استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

القصف الجوي يعاقب الأبرياء ولا ينهي الإرهاب

الخميس 12 نوفمبر 2015 04:11 ص

منذ دخول روسيا على خط الصراع السوري تواصل القصف الجوي لمعاقل المنظمات المسلحة خصوصا «داعش». وفي موازاة ذلك كثف الغربيون تدخلهم العسكري باستهداف تلك المعاقل. مع ذلك لا يبدو واضحا أن قوات الطيران التابعة للدول الكبرى قادرة على حسم المعركة بشكل نهائي ضد تلك المجموعات. ويزيد من تعقيد الوضع اختلاف جوهري بين أهداف روسيا والغرب من ذلك القصف. فالأولى تستهدف كافة المجموعات المسلحة التي تقاتل النظام السوري بما فيها المدعومة من الغرب كالجيش الحر، بينما يقتصر الاستهداف الغربي على داعش والمجموعات «الإسلامية» الأخرى. أيا كان الأمر فالواضح أن الوضع لا يتجه نحو الحسم في المدى المنظور. وعلى صعيد آخر يتردد أن السعودية وحليفاتها على وشك وقف العمليات الجوية على اليمن بعد أكثر من ثمانية شهور من القصف اليومي المركز، بدون أن تتحقق الاهداف التي وضعتها السعودية لحربها على اليمن. كما أن القصف الجوي الذي يقوم به الطيران الأمريكي لمعاقل داعش في العراق، هي الأخرى لم تقصم ظهر المجموعات المسلحة. ماذا يعني ذلك؟

بعيدا عن تعقيدات المنطلقات الأيديولوجية والسياسية للدول التي تستخدم طيرانها لاستهداف المنظمات الإرهابية، فهناك حقيقة يتفق عليها أغلب العسكريين: أن القصف الجوي لا يحسم المعارك والحروب، بل يسبب دمارا لكافة الأطراف على الأرض، الصديقة والعدوة. وبدون استخدام القوات الارضية فمن الصعب جدا تحقيق نصر ساحق يؤدي لتغيير التوازن على الأرض. أمريكا تدرك ذلك جيدا من خلال تجاربها العسكرية المعاصرة. ففي 1991 كانت تعلم أن القوات العراقية لن يتم اخراجها من الكويت بالاقتصار على القصف الجوي برغم أن تلك الحرب ربما كانت اكثر الحروب التكنولوجية تطورا. وللمرة الأولى في التاريخ الحديث كانت العمليات العسكرية تبث حية على شاشات «سي ان ان» الأمر الذي وفر لتلك الحرب اهتماما عالميا غير مسبوق. ولم تحسم الحرب إلا بعد تدخل القوات البرية لدول التحالف من الأراضي السعودية. وتكرر الأمر نفسه في حرب العراق الثانية في العام 2003. ولكن ثمة تعقيدا آخر يضاف لتلك الصورة. فالتدخل العسكري الجوي والأرضي ضد جيوش نظامية، كالجيش العراقي، سيؤدي لحسم الحرب لصالح قوى التحالف، إذا كان لديها تفوق عسكري نوعي وعددي. ولكن الوضع يختلف حين تكون الأهداف مجموعات مسلحة غير نظامية. وتعرف أمريكا وروسيا معنى ذلك من خلال تجاربهما العديدة. فأمريكا تورطت في فييتنام لأنها كانت تواجه حرب عصابات أنهكتها وحرمتها من تحقيق انتصار عسكري حاسم. وتكررت تجربتها في أفغانستان كذلك، وقبلها في لبنان والصومال. وتمكنت المجموعات المسلحة في النيبال من الصمود طويلا وهي تواجه النظام حتى اجبرته على التنازل واضطرت الرئيس للاستقالة. فمن الصعب جدا الحاق هزيمة نهائية بمجموعات متناثرة تنتشر في الغابات او الجبال وغير ملتزمة بانظمة الحرب التقليدية وقوانينها واخلاقياتها. ولدى روسيا تجربة مماثلة في افغانستان، تخشى ان تتكرر في سوريا.

هذه التباينات في الاوضاع والمنطلقات والتوازنات السياسية والعسكرية والانتماءات الايديولوجية تجعل الاوضاع الحالية في العالم الإسلامي مستعصية على الحسم في المستقبل المنظور. فالحروب هنا موجهة لـ «أشباح» تنتقل من منطقة لاخرى وتعبر الحدود ولا تحصر نفسها ببقعة جغرافية واحدة. ولا تلتزم المجموعات المسلحة التي تعمل حاليا في العراق او سوريا او ليبيا او نيجيريا بمواثيق او قوانين دولية، بل انها لا تضع الموازين الاخلاقية في حسبانها.

فالتقارير تتحدث عن استخدام اسلحة كيماوية في سوريا، وممارسة عمليات قطع الرؤوس في مناطق اخرى عديدة. كما ان المنشآت ذات الطابع المدني والانساني لم تعد لها حصانة. فالمساجد والمستشفيات والمدارس اصبحت جميعا «أهدافا» مشروعة في القاموس العسكري خصوصا لدى المجموعات المسلحة. ولا تبدو القوات النظامية افضل كثيرا من تلك المجموعات في استهدافها تلك المنشآت. وعندما قصفت القوات الأمريكية مؤخرا مستشفى في افغانستان، ادعت لاحقا ان هناك مقاتلين من الطالبان كانت تتلقى العلاج في ذلك المستشفى. والقصف الجوي قد لا يوفر الحلفاء في الحرب الدائرة. فالقوات السعودية قصفت تجمعات تابعة لحلفائها من اتباع عبد ربه منصور هادي، وقتلت العشرات منهم بشكل متكرر. والقوات الأمريكية استهدفت تجمعات للقوات العراقية الرسمية. هذا يعني ان الحروب الحالية، برغم وجود مواثيق جنيف التي تنظمها، ما تزال تنتهك تلك المواثيق، الامر الذي يثير التساؤلات حول مصداقية دول «العالم الحر» في دعاواهم بالرغبة في اقامة عالم محكوم بالقانون الذي يحفظ حقوق الانسان وكرامته في حالتي السلم والحرب.

في الاسبوع الماضي قام الحاكم العسكري المصري بزيارة رسمية لبريطانيا، وتزامنت تلك الزيارة مع اللغط حول اسباب تحطم طائرة الايرباص الروسية ومقتل 224 شخصا وهم جميع ركابها وطاقمها. وبرغم الرفض الغربي العلني للانقلاب العسكري الذي قام به عبد الفتاح السيسي ضد الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، لم تجد بريطانيا غضاضة من مقابلة مسؤول اسقط التجربة الديمقراطية الوحيدة ذات المصداقية النسبية، لماذا تفعل بريطانيا ذلك؟ لماذا تتحالف مع انظمة القمع والاستبداد؟ ولماذا توفر الدعم الامني لبعض هذه الانظمة؟ زيارة السيسي للعاصمة البريطانية لم تكن الوحيدة، بل سبقتها زيارة الرئيس الصيني الذي يتهم الغرب بلاده بقمع المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية في 1989، ويظهر دعمه لمعارضيه ومنهم الفنان أي وي وي. لماذا لم تضغط لندن على رئيس كازاخستان، نور سلطان نزاربايف المتهم بانتهاك حقوق الانسان مع معارضيه؟ فبرغم ما يبدو من توجه للتناغم مع ما يطرحه زعيم حزب العمال المعارض، السيد جيريمي كوربين من اعتراضات على دعم انظمة متهمة بانتهاك حقوق الانسان مثل «اسرائيل» والسعودية، فان المؤسسة البريطانية الرسمية ترفض هذا التوجه وتسعى لتجاوزه ضمن ما تسمح بها قوانينها الفضفاضة.

وسيقوم السيد ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء، بزيارة الرياض قريبا لرأب الصدع الذي سببه الغاء اتفاقية قيمتها اقل من ستة ملايين جنيه استرليني لتدريب كوادر السجون. وفي نهاية الشهر الماضي كان وزير الخارجية البريطانية، السيد فيليب هاموند، في زيارة للبحرين لحضور مؤتمر «حوار المنامة» وقام بوضع حجر الاساس لمقر القاعدة البريطانية الجديدة التي ستدفع حكومة البحرين تكاليف بنائها كاملة. 

هذه الخلفية يوازيها سجال متواصل حول موقف الغرب من قضايا الأمن والإرهاب والتطرف وما إذا كان هذا الغرب مقتنعا بارتباط تلك القضايا بقيم الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان. فاستهداف التنظيمات المسلحة مثل داعش والقاعدة عسكريا لا يكفي، خصوصا مع اقتصار ذلك التصدي على القصف الجوي الذي لا يحسم المعركة ابدا، بل يضاعف الخسائر البشرية والمادية. ولا شك ان عدم اكتراث الغرب بالمبادىء التي يروجها يمثل نفاقا سياسيا مدمرا، لأنه يوفر ارضية الغضب في نفوس الاجيال الجديدة من الشباب المتطلعة للحرية في مناخات اكثر انفتاحا وتحررا مما هو متوفر في العالمين العربي والإسلامي.

ماذا يعني تجدد الاهتمام البريطاني بالشرق الاوسط؟ ماذا تعني هذه العودة الجديدة لمنطقة تزداد توترا واحتقانا وتشظيا على صعدان شتى؟ على مدى اكثر من ربع قرن وجد الأمريكيون انفسهم متورطين في صراعات بدون حدود زمانية او مكانية، فيما يتراجع نفوذها الدولي نتيجة صعود نجم لاعبين كبار مثل الصين والهند. وجاء التدخل الروسي العسكري في سوريا ليضيف للقلق الأمريكي وليكشف حالة الضعف البنيوي في الاستراتيجية الغربية خصوصا في الشرق الاوسط وجنوب شرق آسيا والمحيط الهادىء. 

العودة البريطانية للشرق الاوسط هدفها ملء فراغ الانسحاب الأمريكي المزمع بعد قرار نقل مركز الثقل العسكري لمواجهة التهديد الاستراتيجي الذي تمثله النهضة الصينية.

لذلك تعتبر الزيارات الاخيرة للعاصمة البريطانية التي قام بها رؤساء مصر والصين وكازاخستان، ذات ابعاد استراتيجية تتصل بالدور البريطاني في الشرق الاوسط والموقف البريطاني تجاه الصين ودول اوروبا الشرقية.

انه لأمر ايجابي ان يكون هناك تفاهم بين الدول الفاعلة، فذلك يساهم في تجاوز الحروب والصراعات، ولكن لن تنجح تلك السياسة بدون التوافق الدولي على امور ثلاثة: التصدي الحقيقي للإرهاب، ومواجهة الاستبداد ومعها دعم التحول الديمقراطي في الشرق الاوسط، ووقف الحروب التي توفر ارضية للظواهر السلبية المذكورة.

فهل بريطانيا مؤهلة لذلك الدور؟

حتى الآن يصعب الاعتقاد بذلك، إلا ان يحدث تغيير جوهري في العقلية البريطانية التقليدية التي تعايشت مع الاستبداد وانتهاكات حقوق الانسان، في مقابل الحصول على المال وتوقيع الصفقات العسكرية العملاقة. القصف الجوي لن يحسم معارك الإرهاب، والحل السياسي لن يتحقق إلا بهذا التغير.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

  كلمات مفتاحية

الإرهاب سوريا الأسد المعارضة المسلحة الدولة الإسلامية الجيش الحر الأزمة السورية

«الحزب الشيوعي السوري» من حزب الجماهير إلى حزب السلطة

التفاوض بالسلاح في سوريا واليمن

تطورات واعدة في سوريا

المآل الطائفي للبعث السوري ونهاية «الأسد»

الغاز والطوائف في مشهدية «الدم السوري»

الأناضول: رصد بقايا قنابل فوسفور ألقتها طائرات روسية في سوريا

حين تقود «محاربة الإرهاب» إلى استفحاله..!