استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

العقد الاجتماعي وإشكاليات مرحلة ما بعد النفط في السعودية والإمارات

الأحد 15 أغسطس 2021 11:45 ص

العقد الاجتماعي وإشكاليات مرحلة ما بعد النفط في السعودية والإمارات

تتخذ السعودية والإمارات إجراءات لتنويع مصادر الاقتصاد استعداداً لما بعد النفط.

أدى استقطاب المجتمع الخليجي المتزايد عقب الانتفاضات العربية لتأليب الشريحة الاجتماعية المحافظة على شقيقتها الليبرالية.

إجراءات حكومية تهدد بخلخلة العقد الاجتماعي القائم على شرعية تقليدية قوامها الولاء القبلي وأبوية الحاكم والحفاظ على الأعراف الاجتماعية، وامتيازات المواطنين.

أصبحت قدرة دول الخليج العربي على الحفاظ على عقودها الاجتماعية مع مواطنيها متوقفة على مهارتها في تجنب خلق توترات جديدة بينما تسعى لحل المسائل القائمة.

إدانة الاماراتيين لإسرائيل كانت قوية ومسموعة ولم يترددوا في توبيخ بعض مواطنيهم الذين تبنوا حديث "السلام والتسامح" في وقت يستوجب غضبا وشدة .

انحسار عصر النفط لا يهدد بالضرورة كيان الدولة الإماراتية لكن تبعات الانحسار تقوض امتيازات العقد الاجتماعي وتؤدي لواقع غير مريح لمواطن الإمارات بينما تتهيأ البلاد لتحولات أكثر.

*     *     *

اهتم عدد من محللي الخليج على مدار الأسابيع الماضية بتفسير الخلاف الذي عكر صفو علاقة الحليفين القديمين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وأدى بكل منهما إلى اتخاذ مسارات متباينة لخدمة مصالحهما الإقليمية والمحلية. حيث بدت أولى مؤشرات الفُرقة في نهاية 2019، عندما أعلنت الإمارات نيتها الانسحاب من اليمن في خطوة وصفها الخبراء والمراقبون بأنها "تَخَلٍ عن حليف".

وتلى ذلك، في فبراير 2021، أن أصدرت السعودية إنذاراً بمنع الشركات الأجنبية من الحصول على عقود حكومية إن لم تنقل مقرها الإقليمي الرئيس إلى المملكة بحلول 2024، لتنافس بذلك الإمارات والتي مسها القرار بشكل مباشر.

ورغم أن ردود الفعل الرسمية كانت هادئة، إلا أن ترسبات قرارات مسبقة اعتبرها كِلا الجانبين غير مواتية، أدت إلى ظهور خلاف علنيٍ غير مسبوقٍ بينهما في الاجتماع الذي جمع دول أوبك بلس في حزيران / يونيو 2021.

وفور ظهور الخلاف اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات مواطني البلدين الذين سارعوا لدعم الموقف الرسمي لبلديهما في رد فعل تلقائي بدا متناقضاً تماماً مع الموقف المتردد الذي اتخذوه في أعقاب قرار حصار قطر في 2017، والذي أجبر المدعي العام الإماراتي وقتها على إصدار تحذيرٍ شديد اللهجة يُجرّم التعاطف مع قطر عبر الوسائل الالكترونية.

والواقع أن توجيه الرأي العام لم يكن ضرورياً في خلاف أوبك بلس لأن المواطنين لم يترددوا في دعم المصالح الاقتصادية لبلادهم نظرًا لمدى تأثير مثل هذه القرارات على الوضع الاقتصادي العام.

ويطرح هذا الموقف الداعم للدولة سؤالاً مفصلياً عن مدى استعداد المواطن الخليجي، الذي قايض الحق في المشاركة السياسية مقابل ما يحصل عليه من امتيازات اقتصادية، قد تكون حالياً مهددة بالتضاؤل، لتحدي العرف السياسي المستقر القائل بأن إدارة شؤون الدولة وما يترتب عليها من سياسات داخلية وخارجية هي من اختصاص الحكومة وليس المواطن.

ويطرح أيضاً إشكالية جديدة تواجهها كلاً من السعودية والإمارات، بسبب انخفاض عائدات النفط والرغبة في تنويع مصادر الدخل القومي، وهي أن محاولة إضفاء الحداثة على نظام الحكم الهرمي المحافظ بغرض جذب المستثمرين الأجانب قد يهدد شرعية العقود الاجتماعية القائمة والمستقرة في كلا البلدين.

المملكة العربية السعودية

تتضمن رؤية 2030 للمملكة، وهي خارطة طريق لمرحلة ما بعد النفط، مجموعة كبيرة من التغييرات الاجتماعية التي تستهدف تحويل المملكة إلى قِبلة سياحية وتجارية عالمية.

وقد وجدت المملكة، التي تقتفي خُطى دبي، في مساحاتها الشاسعة وموقعها الجغرافي المتميز على البحر الأحمر فرصة سانحة لتحقيق هدفها هذا، ما دفعها لتخصيص ما يقارب 810 مليار دولار لتطوير قطاع السياحة في السنوات القادمة، الأمر الذي سيوفر نحو ثلاثة ملايين فرصة عمل يذهب ثلثاها لغير السعوديين من الأجانب.

والواقع أن المملكة تسعى لزيادة عدد المقيمين على أراضيها من 30 في المئة إلى 50 في المئة من مجموع السكان في المستقبل القريب. ولذلك فقد تبنت حزمة من الإجراءات الجديدة التي تسمح للمقيمين بالحصول على كثير من الميزات مثل الإقامة الدائمة، والحق في إنشاء المشاريع التجارية، وتملك العقارات والاستثمار فيها.

والمدهش أن هذه التغييرات الجديدة قد دفعت أعضاء مجلس الشورى، وهو هيئة استشارية يعينها الملك، لصياغة مُقترح يطالب بمنح أطفال النساء السعوديات المتزوجات من غير السعوديين نفس الحقوق.

ورغم أن المملكة، وبعد طول انتظار وجدل، قد سمحت للنساء بقيادة السيارات، إلا أن التغييرات الجديدة التي تسعى لتحقيقها لا تزال تواجه بعض المقاومة بسبب تنامي تأثير التغيرات الاجتماعية التي تمر بها المملكة على الهوية الدينية.

فمثلا، أثار المغردون على تويتر الجدل عندما قررت وزارة الشؤون الاسلامية تنظيم استخدام مكبرات الصوت الخارجية للمساجد، على الرغم من أن الوزارة بررت قرارها برغبتها في دفع الأذى عن الأطفال والمرضى ومن يصلون في بيوتهم.

ربما دفعت ردة الفعل هذه إلى اللجوء لاتحاد الغرف التجارية السعودية، وهي هيئة تمثل مجتمع الأعمال السعودي، لترويج قرار السماح للمحلات بالبقاء مفتوحة خلال وقت الصلاة كإجراء وقائي ضد وباء كوفيد 19.

يتضح من هذه المواقف كيف تسعى الحكومة لتجنب الجدل الشعبي حول تقليص دور الدين في الحياة العامة، مستهدفةً شريحة الشباب، وترويج فكرة "الإسلام المعتدل".

ولا شك أن الضغوط على استقرار العقد الاجتماعي قد تزايدت في ظل اجراءات التقشف التي تبنتها المملكة مؤخراً وعلى رأسها مضاعفة ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها لتصل إلى 15 في المئة في 2020.

وسعياً لتخفيف نتائج عجز الموازنة فقد بدأت الدولة في خصخصة 16 قطاعاً رئيساً، مثل قطاعي التعليم والصحة، آملة في تحصيل ما يقارب 55 مليار دولار على مدار السنوات الأربع القادمة.

ورغم حرص المسؤولين السعوديين على التقليل من شأن الآثار المحتملة لعمليات الخصخصة تلك على المواطن السعودي، إلا أن انعدام الشفافية حول هذا التغيير أثار مخاوف المواطنين بشأن استقرارهم وأمنهم الوظيفي الذي تمتعوا به في القطاع العام.

الإمارات العربية المتحدة

من بين دول الخليج كافة، لعبت الإمارات العربية المتحدة دوراً سبّاقاً في تعزيز مبدأ المواطنة والهوية الوطنية في الخليج. وقد بدأت مشروعها هذا بخطوات متواضعة في منتصف العقد الأول من الألفية تمثلت في تبني رمز وطني، كالمؤسس الشيخ زايد بن سلطان، أو هدف وطني، كالهوية الوطنية أو التسامح، وهندسة برنامج اجتماعي متكامل حولها، كما حدث في 2016 عندما أعلنت الإمارات عن تطبيق الخدمة العسكرية الإلزامية لمواطنيها الذكور لأول مرة.

ولكن هذه الدعوة الحاشدة لتشكيل "هوية وطنية" والتي حفزها الخلل الديموغرافي المتزايد الذي كشف عنه إحصاء عام 2005، تتصادم باستمرار مع المخططات المتغيرة للدولة. وقد أجبر وباء كوفيد-19، والنهاية الوشيكة لعصور النفط، الإمارات العربية المتحدة على تبني سياسات جديدة لم تكن ملحة في الماضي.

ولعل أكثر هذه السياسات جُرأةً كان إعلان الدولة في آب/ أغسطس 2020، تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. والحقيقة أن ما تلى هذا الإعلان من احتفاء منظم كان صادماً للمنطقة رغم مسارعة الإماراتيين للاحتشاد وراء حكومتهم– وليس التطبيع– وإبداء مظاهر الولاء والطاعة. ولكن هذه الصورة البراقة للوحدة والتوافق ما لبثت ان اهتزت إثر الأحداث المتلاحقة التي أدت إلى نشأة بوادر قلق وارتباك.

وتَمَثّلَت أولى تلك الأحداث في إصلاح قانوني غير مسبوق يستهدف فيما يبدو خلق مناخ جاذب للوافدين الأجانب، حيث ألغت الدولة تجريم استهلاك الكحول والتعايش بين غير المتزوجين.

ولم يكد غبار هذا القرار ينقشع حتى أعلنت الحكومة أنها ستمنح الجنسية الإماراتية للراغبين من المستثمرين وغيرهم من المهنيين الأجانب. ورغم الصمت المتحفظ الذي قابل هذه القرارات إلا أن الإماراتيين المتمرسين في فن التلميح لم يترددوا في إطلاق ألسنتهم بالرثاء للغة العربية والهوية الوطنية معاً.

وفي تغريدة، تم مسحها الآن، أشار مواطن إماراتي حائر لم يذكر اسمه، إلى أن المُجَنسين الجدد سيُسمح لهم بالاحتفاظ بجنسياتهم الأصلية في حين لا يُسمح بهذا للمواطنين الإماراتيين، وتساءلت التغريدة أيضاً عن ثقافة المشاركة في القرار السياسي التي اعتادها هؤلاء وكيف ستؤثر هذه الأفكار على الإمارات العربية المتحدة.

ثم جاءت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على فلسطين لتكشف شقوقاً جديدةً في جبهة الرأي العام، وتؤدي لمزيد من الإدانات والاحتجاجات ضد الحليف الجديد للدولة. ورغم التحفظ الممارس على منصة تويتر، إلا أن إدانة الاماراتيين لإسرائيل كانت قوية ومسموعة، ولم يترددوا في توبيخ بعض مواطنيهم من المُتراخين الذين تبنوا حديث "السلام والتسامح" في وقت يستوجب الغضب والشدة .

وبالرغم من أن انحسار عصر النفط لا يشكل بالضرورة أي تهديد لكيان الدولة الإماراتية وتلاحمها، إلا أن تبعات هذا الانحسار قد تقوض الامتيازات التي يرتكز عليها العقد الاجتماعي وتؤدي إلى واقع غير مريح للمواطن الإماراتي بينما تتهيأ البلاد لمزيد من التحولات.

لقد أدى الاستقطاب المتزايد داخل المجتمع الخليجي في أعقاب الانتفاضات العربية وما نتج عنها من إشكالات ومن محاولات دؤوبة لإعادة هندسة المجتمع إلى تأليب الشريحة الاجتماعية المحافظة على شقيقتها الليبرالية، وأصبحت قدرة دول الخليج العربي على الحفاظ على عقودها الاجتماعية مع مواطنيها متوقفة على مهارتها في تجنب خلق توترات جديدة بينما تسعى لحل المسائل القائمة.

* ميرة الحسين مرشحة لنيل الدكتوراه من جامعة كمبريدج باحثة في سوسيولوجيا التعليم العالي بالإمارات.

* إيمان الحسين زميلة بمعهد دول الخليج العربية بواشنطن باحثة في شؤون الخليج.

المصدر | مؤسسة كارنيغي

  كلمات مفتاحية

السعودية، الإمارات، العقد الاجتماعي، ما بعد النفط، استقطاب، المجتمع الخليجي، الانتفاضات العربية، تحولات، تطبيع، إسرائيل،

تقرير بحثي: تراجع الربيع العربي يعيد التنافس بين السعودية والإمارات