الأنظمة العربية وفرضية «المؤامرة الشاملة»

السبت 21 أغسطس 2021 07:55 ص

الأنظمة العربية وفرضية «المؤامرة الشاملة»

الجائحتان مرتبطتان بأسباب عالمية ولا تقفان عند حدود دولة بعينها وأن طرق التعامل معهما هو ما يميز جهاز دولة عن أخرى.

تستمر سلطات الجزائر والجيش في خلق جو حربي يؤزم الأوضاع بتحويلها لأزمة خارجية وتستبدل نظرية المؤامرة الشاملة أي أمل بإصلاحات ديمقراطية.

قارن بعض النشطاء بين سخاء السلطات حين يتعلق بشراء طائرة رئاسية وإعطاء امتيازات للمسؤولين العسكريين والمدنيين وتقاعسها عن شراء طائرات الإطفاء.

*     *     *

تزامنت موجة الحرائق الكبيرة في الجزائر مع موجة جديدة من الإصابات بوباء كورونا، وقد قامت فرنسا أول أمس بإدراج الجزائر، التي تشهد موجة جديدة من الإصابات، إلى القائمة الحمراء، التي تضع حواجز أمام الراغبين بالسفر إليها، أو بالقدوم منها.

أدى تعرض الجزائر إلى الكارثة الطبيعية الأولى إلى خسائر طالت البلاد بسبب الاتساع الهائل لحجم الحرائق مما أدى إلى مقتل عدد كبير من المدنيين والعساكر، وهو ما دفع منظمات سياسية إلى لوم الحكومة على سوء إدارتها للأزمة الكبيرة، وعدم استعدادها للتعامل مع هذا الحدث الجلل، وقارن بعض النشطاء بين سخاء السلطات حين يتعلق بشراء طائرة رئاسية وإعطاء امتيازات للمسؤولين العسكريين والمدنيين وتقاعسها عن شراء طائرات الإطفاء.

مفروغ منه أن الجائحتين مرتبطتان بأسباب عالمية، وأنهما لا تقفان عند حدود دولة بعينها، وأن طرق التعامل معهما هو ما يميز جهاز دولة عن أخرى.

كانت الصين هي المكان الأول الذي أعلن فيه عن ظهور الوباء الخبيث لكنها أصبحت أحد الأمثلة البارزة على ترتيب أولويات الدولة وتنظيم طرق التعامل مع جائحة شاملة ووقفها، بينما تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية، تحت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، باستخفاف مع الجائحة حتى بعد إصابة الرئيس نفسه بالمرض، وما زال مئات الآلاف من أنصاره متأثرين بنظريات «المؤامرة» ويرفضون حتى الآن تلقي اللقاح، وهو ما أدى إلى جعل أمريكا، ولفترة طويلة، المركز الأكبر للوفيات بسبب الوباء.

مفروغ منه أيضا أن الجائحتين لا تعرفان حدودا جغرافية، فالعالم ما زال يعاني من موجات وباء كوفيد (فرنسا ضمت المغرب أيضا إلى القائمة الحمراء) والحرائق التي ضربت الجزائر ضربت دولا عديدة على طرفي البحر الأبيض المتوسط الشرقي والغربي، وسببت كوارث في تركيا واليونان وإيطاليا، كما أنها اشتعلت في الجزائر وتونس وفلسطين وسوريا، وامتد قوس أثر الاحتباس الحراري وحريق الغابات من سيبيريا الآسيوية إلى بوليفيا في أمريكا اللاتينية.

تعاطت كثير من دول العالم، وخصوصا التي تعاني من استقطابات سياسية حادة، مع الكارثتين بطرق متشابهة إلى حد ما، فبعد الخلاف العالمي، والأمريكي خصوصا، مع الصين، حول منشأ الوباء، بدأت مجمل الدول بالبحث عن حلول تقيها غوائل الوباء، فيما لجأت قيادات سياسية، من طبيعة يمينية متطرفة، كما في أمريكا الترامبية، وفي البرازيل تحت حكم بولسونارو، والهند تحت حكم مودي، إلى أشكال شعبوية من التعاطي مع الأمر.

اتخذ الوضع في بعض البلدان العربية، كالعراق ولبنان والجزائر، شكل توظيف الكارثة ضد الحراكات الشعبية، وساهم ذلك، عمليا، في وأدها. حصلت أمور شبيهة في بلدان كثيرة حين اشتد أثر الحرائق، وفي حين اقتصر الأمر في مجمل الدول المتضررة على الشائعات، فإن السلطات الجزائرية، مدفوعة على ما يبدو بأسباب داخلية، وجهت الاتهام بالتسبب في الحرائق إلى «أياد إجرامية».

ساهم ذلك، من دون شك، في حرف التوجه الوطني السابق إلى الاحتجاج على ممارسات السلطات، وتوجيهها نحو حراك شعبي عام، إلى البحث عن «أعداء داخليين» يقومون بإشعال الحرائق، وكان مؤسفا أن هذه الدعاية ساهمت في الهياج الشعبي، ووصل الأمر إلى حد اتهام شخص بريء كان يساهم في إطفاء النيران، واختطافه من أيدي الشرطة، وسحله، وحرقه.

بدلا من التراجع عن هذه السياسة الرسمية الخطيرة واحتواء أضرارها على النسيج الاجتماعي الداخلي، أعادت السلطات توجيه المسألة سياسيا مرة أخرى حيث اتهمت «منظمة إرهابية» بالتسبب في حرق الشاب، وقامت بموجة اعتقالات كبيرة، لتتبع ذلك باتهام «مجموعة لها صلات بالمغرب وإسرائيل» بإشعال الحرائق، ثم بتصريحات لقائد الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة يعتبر الحرائق «عينة من مؤامرة شاملة» على البلاد.

رغم إعلان وزارة الدفاع الجزائرية أنها بدأت محادثات مع روسيا لشراء أربع طائرات إطفاء، وهو أمر يشير، بشكل غير مباشر، إلى التقصير التقني، فإن السلطات الرسمية والجيش، مستمران، على ما يظهر، في خلق جو حربي يؤزم الأوضاع الداخلية، في الوقت الذي يعتقد أنه يقوم بتحويلها إلى أزمة خارجية، وبذلك تستبدل نظرية «المؤامرة الشاملة» أي أمل بحدوث إصلاحات ديمقراطية شاملة في البلاد.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الأنظمة العربية، المؤامرة الشاملة، الجزائر، إصلاحات ديمقراطية، حرائق، كورونا،