هل يمكن إعادة تونس للحكم الفردي؟

الجمعة 24 سبتمبر 2021 02:54 م

هل يمكن إعادة تونس للحكم الفردي؟

أزمة سياسية شارك الرئيس في صنعها برفض التعاون مع الحكومة والبرلمان التونسي في ظل أزمة اقتصادية فاقمها انتشار كورونا.

تونس أمام خيارات صعبة: إما الانزلاق لمزيد من الاستبداد المعلن أو وقوف القوى السياسية كافة ضد عودة نسخة أكثر بؤسا من النظام القديم.

ارتكب الرئيس، أستاذ القانون الدستوري، مفارقة منطقية كبيرة تنقض الأسس الدستورية والقانونية التي استند إليها للقيام بحركته في 25 يوليو الماضي.

استلام الرئيس للسلطات التنفيذية بنفسه، والحديث عن «أحكام انتقالية» واستمرار «الإجراءات الاستثنائية» فسيؤدي بالضرورة إلى سوق البلاد إلى الحكم الفردي.

*     *     *

اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد أول أمس الأربعاء مجموعة تشريعات بمراسيم رئاسية ألغى فيها هيئة مراقبة دستورية القوانين، وأعلن تولي السلطة التنفيذية «بمعاونة حكومة» حسب قول بيان الرئاسة، وهو ما يمكن اعتباره تعليقا لأعمال الدستور، وتركيزا حرفيا لكل السلطات بين يديه.

بهذه الخطوات ارتكب الرئيس، الذي هو أستاذ قانون دستوري، مفارقة منطقية كبيرة تنقض الأسس الدستورية والقانونية التي أعلن الاستناد عليها للقيام بحركته في 25 تموز/يوليو الماضي.

أما استلامه للسلطات التنفيذية بنفسه، والحديث عن «أحكام انتقالية» واستمرار «الإجراءات الاستثنائية» فسيؤدي بالضرورة إلى سوق البلاد إلى الحكم الفردي.

برر سعيد حركته بوجود «خطر داهم» على البلاد، التي كانت تعاني من أزمة سياسية شارك هو نفسه في صنعها برفض التعاون مع حكومة هشام المشيشي، ومع البرلمان التونسي، وفي ظل أزمة اقتصادية أسهم انتشار وباء كورونا في مفاقمتها.

وقد نجح الرئيس التونسي في نيل دعم قيادتي الجيش والأمن، كما ساهم الإحباط السياسي والاقتصادي العام في توفير تقبل شعبي لتلك الإجراءات.

شاركت بعض القوى السياسية والنقابية، يقف على رأسها «الاتحاد التونسي للشغل» والحزب «الدستوري» الذي يعبر عن قوى النظام التونسي القديم، في إعلان تأييد حركة سعيد، وبذلك جمع الرئيس التونسي القوة العسكرية والأمنية، وتأييدا شعبيا وسياسيا.

كما أعطت القوى السياسية الأخرى، ومنها حركة «النهضة» و«قلب تونس» الحزبان الكبيران في البرلمان التونسي، موقفا مترقبا لا يواجه سعيد بشكل مباشر.

وفرت هذه المروحة من القوى والظروف ديناميات سياسية جديدة، وأمنت للرئيس فرصة لتقديم برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي لإصلاح النظام السياسي، على أن يتم ذلك بالعودة التدريجية إلى المنطلق الشرعي الذي قامت عليه حركة سعيد، وهو الدستور.

تقود مخالفة الدستور الذي استخدم سعيد إحدى فقراته لتبرير حركته، وتقويض النظام السياسي الذي جاء به، للإساءة للثقة التي منحته إياها الجماهير، وللقوى التي ساهمت في وصوله للرئاسة (بما فيها حركة «النهضة») وتغير ديناميات الأزمة السياسية ليصبح الرئيس هو مركز هذه الأزمة وليس الشخص الذي كان يمكن أن يساهم في حلها.

ما شاهده التونسيون خلال الشهرين الماضيين هو حلول شعبوية لأزمة كورونا، وخطابات تقوم باستعداء جزء من الشعب التونسي ضد جزء آخر، وتأكيد يتلو الآخر أن سعيد لا يثق بأحد غير نفسه، وأنه لا يأبه حتى للقوى السياسية التي أعلنت استعدادها للتعاون معه، وميل مستمر نحو طور جديد من الحكم الفردي.

بدلا من العودة لسكة القوانين والدستور والشرعية القائمة على الثورة لا يعود لدى سعيد سوى القبضة الحديدية للجيش والأمن، والدبابة والأقفال التي تغلق البرلمان، وتصريحه المتكرر: «الصواريخ جاهزة على منصاتها».

تونس الآن أمام خيارات صعبة، فإما الانزلاق إلى مزيد من الاستبداد المعلن، أو وقوف القوى السياسية كافة ضد عودة نسخة أكثر بؤسا من النظام القديم.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس، قيس سعيد، الدستور، الحكم الفردي، القانون، الإجراءات الاستثنائية، أحكام انتقالية،