معهد عبري: هذه تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على إسرائيل

الخميس 26 أغسطس 2021 09:06 م

يتواصل انسحاب قوات الولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان بالتزامن مع إحكام "طالبان" سيطرتها علي البلاد بعد انهيار الجيش الذي أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات على تدريبه وتجهزيه خلال السنوات الماضية.

وقد أثار التسلسل السريع والفوضوي للأحداث أسئلة داخل الولايات المتحدة وخارجها حول ما إذا كانت هذه الأحداث حتمية، أو ما إذا كانت تعكس فشل القيادة، وقبل كل شيء الاستخبارات، خاصة أن الرئيس "جو بايدن" ألقى بيانا في أوائل يوليو/تموز أكد فيه أن الجيش الأفغاني سينجح في مقاومة "طالبان"، ما يقلل من فرصهم في الاستيلاء على السلطة في البلاد.

حتى لو كانت هذه "مفاجأة" استخباراتية، فقد كان لدى الإدارة الأمريكية الوقت الكافي للتحضير لانسحاب منظم لجميع قوات الناتو والمتعاونين معها بحلول الموعد الرسمي والرمزي في 11 سبتمبر/أيلول، ولتجنب ترك انطباع بالفرار.

وكجزء من الاستعدادات لهذا الانسحاب وما بعده، كان بإمكان الولايات المتحدة تنسيق تحرك إقليمي مع الدول المجاورة، ولا سيما باكستان والصين والهند وروسيا وتركيا، من أجل تقليل خطر تحول أفغانستان مرة أخرى إلى بلد غير مستقر ومصدّر للإرهاب، وكذلك للاستعداد للعواقب الإنسانية والسياسية والاقتصادية لانتهاء الوجود الأمريكي.

وتكثر التساؤلات حول عدم استعداد الولايات المتحدة لسلوك القيادة الأفغانية و"طالبان" في الأيام التي سبقت الانسحاب.

وهناك سؤال مهم آخر يتعلق بمدى تحقيق التدخل الأمريكي في أفغانستان لأهدافه بعد 20 عاما. فقد غزت الولايات المتحدة أفغانستان لإلحاق ضرر كبير بالقاعدة، وبهدف ثانوي هو "بناء الدولة" على غرار الديمقراطيات الغربية. وبينما تحقق الهدف الأول إلى حد كبير (بما في ذلك تصفية "بن لادن" عام 2011)، فشلت الولايات المتحدة في تحقيق هدفها الثاني، ولنفس أسباب فشلها في العراق.

وتوضح هذه الإخفاقات الاستخدام غير المجدي للقوة لفرض تغييرات في القيم السياسية والمؤسسية على المجتمعات غير المستعدة لها، لا سيما على المدى القصير.

إن إنهاء الحملة بمجرد تحقيق الهدف الأول دون محاولة إعادة تشكيل الدولة، كان من شأنه أن يجنب الولايات المتحدة الإحراج بسبب الانسحاب.

على أي حال، حتى لو كانت الصور التي تأتي من أفغانستان غير جيدة للإدارة، والتطورات صادمة لقادة السياسة الخارجية الأمريكية، فإن قرار "بايدن" بالانسحاب كان حتميًا، لأنه لم يعكس فهمه لحدود قوة الولايات المتحدة فحسب ولكنه يتسق أيضًا مع نوايا أسلافه الرئيسين "باراك أوباما" و"دونالد ترامب".

علاوة على ذلك، فإن الاتفاقية التي وقعتها إدارة "ترامب" مع "طالبان" تعكس فهمًا بأن الحركة شريك شرعي. وتحافظ الولايات المتحدة ودول أخرى، بما في ذلك الصين وروسيا وإيران، على حوار مع "طالبان" في محاولة للتأثير على سلوكها داخل أفغانستان وخارجها.

وحتى لو كان "بايدن" سيواجه انتقادات لاستخفافه بطالبان والمبالغة في تقدير قوة الجيش الأفغاني، فإن الإرهاق الملحوظ للجمهور الأمريكي من تورط بلادهم في النزاعات الدولية بشكل عام، والمشاركة العسكرية بشكل خاص، سيعوض الانتقاد بل ويتجاوزه، ومن غير المرجح أن يتعرض "بايدن" لضرر سياسي طويل المدى بسبب هذه الخطوة.

علاوة على ذلك، فإن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سيجعل من السهل على الولايات المتحدة توجيه الاهتمام والموارد إلى ما تصفه الإدارة بأنه التحدي الرئيسي لها وهو الصين.

وفي يوليو/تموز الماضي، أعلن "بايدن" أنه بحلول نهاية العام ستنهي الولايات المتحدة مهامها القتالية في العراق فيما ستركز القوات المتبقية على تقديم المشورة وتدريب القوات المحلية.

وربما لن يتغير هذا القرار، حتى في ضوء الصور القادمة من أفغانستان، رغم أنها قد تؤثر على الاستعدادات للانسحاب. وعلى عكس أفغانستان، فإن تقليص الوجود الأمريكي في العراق يأتي بموافقة وتعاون كامل من القيادة العراقية.

ومن السابق لأوانه تقييم جميع الآثار المترتبة على الأحداث الأخيرة المتعلقة بأفغانستان في سياق الديناميكية الدولية التي بدأت تتكشف منذ بداية ولاية "بايدن".

وعلى المدى القصير، ستضر الأحداث بالتأكيد بصورة الولايات المتحدة كقوة عظمى وبثقة حلفائها باستعدادها لمساعدتهم في أوقات الأزمات. وفي الوقت الذي تسعى فيه "طالبان" إلى توطيد حكمها بسرعة في جميع أنحاء أفغانستان، فإنها ستحتفل (مع القاعدة) بانتصارها على قوة عالمية باعتباره انتصارا دينيا إسلاميا.

وقد تحاول العديد من الجهات الفاعلة الدولية اختبار قوة وتصميم الولايات المتحدة والبحث عن فرص لاستغلال هذه الضربة لصورتها من أجل تعزيز مصالحها الخاصة. ومع ذلك، لم يتضح بعد إلى أي مدى سيتم ترجمة الفشل الأمريكي الحالي إلى تحدٍ استراتيجي طويل الأمد يمكن أن يهدد بشكل خطير موقف الولايات المتحدة.

ومن المرجح أن يسيطر الشعور بالتهديد على جيران أفغانستان، وفي مقدمتهم الصين والهند وإيران وكذلك روسيا التي تضم طاجيكستان في ساحتها الخلفية. وستضطر هذه الدول إلى استثمار موارد أكبر من ذي قبل في التعامل مع هذه التهديدات خشية أن توجه "طالبان" انتباهها إليهم.

وستخدم التطورات في هذا الاتجاه المصالح الأمريكية بشكل خاص والمصالح الغربية بشكل عام. وعند شرح مبررات الانسحاب، شدد "بايدن" على أن الصين وروسيا ترغبان في بقاء الولايات المتحدة في أفغانستان من أجل إضعافها.

وبالنسبة لإسرائيل، من المهم دراسة التطورات على 3 مستويات:

أولا: التأثير على دوافع "المنظمات الإرهابية":

إن السيطرة السريعة التي حققتها "طالبان" والترويج لسردية الانتصار علي قوة عظمى يمكن أن يقوي دافع "المنظمات المتطرفة" لتعزيز أنشطتها في الساحة العالمية، بما في ذلك ضد أهداف إسرائيلية.

ولكن ينبغي الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تلعب دورًا صغيرًا فقط في الحرب ضد "الجماعات الإرهابية المعادية لإسرائيل"، وبالتالي فإن الانسحاب من أفغانستان ربما لن يغير بشكل كبير كيفية تقييم هذه الجماعات للوضع وأهداف أنشطتها.

ثانيا: سلوك إيران الإقليمي:

تضع التطورات في أفغانستان إيران في موقف صعب مع أنها ترى في الانسحاب الأمريكي تطوراً إيجابياً على صعيد نهاية الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط. وتأمل طهران أن تكون المرحلة المقبلة هي الانسحاب من العراق. ومن شأن هذا التطور أن يحسن بشكل كبير أمن الفناء الخلفي لإيران ويمنحها أيضًا "انتقامًا استراتيجيًا" لمقتل "قاسم سليماني". وسيعزز هذا النهج الرواية الإيرانية القائلة بضرورة ممارسة ضغوط أكبر على الأمريكيين من أجل "إقناعهم" بضرورة مغادرة العراق.

من ناحية أخرى، إذا اضطرت إيران إلى زيادة مشاركتها في أفغانستان (وهو ما لا يبدو مرجحًا في الوقت الحالي)، فستحتاج إلى موارد (خاصة من الحرس الثوري) ربما لا تمتلكها، وحتى لو كانت موجودة فإن ذلك سيكون بالضرورة على حساب نشاطها الإقليمي.

ثالثا: علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة:

بالرغم من الصور التي يتم تفسيرها على أنها هروب أمريكي من أفغانستان، ليس من المتوقع أن تغير الإدارة الأمريكية سياستها المتمثلة في الانسحاب من "الحروب التي لا نهاية لها"، ما يعني تقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط.

ويعتقد اللاعبون الرئيسيون في المنطقة أن الشرق الأوسط يفقد أهميته في قائمة اعتبارات الأمن القومي الأمريكي، ما يؤدي إلى تراجع الرغبة الأمريكية في استثمار الموارد الاقتصادية والعسكرية في المنطقة، ويلزمهم ذلك بتحديث تقييماتهم وسلوكهم. وقد يؤثر هذا الوضع الجديد أيضًا على مستوى الدعم الذي ستمنحه الولايات المتحدة لإسرائيل في مواجهة التحديات الإقليمية.

ومن الناحية الموضوعية، يجب على إسرائيل أن تخطط لتحركاتها على أساس أنه حتى لو كانت الإدارة مخلصة في تعاطفها ودعمها لإسرائيل، فقد لا تكون مستعدة في المستقبل لاستثمار الموارد العسكرية اللازمة لدعم إسرائيل.

وفي المقابل، فإن تحديات المنطقة بما في ذلك التحدي الإيراني، قد يعزز تقييم الإدارة لقيمة إسرائيل كدولة يمكن أن تساعدها في الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة بعد الانسحاب منها.

المصدر | إلداد شافيت، شيمون شتاين/ معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الانسحاب الأمريكي طالبان القوة الأمريكية جو بايدن العلاقات الإسرائيلية الأمريكية القوات الأمريكية القوات الأمريكية

إيكونوميست: أحداث أفغانستان ستؤثر سلبا على قوة الردع الأمريكية بأعين الجميع

ميركل تلغي زيارتها إلى إسرائيل.. ما علاقة أفغانستان؟

عسكريون أمريكيون يعطلون معدات عسكرية قبل الانسحاب من أفغانستان