخفوت صوت «العروبة» ممارسات ضد كثير من الدول العربية، وتدخلات غير صديقة أو ضغوط لا تحتملها ظروف دول عربية لم تعد تربط بينها رابطة الفكرة الواحدة.

سادساً: المرعب للمفكر الملتزم هو ما يحدث الآن في بعض أقطار العرب التي انتقل بدرجات متفاوتة بعض مفاتيح سيادتها وقوتها إلى دولة أو أكثر من دول الجوار غير العربية، أعني تحديداً بالدول العربية التي فقدت أو سلمت أو المهددة الآن بهذا الخطر، أعني العراق وسوريا ولبنان. فاللحظة العربية راحلة والفكرة العربية غائبة في معظم الحالات.

 سابعاً: يبقى واضحاً لكل عين أن كثيرين يتوقعون تصاعد الانفجارات الاجتماعية في الإقليم الذي تعوزه بوصلة ويفتقر إلى فكرة ويعيش خارج لحظة تخلى بنفسه عنها.

لا إعادة في التاريخ، ولا رأفة في ساحة العلاقات الدولية لدولة فرطت أو بددت، فاتتنا لحظة تاريخية لم نحسن قيادها وفاتتنا فكرة لم نخلص في تبنيها. الغريب أنني ما زلت على الرغم من كل ما عانيت أتمسك بأمل نهوض جديد.

* جميل مطر مفكر سياسي ودبلوماسي مصري سابق

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

العرب، الفكرة العربية، الجامعة العربية، العلاقات الدولية، العروبة، الفكرة الواحة، السيادة، أمريكا، روسيا،