تونس: الجغرافيا أم الاقتصاد والسياسة؟

الاثنين 23 أغسطس 2021 10:56 ص

تونس: الجغرافيا أم الاقتصاد والسياسة؟

رد سعيد على مطالبات بتقديم خريطة طريق لإخراج البلاد من أزمتها بالقول «من يتحدث عن الخرائط فليذهب إلى كتب الجغرافيا لينظر في البحار والقارات»!

اعتمد سعيد تنميطات الأنظمة العربية حول الحركات الإسلامية بربطها بالاغتيالات والتفكير في الدماء وإغفال تاريخ أنظمة الاستبداد الدموي والوحشي مع المعارضة.

يطلق الرئيس التونسي تصريحات تثير قلق مواطنيه على مصير بلادهم ومخاوف قواها السياسية من عودة الدكتاتورية وتشكك المنظومة الدولية بقدرته على إعادة بلاده للأمان.

اعتمد سعيد على فقرة بالدستور تعطيه الحق في اتخاذ إجراءات استثنائية في حالة خطر داهم لكن تلك الفقرة تشترط عليه مشاورة رئيسي الوزراء والمجلس النيابي وتبقي البرلمان منعقدا.

*     *     *

رد الرئيس التونسي قيس سعيد على المطالبات له بتقديم «خريطة طريق» لإخراج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية الراهنة بالقول إن «من يتحدث عن الخرائط فليذهب إلى كتب الجغرافيا لينظر في البحار والقارات» معتبرا ذلك من المفاهيم التي تأتي من الخارج، مضيفاً: «خريطة الطريق الوحيدة التي أسلكها وسأسلكها بثبات وعزم هي الخريطة التي وضعها الشعب التونسي».

سخرية الرئيس التونسي من المصطلح غير موفقة فالطرف الذي كان أول من طالب الرئيس بـ«خريطة طريق» وهو الاتحاد العام التونسي للشغل، كان الجهة السياسية الأساسية التي أعلنت، بشكل مبكر، دعم حركة سعيد، ولا يصح، بالمنطق السياسي، التعالي عليها بالحديث عن «خريطة وضعها الشعب التونسي».

فالاتحاد لديه شرعية تمثيلية لفئات شعبية يجب احترامها، وهو الأمر الذي ينطبق على الأحزاب السياسية، على اختلاف أوزانها، وللمؤسسات الدستورية الأخرى التي قام الرئيس بتعليق عملها، من الحكومة إلى البرلمان.

اعتمد الرئيس التونسي، الذي هو خبير في القانون الدستوري، على فقرة في الدستور تعطيه الحق في اتخاذ إجراءات استثنائية في حالة وجود خطر داهم على البلاد، لكن تلك الفقرة تشترط عليه موافقة رئيس الوزراء ورئيس المجلس النيابي، وتبقي البرلمان منعقدا.

ولأنه لم يلتزم بتلك الاشتراطات، فقد قام «الاتحاد العام للشغل» مبكرا، بطلب تحديد مدة لتلك الإجراءات الاستثنائية، ومراجعة التدابير الخاصة بالقضاء لضمان استقلاليته، و«وضع خريطة طريق واضحة لتبديد المخاوف» والمقصود طبعا بتلك «المخاوف» انزلاق البلاد إلى دكتاتورية.

بعد تعريضه الساخر بـ«الاتحاد العام للشغل» أطلق الرئيس التونسي تصريحا جديدا مثيرا للجدل، يهاجم فيه «يكذبون ويقولون إن مرجعيتهم هي الإسلام» ويقول إنه «رغم محاولاتهم اليائسة التي تصل أو يفكرون بالاغتيال، يفكرون في القتل، ويفكرون في الدماء».

لا يخفى على أحد، لا في الساحة التونسية ولا خارجها، طبعا، أن سعيد يقصد بذلك التصريح حركة «النهضة» وكما استخدم الرئيس التونسي مصطلح «الشعب التونسي» لمواجهة «اتحاد الشغل» فإن سعيد يستخدم الإسلام لمواجهة حركة تحتسب على ما يتم توصيفه بـ«حركات الإسلام السياسي» وفيما كان السلاح / التهديد الذي استخدمه ضد الحركة النقابية ـ السياسية هو «الخارج» بالنظر إلى طبيعتها اليسارية، فإن السلاح/ التهديد الذي استخدمه ضد «النهضة» هو اتهامها بالكذب فيما يخص الإسلام، أي منازعتها الرأسمال الرمزي الذي تستخدمه، كما باعتماد تنميطات الأنظمة العربية (والاستشراق اليميني الغربي) حول الحركات الإسلامية، بربطها بالاغتيالات و«التفكير في الدماء» مع إغفال تاريخ الأنظمة الاستبدادية الدموي والوحشي مع الحركات المعارضة لها (إسلامية أو غير إسلامية).

يشير تحقيق نشره موقع «بلومبرغ» مؤخرا إن الرئيس سعيد، بتأخيره العودة إلى الحكم المنتخب، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على إقالة رئيس الوزراء وتعليق عمل البرلمان، وتعهده بإنقاذ الشعب التونسي، يهدد بعدم إحراز اتفاق مع «صندوق النقد الدولي» وهو ما قد يؤدي إلى تخلف عن سداد الديون، وهو ما يضع البلاد على حافة هاوية اقتصادية بعد أن وضعها على حافة هاوية سياسية.

بدلا من إعادة الاستقرار السياسي، وطمأنة التونسيين على حرياتهم التي ناضلوا عقودا للحصول عليها، واحترام الأطراف السياسية والنقابية التي ساهمت بانتخابه، وبدلا من العمل على إعادة النظام السياسي والبرلماني والقضائي إلى العمل، يطلق الرئيس التونسي تصريحات غير موفقة تثير قلق مواطنيه على مصير بلادهم، وتؤجج مخاوف القوى السياسية من عودة الدكتاتورية، وتدفع المنظومة الدولية للشك بقدرة الرئيس فعلا على إعادة بلاده إلى سكة الأمان.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس، خريطة طريق، قيس سعيد، النهضة، الجغرافيا، السياسة، الاقتصاد، النهضة،